رشة ملح على جرح عربي
تاريخ النشر: 24/09/10 | 11:31بقلم: يوسف جمل
كنا قد انتهينا من تناول وجبة العشاء في باحة مطعم في مدينة عربية سياحية في دولة عربية حين جلس بالقرب منا رجل وامرأتان أجانب لفت نظرنا الاهتمام الواضح في استقبالهم والترحيب بهم من قبل الطاقم المشرف على خدمة الزبائن , وقد كنا قد جلسنا أنا وزوجتي ولم يعيرنا أحد منهم الاهتمام رغم أننا عندما حضرنا لم يكن في الموقع أحد من الزوار الجائعين الذين يختارون الجلوس في الساحة رغم الحر الشديد الذي يفْضُل الجلوس في الداخل كثيراً وعلى أمل أن تخف وطأة الحر بغروب الشمس القريب .
أحضر لهم المكلف بخدمة الطاولات زجاجة ماء باردة وصب لهم الماء ليرووا عطشهم ومن ثم حدثت حركة غريبة فهذا يحضر قائمة المأكولات وذاك يرتب الأمور على الطاولة وآخر يشتغل بتركيب مروحة تبخ رذاذ الماء نحوهم وآخر يقف مبتسماً كجزء من خدمة مميزة لزوار مميزين.
نظرت إلى زوجتي فرأيتها تتابع المشهد باستغراب واستهجان يوازي ما لدي منه فنحن بزينا الشرقي ورغم قدومنا المبكر جلسنا ننتظر قدوم أحد منهم ليسألنا عن حالنا وما نريد فلم يكن لنا ما نريد إلا عندما نادينا على أحدهم وطلبنا ما نريد.
ذهب وصار يشتغل بترتيب الموائد والمقاعد ومن ثم صار يرش الماء على الأرض ويعتذر لنا بضرورة الماء لتهدئة الغبار وتلطيف الجو وغاب فترة ليعود وقد حمل الأكل على صينية قام بتفريغها على الطاولة وعاد أدراجه ليتركنا مع وجبتنا بعد عناء شديد.
جلسنا ننظر إلى ازدواجية المعاملة الغريبة باهتمام شديد فإذا بأحدهم يحضر علبة ملح ويضعها على طاولتنا رغم أننا كنا قد فرغنا من الأكل وقام أحدهم بتنظيف الطاولة فطلبت منه فنجاناً من القهوة حتى أتابع المسلسل وزوجتي تلح علي أن اعبر عن ما في داخلنا من استياء خاصة عندما أحضر الطعام إلى الطاولة المجاورة وقد رسم بتنسيق جميل وحضر بجهد كبير وأحضرت الكؤوس الزجاجية والشوك والملاعق الملفوفة بالورق والسلطات التي بذل الجهد في تنسيقها والعصائر المزينة والمروحة تعمل فيصيبنا منها بعض الرذاذ الأمر الذي شجعنا على الاستمرار في الجلوس.
تذكر أحدهم أن طاولتنا ينقصها علبة محارم ورقية فسارع لإحضارها وعلى ما يبدو أنه رأى في وجوهنا بعض الاستغراب والاستياء والمقارنة الواضحة في المعاملة فرأيتها فرصة سانحة لأعبر له عن ما في داخلنا وأتساءل عن الاختلاف في المعاملة فيبدي اعتذاره وتبريراته الغير منطقية التي احتوت في ما احتوت إلى أن الزبون الأجنبي يدفع ثمناً للفرق بين الخدمة والخدمة ويقدر العاملين بتركه إكرامية كريمة بينما يدفع الزبون العربي ثمناً للأكل وحده ويحرص على إرجاع زجاجة الماء التي تظل منتصبة على المائدة.
أحضر لي آخر فنجان القهوة وهو يحمله بيده ووضعه أمامي وعاد ليسأل جيراننا على الطاولة المجاورة إن كان كل شيء على ما يرام .
ناديته بعد فترة وجيزة وطلبت منه كأس عصير طبيعي لزوجتي وانتظرنا ليحمله إلينا بيده ويضعه على الطاولة ويمضي ليتابع اهتمامه بالطاولة المجاورة وفي صدره غيظ منا شديد.
بعدما مللنا من المنظر ناديته لأدفع له الحساب وتعمدت أن أبقي له هذه المرة تقديراً لسوء خدمته وتعويضاً لابتسامته ومقابلاً لعدم اهتمامه ما يكفيه ليطفىء عقدة الشعور بالنقص ولعلها تكون مرهماً يتخلص به من ازدواجية المعاملة والحكم المسبق على الأمور بدون حق أو سبب ولعلها تكون نقطة تحول في السعي للحفاظ على العزة والكرامة قبل اللهث والهرولة لنيل الإكرامية والبقشيش.
