قطر تطرح قضية خطيرة جدّا

د. جمال زحالقة

تاريخ النشر: 13/03/25 | 8:01

أثار طلب قطر، السبت الماضي، إخضاع المنشآت النووية الإسرائيلية كافة لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، استياءً واسعا في إسرائيل. وخرجت وسائل الإعلام الإسرائيلية بعناوين كبيرة مثل «ضربة تحت الحزام»، «قطر تفتح جبهة جديدة»، «خطوة غير مسبوقة ضد إسرائيل»، «هجوم قطري في لحظة حسّاسة»، وربط التقارير بين دور قطر كوسيط في صفقة التبادل، وطرح قضية تعتبرها الدولة الصهيونية من «المحرّمات والممنوعات».
وعلى الرغم من الاهتمام الواسع في وسائل الإعلام الإسرائيلية بالخبر، إلّا أنه لم يصدر أي بيان رسمي ولم يعلّق أي من المسؤولين الإسرائيليين عليه، تبعا لسياسة عدم الخوض في هذه المسألة والإبقاء على «الضبابية» بكل ما يتعلّق بها، فإسرائيل إلى اليوم ترفض أن تؤكّد، أو تنفي امتلاكها لسلاح نووي، مع أنّها معنية جدّا بأن يعرف الجميع حيازتها على القنابل النووية في سبيل الردع والترويع.
جاء الطلب القطري ضمن كلمة مندوب قطر السفير جاسم يعقوب الحمادي، أمام دورة مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي عقدت في العاصمة النمساوية فيينا، في التاسع من الشهر الحالي، حيث دعا السفير إلى «إخضاع المنشآت النووية الإسرائيلية كافة لرقابة الوكالة، وإلى انضمام إسرائيل لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية كدولة غير نووية». وأشار في كلمته إلى العديد من القرارات الدولية، التي أكدت أن على إسرائيل إخضاع مرافقها النووية كافة للرقابة الدولية، وإلى التوقيع على المعاهدة الدولية بشأن حظر الأسلحة النووية، مشيرا إلى أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي لم تنضم إلى هذه المعاهدة.

نحن الآن إزاء عقيدة عسكرية إسرائيلية هجومية منزوعة الكوابح، وهذا البلطجي الإسرائيلي يملك سلاحا نوويا، يستغله لإخافة محيطه ولفرض الأمر الواقع

تكمن أهمية الخطوة القطرية، أنّها جاءت في ظل «تخفيف اللهجة» الرسمية العربية بشأن النووي الإسرائيلي تبعا للتطورات ولسياسات التطبيع، إلّا أن قطر في بداية ونهاية المطاف دولة صغيرة، ولن تستطيع وحدها أن تحمل عبء مواجهة مفتوحة مع إسرائيل، بشأن قدس أقداسها في عمق أرض فرن ديمونة. الواجب المطلوب هو حملة عربية وإقليمية شاملة لنزع السلاح النووي الإسرائيلي، ووقف مشاريع إنتاج أسلحة نووية، إن وجدت في أي دولة في المنطقة، لكن، وعلى الرغم من الأهمية القصوى لهذه القضية ومن كونها تهديدا للأمن القومي للدول العربية، الّا أنه لم تطلق إلى الآن حملة جدّية لتجريد إسرائيل من سلاحها النووي طبقا للقانون الدولي ولمصالح شعوب المنطقة كافة.
قضية خطيرة جدّا
جاء في الكتاب السنوي 2024 للمعهد الدولي لدراسات السلام ومقره ستوكهولم، أن إسرائيل تمتلك 90 رأسا ذريا، وأنها تقوم بتحديث ترسانتها النووية وبتطوير مفاعل تخصيب المواد المشعة، التي تستعمل في إنتاج القنابل الذرية. ولعل أهم ما رصده المعهد على المستوى الكوني وسطّره في الكتاب، هو أن «أعداد وأنواع الأسلحة النووية التي يجري تطويرها ازداد بشكل واضح في ظل تعمّق اعتماد الدول على الردع النووي». وينسحب هذا الكلام على إسرائيل، التي تشير التقارير بأنها تراكم باستمرار سلاحها النووي ليصل، وفق العديد من التقديرات والدراسات، إلى ما لا يقل عن 200 قنبلة نووية. وهذا تهديد للأمن القومي لدول المنطقة كلّها بلا استثناء، خاصة أن إسرائيل بالمجمل تجنح إلى الحرب ووهم «الحلول العسكرية» وتبتعد عن السعي للسلام والاستقرار، ولو على سبيل المناورة. أوضاع التوتر المتفاقمة وجبهات المواجهة الإسرائيلية القائمة والمقبلة، قد تصل في مرحلة ما إلى «حالة نووية» كارثية. على الدوام شكّل المشروع النووي الإسرائيلي خطرا على شعوب ودول المنطقة، وهو يزداد خطورة تبعا لعدد من المتغيّرات والتطوّرات:
أولا، كسرت حرب الإبادة الجماعية، والتدمير الشامل في غزّة، كوابح اللجوء إلى المحق والإفناء، في ظل هستيريا الحرب والانتقام. ومن هان عليه ارتكاب جريمة الإبادة، لن يصعب عليه، في ظروف معيّنة، استعمال سلاح الدمار الشامل النووي.
ثانيا، لا يمكن الرهان على اتزان القيادة الإسرائيلية، فهي يمينية متطرّفة، وبعضها يحمل فكرا خلاصيا غيبيا، وهي قابلة أكثر من السابق لاتخاذ قرار الضغط على الزر النووي، ببواعث غير عقلانية، أو بدوافع عقلانية أداتية باردة. كما أن البوصلة الأمنية لهذه القيادات تحوّرت نحو المزيد من العدوانية والوحشية والقوّة العسكرية العارية، ونحو الاتكاء على الإسراع في إخماد أي تهديد مها كلّف الثمن. وبالمجمل، يمكن القول إنه بعد السابع من أكتوبر أصبح مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي أكثر تشدّدا، وزادت خطورة «النووي الإسرائيلي» تبعا لتوسيع مفهوم «الخطر الوجودي». فالادعاء الإسرائيلي المركزي هو أن السلاح النووي لن يستعمل إلا في حالة تهديد الوجود.
ثالثا، منشأة الفرن الذري في ديمونا خطيرة جدّا لأنها قديمة ومضى على تفعيلها حوالي 60 عاما، وهي معدّة أصلا للعمل لمدة 40 سنة كحد أقصى، وقد أُغلقت مثيلاتها منذ وقت بعيد. وما يزيد من الخطورة هو أن هذا الفرن العجوز قريب من بؤرة الهزّات الأرضية في فلسطين، التي تتكرر بمعدّل كل مئة عام، وكانت الهزة الأخيرة عام 1927. ولعل ما أصاب الأفران الذرية السلمية في اليابان والصين نتيجة للهزات الأرضية هو ناقوس خطر بأن فرن ديمونا العسكري، الذي يحتوي على أسلحة ومواد أخطر بكثير، عرضة للتصدع وربما للانهيار نتيجة لهزة أرضية محتملة، وستصل الإشعاعات في هذه الحالة إلى مناطق واسعة في الضفة الغربية وغزة وسيناء والأردن. وبما أن فرن ديمونا لا يخضع للرقابة الدولية ولا تتوفر معلومات دقيقة حول متانته وصموده أمام الهزات، فإن هناك حاجة ملحة للضغط في المؤسسات الدولية لتشكيل فريق هندسي دولي لمعاينة بنية الفرن، ومدى خطورة هزة أرضية عليه. وتكفي نظرة خاطفة على الخريطة، لتبيان أن لمصر وللأردن وللسلطة الفلسطينية مصلحة مباشرة وأساسا متينا لطرح قضية «خطورة فرن ديمونا».
الموقف العربي
من غرائب السياسة أن احتمال حصول إيران على سلاح نووي يحظى باهتمام أكبر بما لا يقارن من وجود سلاح نووي فعلي بحوزة إسرائيل، وكأن ما تملكه الدولة الصهيونية شرعي، وما تسعى إليه الدولة الإسلامية مرفوض. هناك، بالطبع، خشية عربية من أنّ سلاحا نوويا عند إيران، قد يشكل رافعة لمشاريع هيمنة، ما يزرع الخوف عند الكثير من القيادات العربية. لكن هذا ليس مبررا لغض الطرف عن الخطر النووي الإسرائيلي.
المصلحة العربية الفعلية هي أن تكون منطقة الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية، بما في ذلك إسرائيل، التي هي الدولة الوحيدة في الإقليم التي في حوزتها سلاح نووي. ومن الخطأ الفادح الاكتفاء بالمطالبة بإنهاء البعد العسكري للمشروع النووي الإيراني، ويجب ربط هذه المطالبة بالسعي لتفكيك الأسلحة النووية الإسرائيلية بالكامل. إن بقاء الأسلحة النووية بحوزة إسرائيل سيؤدي عاجلا أم آجلا، إلى حصول دول أخرى على هذه الأسلحة. وحتى لو كان هناك اتفاق مع إيران، فهي ستعود إلى مشروعها النووي، وربما تلحق بها دول أخرى مثل تركيا ومصر، ما دامت إسرائيل مدججة بالقنابل الذرية. وعليه فإن مساعي منع إيران من الوصول إلى قنبلة نووية، لن يحل المشكلة بل يفاقمها، ما دامت الدولة الصهيونية تملك النووي وتسعى إلى فرض إرادتها على دول المنطقة وشعوبها.
المطلوب أكثر من طرح موقف حول النووي الإسرائيلي، هناك حاجة لحملة تشارك فيها الدول العربية كافة، ومعها دول أخرى لحماية شعوب المنطقة من المخاطر، ولمنع التدهور إلى سباق تسلح نووي. العمل الجماعي هنا له أهمية خاصة، وذلك لزيادة القدرة على صد الضغوط الأمريكية والإسرائيلية، وربما الأوروبية المتوقّعة. المطلب واضح وبسيط وهو «شرق أوسط خال من السلاح النووي»، وإخضاع المرافق النووية كافة لرقابة دولية صارمة، وتفكيك منشآت إنتاج مثل هذ السلاح حيثما وجدت، وهي بالتأكيد موجودة في إسرائيل. لقد كانت في الماضي بعض المبادرات العربية، هنا وهناك، لطرح قضية النووي الإسرائيلي، والمطلوب حاليا هو الانتقال من العمل المتقطع والمتناثر إلى جهد متواصل ومدروس للضغط على المجتمع الدولي لإخضاع النووي الإسرائيلي للرقابة الدولية الصارمة، بما في ذلك معاينة هندسية لمخاطر انبعاث اشعاعات وتسرب مواد مشعة من فرن ديمونا العجوز، في حالة هزة أرضية أو غيرها. نحن الآن إزاء عقيدة عسكرية إسرائيلية هجومية منزوعة الكوابح، وهذا البلطجي الإسرائيلي يملك سلاحا نوويا، يستغله لإخافة محيطه ولفرض الأمر الواقع. ومن حق وواجب شعوب المنطقة أن تدافع عن نفسها، وعلى حكوماتها أن تتحرك بجدية لوقف الجنون النووي الإسرائيلي.
موضوع الأسلحة النووية مطروح بقوة بسبب إيران، ويجب استغلال ذلك لفتح ملف النووي الإسرائيلي وربطه بالإيراني. ومن يريد منع إيران من الحصول على سلاح نووي، عليه أولا أن يعمل من أجل نزع السلاح النووي الموجود فعلا عند إسرائيل.
كاتب وباحث فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة