الشيخ موفّق طريف والأستاذ وليد جنبلاط ما بين الاختلاف والخلاف

سعيد نفّاع

تاريخ النشر: 12/03/25 | 1:56

وقفات على المفارق
الوقفة الأولى… والمِحَن
ما يمرّ به الدروز اليوم إقليميّا مِحنة من المِحن الكثيرة التي واجهوها على مرّ تاريخهم، مرّة داخليّة وكمثال؛ (قيس ويمن- دروز فيما بينهم: معركة عين دارا 1711) وَـ (شعبيّة وطرشان 1947)، ومرّة خارجيّة؛ بَدءًا بمحنة الدَّجَّال 1021-1026. ومعركة الأقحوانة 1029، ومِحنَّة أنطاكيا 1032، ومعركة عكار 1523و 1548 (العثمانيّون)، وإبراهيم باشا 1838، ومجازر 1860 (الموارنة الدروز)، وثورة 1893-1895 على العثمانيّين (أحد أثمانها أن لطش اليهود المطلّة من الدروز)، ثورة 1922 أدهم خنجر، ثورة 1925-1927 الثورة العربيّة السوريّة الكبرى، والترانسفير 1936 (الهاجاناه)، والشيشكلي 1954، وحرب الجبل- لبنان 1983 (الكتائب\إسرائيل\أميركا- ومدمّرتها نيو جيرسي التي دكّت قرى الجبل) … فهل نحن اليوم في صدد مِحنة جديدة؟!
الوقفة الثانية… وفصائل الجبل وَ “العفريت”
الوضع في الجبل “على كفّ عفريت” هذا ما يكتبه ويقوله شرفاء من الجبل في كلّ بيان أو رسالة أو محادثة؛ يكتبون ذلك أو يقولونه ليس لأنّ خطرًا داهمًا على الأبواب آتيهم من النظام الجديد “الإسلامويّ” رغم التخوّف المشروع، يقولونه خوفًا من فتنة \ محنة في الجبل. الخلفيّة كثرة الفصائل المسلّحة وكلّ منها وولاءاتها لمصادر تمويلها والاحتقان الذي يسود فيما بينها، ولكن إن حصل وحدثت الفتنة، فاعلم أنّ مصادر التمويل وراء ذلك!
ولا يعتقدّنّ أحد أنّ مصادري هي ممّن يُسمّون اليوم: “فلول النظام السابق!”
في الجبل اليوم 12 فصيلًا فاعلًا على الأقلّ، وكبراها: المجلس العسكري الذي يقوده طارق الشوفي (البعض يقول إنّه كان مواليًا للنظام السابق)، ومعه فصيل أحرار الجبل الذي يقوده سليمان عبد الباقي وهؤلاء مع الشيخ حكمت الهجري. فصيل مشايخ الكرامة ليث وحيد البلعوس، وفصيل رجال الكرامة يحيى الحجّار (هذان انقسما عن بعضهما بعد مقتل وحيد البلعوس). وفصيل نزيه الجربوع ابن الشيخ يوسف جربوع. القوى المدنيّة من النخب السياسيّة والمثقّفين ومنظّمات المجتمع المدنيّ التي تظاهرت سلميّا قرابة السنتين في “ساحة الكرامة” ضدّ النظام السابق ضاعت أصواتها كما مثيلاتها على كامل الساحة السوريّة بين قرقعة بنادق الفصائل المسلّحة.
رجال الكرامة ومشايخ الكرامة، يطرحون وجوب ترتيب العلاقة مع الهيئة، يعني النظام الجديد، وإدخالها إلى الجبل بشكل رمزيّ جزئيّ، ورأيناهم فاعلين ذلك في وأد حادثة جرمانا، هذا الموقف يرفضه الشيخ الهجري في الوقت الحالي.