رأيتهم وهم يبتسمون بالإكراه لمن لا يعيرونهم الانتباه ورأيتهم وهم يبتسمون بالإكراه لمن يتذللون لهم ويحسنون خدمتهم طمعاً بما يخلفونه لهم من تقدير مترجم إلى بضع دراهم تعيد لهم كرامتهم المهدورة وتشجعهم بالمضي قدماً في مسلسل الابتسام بالإكراه.
تركنا الطاولة لكننا حرصنا قبلها على أن نغسل جروحنا من أثار رشة الملح على الجرح ونبتسم طوعاً وليس بالإكراه.
شرف لنا يا ابن جت الأستاذ يوسف ان نتذوق من حلو كلامك الموضوعي، الناقد البناء، في موقع بقجة دائما. فها انت اليوم بمقالك هذا تصيب الوتر الحساس من واقع مؤسف قد عاشه ربما الكثير منا من سافر الى الدول العربية، حيث لاقى تلك التفرقة والتمييز في المعاملة والخدمة بين رواد وزوار المكان من اعجمي وعربي…والسبب ماذا “التب” البقشيش!! فيا لسخافة الإنسان يتجامل بتذلل من أجل حفنة قروش!! ويبع كرامته وكرامة غيره امام أقدام غريب لا تربطه به عرق ولا هوية ونسب…ولماذا من أجل دولار لا يسمن ولا يغني من جوع. يؤلمني مناظر كهذه من بني عروبتي….فحفظ ماء الوجه والإعتزاز بالكرامة أثمن من حفنة فلوس…!!
شرم أم عقبة
حياك الله يا استاذ يوسف..
دائما انتظر بشوق كبير مقالاتك لما فيهن من عبر ودروس.
تعامل الطاقم المشرف على خدمة الزبائن في المطعم غير عادل وليس فيه اي حكمة ويهرب الزوار.
لو كنت مكانك لتركت المطعم حالا بدون ان اشتري منه اي شيء.
علينا ان نتعامل مع كل الناس بسواسية وبدون محاباة لغني او صاحب جاه.
وختاما.. بارك الله لك يا استاذنا الكريم, ومزيدا من العطاء.
“ماذا يقول الشعر ؟ في العصر الشعوبي ..
المجوسي .. الجبان ..
والعالم العربي ..
مسحوقٌ .. ومقموع ..
ومقطوع اللسان ! ” – نزار قباني
أحبّ هذه المقالات الناقدة التي تصيب قلب الهدف، تحكي عن واقعنا، عن سباتنا وعن نظرتنا لأنفسنا ! أقدّرُ القلم الجريء الذي يخطو خُطاه دون تررد وتراجع، يعكس صورة الواقع، ينتقدها، ويحاول تغيرها الى الأفضل !
أستاذي الكبير .. طوبى لنا بِك ْ !
مقالاتك دائماً مميزة بمضامينها الجذّابة وجوانبها الناقدة، وبإسلوبها المتقن والساحر !
بارك الله فيك يا استاذ يوسف جمل, موضوع المقال مميز وانت من المميزين في فحوى مواضعيك التي نقرأها دائما, بها تتطرق لنواحي عدة من حياتنا ومن واقعنا. فجراحنا كثيرة وعميقة وشر البلية لا تندمل ابدا وانما تزداد عمقا ويضاعف ايلامها بسبب رشات ملح محرقة في القلوب والنفوس تكوي وتحرق فرحة ومتعة واملا وحلما قبل ان يولد ويرى النور…
ممتاز جدا جدا بغنى عن التعبير سلمت يداك ان شاء الله ان نقدر ما كتبته ونفهم عبرته يا اخي الكريم
حدث شيء مماثل لي حين كنت مع عائلتي في الشرم وبالتحديد عند البركة في الفندق فابنتي ذهبت تطلب كأس عصير بارد فانتظرت وانتظرت ولم “يعبرها” المشرف ابدا وانما “شلخ حاله” بتقديم الأولوية لشابات اجنبيات شقراوات وانت ادرى يا اخ يوسف ما في نفس يعقوب….فلم يكن مني الا ان توجهت اليه وبدأت بإسماعهم وابل من الكلمات القاسية لأني والله شفقت على ابنتي التي وقفت تستنجدهم بعينيها وليس هناك من يرى…اهذه معاملة مع اننا دافعين لهم مسبقاً!!!
رائع أستاذ يوسف جمل .. نقد مميّز .. لنظرتنا لأنفسنا .. ولنظرة المغاير لنا !!
نعم أستاذ يوسف هي فعلا ً رشة ملح على جرح من جروح .
هذا واقع مرير نعيش في وسطه ونحياه يوميّاً , وهنا لا بدّ من إضافة صغيرة منّي
ربّما أعذر قليلاً هذا الطاقم المكلّف في ذلك المطعم لطمعه في إكرامية أفضل .
لكن كيف أعذر ما يحدث في مجالات أهم من البطون !! معاملة الطّلبة في المدارس مثلاّ أو في توظيف المساعدات للمدارس وساعات العمل , ولا ننسى البنوك كيف يستقطع الموظّف الوقت ويتوقّف من أجل الشّيخ بن الشّيخ (ليس العجوز) والحديث معه عن أمور العائلة والأولاد !!؟؟. الموظّف مهتم بالإطمئنان على صحة الشّيخ وعائلته ما شاء الله بارك الله فيه موظف إنساني يملك مشاعر!!؟؟ لكن للجميع لا أعلم ؟؟!!!
وجروح كثيرة لا زالت مغروزة في الجسد العربي .
ما أروع حياة القرود …
أأسف جدا عند سماع مثل هذه الاحداث خاصه وان ديننا يحثنا على الاحترام والمساواه بالمعامله .
ذكرتني قصتك هذه يا استاذي العزيز بسفري الاول والاخير الى شرم الشيخ وعلى نقطة العبور حينما استوقفنا الجانب المصري ومن دون مبالغه اكثر من اربع ساعات ومن دون مبرر او سبب مما اغاظ جميع المسافرين وعند عبورنا للجانب الاسرائيلي اتدري كيف استقبلونا ؟
طلبوا منا الاصطفاف وشرط عبورنا اعطاء المسنين من بيننا حق الاولويه للمرور اولا .
تأسفت جدا عند رؤيتي هذا المنظر امام عيناي وعلى مسمع أذنياي !!
حتى ابسط الامور الا وهي المعامله استولوا عليها ولم تعد لنا ,واما بأسنا اننا تنازلنا عن المقاومه لتحريرها واسترجاعها !
أحيّي من القلب الأستاذ يوسف جمل على طرحه الموضوعي والمشوّق لمثل هذه الموضوعات المستمدة من واقع حياتنا، سواء هنا في مجتمعنا المحلّي، أو في العالم العربي!
هذا النص يشير إلى ظاهرة سلوكية تحتاج للتفكير الجاد واقتراح الحلول لمواجهتها.
الظاهرة هي “الشعور بالدونية” وعدم الثقة بالذات!
فكثيرا ما نصطدم بأشخاص من شعبنا وأمتنا “ينحنون” أمام الأجنبي والغريب، ويقدمون له من “الاحترام والتقدير” أكثر مما يستحق على حساب كرامتهم ومكانتهم!
والمطلوب: أن نؤمن بأنفسنا وبقدراتنا وطاقاتنا، وأن نصون كرامتنا وإباءنا،
فنحن نمتلك عقولا ومواهب ومعارف وقدرات تؤهلنا لنشارك في صنع الحضارة، ونسهم في مسيرة التقدم والرقيّ …
وكفانا استهلاكا واجترارا لما يصنعه ويبدعُهُ الآخرون!!
ان التعامل الإيجابي مع كل منغصات الحياة وزيادة رصيدنا الإيجابي في كل لحظة من لحظات حياتنا والانتصار على مثل هذا التصرف َ فلكل مدينة مطاعمها مثلما تكون لكل مدينة اطعمتها و نكهتها.
فلا نجد مهنة او حرفة تشعبت اسماؤها كمهنة من يخدمنا في المطاعم . نسميه احيانا بالسفرجي من اللغة التركية ، و من الانكليزية تعلمنا ان نطاق عليه كلمة بوي، و من تأثر بالثقافة الفرنسية ، ينادي عليه بكلمة جرسون. و ابدع الفحول في اللغة العربية فاشتقوا لنا كلمة نادل.
العلاقة بين النادل و الزبون في المطاعم علاقة متوترة دائما. النادل يكره باطنيا زبائنه فخدمته لهم تنطوي على شيء من المذلة و الشعور بالنقص. عليه ان ينفذ اوامرهم مهما صعبت و يتحمل انتقاداتهم و اهاناتهم بأدب و احترام. القاعدة التجارية تقول الزبون دائما على حق. والزبائن من ناحيتهم ايضا يشعرون بالنقص تجاه النادل فهو الذي يعرف اكثر مما يعرفون عن الأكل و الشرب واصوله و آدابه. و تتوقف وليمتهم على حسن ذوقه و خدمته اي ذوق الخادم او النادل.
و لكن كثيرا ما يجد النادل وسيلة ماكرة للنيل والانتقام من زبائنه عن التمييز الديني او العنصري. أو الجيبه.
خير وسيلة لتحقير اي زبون لا يعطيهم بخشيش.
فانا شخصيا أبادر في أعطاء ألبخشيش قبل كل شيئ في مثل هذه الاماكن أيمانا مني انه بعد قليل ستبدء لعبه البس والفأر وأكيد أنا ألخسران.
فالمراهنه تبدأ باللحظه ألتي تقع عين ألنادل على الزبون (يا صايده يا مش صايده). وأذا مش صايده يا يا خال فانت زبون للاسف الشديد من الدرجه الثانيه حتى وان كنت من أصحاب المعلقات. فهذه اللعبه تحددت معالمها للأسف مذ عهود خلت.(وعلى شان نحافظ على ميه وجوهنا يا خال يجب علينا أن نعالج هذا الموضوع بلوذعية احسن.)
والى لقاء