الوقفة الثالثة… وفتيل الفتنة
الفتيل من طرفه في يد النظام الجديد من ناحية، ومن الأخرى في الأيادي الخارجيّة وفي مقدّمها إسرائيل التي تلعب خدمة لمصالحها الإقليميّة، ولن يكون دروز الجبل ودروز سوريّا كافّة إلّا وقوده إن اشتعل وسيحرق الدروز، والممسكون بالفتيل سيفركون الأكفّ يتفرّجون هانئين.
التخوّف من النظام الجديد مشروعٌ ولعلّ ما يحدث للعلويّين اليوم المثال السافر، ولكنّ الأخطر هو الأيادي الخارجيّة التي تعمل على منع أيّ توافق مع النظام الجديد، وساحتها الوضع الاقتصادي المتردّي حدّ الجوع في الجبل وسوء التصرّف في أموال حملات الدعم. علمًا أنّ الدولة المحتلّة ملزمة بمعيشة من تحتلّهم وهذا الحال في قرى جنوب سوريّا؛ “حضر” وجاراتها، وفوق ذلك ما الضير في أياد عاملة رخيصة إسرائيل بحاجتها الماسّة لبناء مستوطنات الشمال؟! فَـ “ما حدا يحمّل حدا جميل!”
أعتقد جازمًا أن الخطر المُحدق بالدروز اليوم ليس النظام الجديد، فلا مصلحة له ولا نيّة لديه أن يدخل في مواجهة مع الدروز لا خوفًا من “يسرائيل كاتس” وحبّه المتفجّر للدروز، (و”ليش يخاف” ألم يداوهم بالآلاف ويسلّحوهم إبّان الأزمة السوريّة؟!). ولكن وبغض النظر فالحذر واجبٌ ولكنّه إن زاد عن حدّه فَـ “لغرض في نفس يعقوب”؛ يعقوب داخليّ ويعقوب خارجيّ!
الوقفة الرابعة… ونزع الفتيل
الفتيل يجب أن يُنزع وهنا يكمن التحدّي الأساس لمنع وقوع الفتنة من ناحية (الدروز) والفتنة \ المحنة من ناحية أخرى (الدروز- النظام). وهنا يبرز “لاعبان” اثنان مهمّان في الساحة إقليميّا؛ الشيخ موفّق طريف الرئيس الروحي للدروز في إسرائيل، والأستاذ وليد جنبلاط الزعيم العربي الدرزي الأبرز في الإقليم.
الشيخ موفّق طريف يؤمن في العلاقة مع المؤسّسة الإسرائيليّة وله مبرّراته وتعليلاته، وبغضّ النظر إن كنت تتّفق أو لا تتّفق مع أطروحاته، لكن لا تستطيع أن تنفي عنه أنّ فعله في المشهد السوري منطلق ممّا هو يعتقد أنّ فيه نفعًا وحماية للدروز وعملًا على نزع الفتيل وهو يراه بيد النظام الجديد… وإنّما الأعمال بالنيّات. وهكذا بالنسبة لوليد جنبلاط، وكذا تتّفق معه أو لا تتّفق، والذي يرى أن نزع الفتيل يكمن في ترتيب العلاقة مع النظام الجديد منعًا للانزلاق في مواجهة بينه وبين الدروز من منطلق قناعته أنّ الانتماء العروبيّ الإسلاميّ للدروز هو الحصانة، وهو يرى أنّ الفتيل بيد المتربّص لا بل الفاعل، وهو إسرائيل وأدواتها.
الوقفة الخامسة… والويل لزعيم كلّ من حوله يقول له: نعم!
الاختلاف الآنف ليس وليد اليوم وليس وليد الأزمة السوريّة؛ هو اختلاف طويل الأمد قديم في غالب إن لم في كلّ التحدّيات التي واجهت الدروز في العقود الأخيرة. وهو في قضيّة فكريّة قبل أن تكون سياسيّة حياتيّة؛ هي قضيّة الفضاء الانتمائي الذي يجب أن يكون للدروز؛ العروبيّ الإسلاميّ (تراث أرسلان والأطرش وجنبلاط الأب – المُقاوم)، أو الإقليميّ الحياتيّ البراغماتي- المُهادن على طريقة “من أخذ أمّي هو عمّي!”
التواصل بين الدروز إقليميّا تحت مظلّة فضائهم الطبيعيّ ليس تدخّلا من الواحد في شؤون الآخر، ومن منعه في هذا السياق وتحت شعار؛ “عدم التدخّل” هو إسرائيل وأذرعها لأنّه يتناقض ومصالحها، ولكن حين يكون في فضائها وخدمة لمصلحتها فيصير شرعيّا وليس تدخّلا. كلّ من يضع التواصل في خانة عدم التدخّل ولِـ “يقلّع كلّ شوكه بيديه”، فطرحه كلام يبدو حقّا ولكن يُراد به باطلًا، كقول عليّ بن أبي طالب بعد التحكيم في دومة جندل بعد حرب صِفّين.
هذا النقاش أو الاختلاف في المواقف بين الرجلين وبشكل عام هو شرعيّ لا بل حضاريّ ولا شتيمة فيه ولا تطاول. فَـلِـ “يحطّط المْحَمْلين ثقيل” من يعتقد أنّ بالشتائم يدافع عن زعيمه فهو يسيء له أشدّ الإساءة. وكقول نلسون مانديلّا: “يا ويل القائد- الزعيم الذي كلّ من حوله يقولون: نعم!”. ومن ناحية أخرى فأقصى ما يتمنّاه المتربّصون بالدروز شرّا؛ عداءً لهم أو مصلحة له فيهم، أن يتحوّل النقاش والاختلاف إلى “جوقات” من الجهلة المحرَّضين الشتّامين في هذا الاتّجاه أو ذاك، فلسان حال أولئك المتربّصين لن يقول في الشتّامين إلّا: “بطيخ يكسّر بعضُهْ” أو إن “طَرِبَ” كثيرًا فسيقول فيهم شامتًا: “ناب الكلب في جلد الخنزير!”
وأخيرً…اليقظة هي المطلوبة اليوم وكلّ في ومن موقعه، فَـ “الفتنة أشدّ من القتل – البقرة 191” وفتيلها في يد من لا يألون جهدًا إن تطلّبت مصلحتهم أن يشعلوه، فارعووا حتّى لا يقول أحد لاحقًا: “أُكِلت يوم أُكل الثور الأبلق!”
سعيد نفّاع
9 آذار 2025م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة