كم أساؤوا لهذا الرجل بمناسبة ذكرى رحيله!
بقلم: ادم عربي
تاريخ النشر: 14/03/25 | 14:05
يصادف اليوم ذكرى وفاة ماركس الرابع عشر من مارس عام ١٨٨٣ في مدينة لندن بالمملكة المتحدة ، بعد حياة حافلة بالفكر والنضال السياسي.وقد ترك إرثا فكرياً ضخماً أثر بشكل عميق في الفلسفة والاقتصاد والسياسة.
الرأسمالية هي التي حملت بماركس، والرأسمالية هي من ولدت ماركس. هذا الرجل، وبحكم عبقريته، استُوْلِد من واقع الرأسمالية (الاقتصادي والاجتماعي) فكرًا بسطه في كتابه رأس المال حتى وعَتْ نفسها. ولو لم يظهر ماركس، لظهر غيره بحكم الضرورة والمصادفة؛ فكان من الضروري ظهور شخص، ولكنها مصادفة أن يكون ماركس. فمن رحم الضرورة تولد المصادفة، وفي الحقيقة، الضرورة الخالية من المصادفة لا وجود لها.
لقد أَجْزَلوا العداء لهذا الرجل، وصوَّروه في أذهان مجتمعاتهم شيطانًا رجيمًا، وخطرًا يُهدد السِّلْم الأهلي. لقد ظنوا أن سقوط الاتحاد السوفيتي سقوطٌ لماركس، مع العلم أن ماركس ليس الاتحاد السوفيتي. لقد أمعنوا إذلالًا بفكر هذا الرجل، الذي كان مجردُ ذكرِ اسمه يُثير الرعب في نفوسهم. ومع تداعيات الأزمات المالية التي لا تنتهي، اشتد الطلب على شراء مؤلفاته لتبرهن لنا الرأسمالية أنها لم تَعِ ذاتها إلا من خلاله.
حتى الشيوعيون الحمر، الذين كانوا يُقدسون كل كلمة لماركس، انقلبوا على يد الليبراليين الجدد، وأصبحوا يعتبرون الشيوعية فكرة طوباوية، والدليل لديهم انهيار الاتحاد السوفيتي ومحيطه من الدول الشرقية.
انهالت الضربات على نظرية ماركس، واعتُبِرت غير علمية، وقيل إن هذا الرجل كان مغرضًا يفتقد لأبسط القيم الإنسانية، وجلُّ هدفه غير النبيل هو الإطاحة بالنظام الرأسمالي. إنهم يسوقون الحجج تلو الحجج للإطاحة بفكر ماركس، حتى وصل بهم الأمر إلى مهاجمة نظرية القيمة الزائدة. فهم يقولون إن عالم اليوم قائم على الخدمات، وأكثر من ثمانين في المائة من الناتج يأتي من الخدمات، وإننا ننتج قيمة زائدة من الخدمات، فهذه النظرية ليست صحيحة. وحتى طبقة ماركس البروليتاريا لم يَعُد لها وجود، فهي، في أحسن الأحوال، لا تشكل خمسة في المائة، وإنتاجهم الفكري هو من يخلق القيمة الزائدة!
إن ماركس ونظريته وُلِدا ميتَيْن، وهم بشتى الوسائل يحاولون دحض نظرية ماركس. وأعتقد أن ذلك مرده لسببين اثنين لا ثالث لهما: إما الكره الشديد لذلك الرجل، أو العجز عن فهم ماركس.
لكن أليس ماركس من قال بتضاؤل أعداد البروليتاريا مع التقدم التقني؟
أليس هو من قال بتعاظم التركيب العضوي لرأس المال؟
لقد صعب الأمر عليهم كثيرًا وهم يرون بيل جيتس وشركته العملاقة في السوفت وير، وراحوا يصرخون: وجدتها! إنه عمل غير ملموس، ذهني، يدر فائض قيمة، فماركس كان في ضلال مبين! لكن ماركس، الذي قرأ الكون كله، كانت سلعته مادية ملموسة، سلعته صنمية، ليس بها روح، ولم يرَ بها روح ساحرات الإغريق. المخترع والباحث يُغني الرأسمالي، كما كتب ماركس، ولكن ماركس لم يقل إنه يُنتج فائض قيمة.
هذا الرأسمالي الذي يُنتج سلعة معينة، هو وسائر الرأسماليين الذين يُنتجون السلعة نفسها، اشترى براءة اختراع أو تكنولوجيا أحدث، واستخدمها في مصنعه الذي يُنتج السلعة نفسها، فحسَّن منتجه، وخفض عدد العمال لديه، وزادت إنتاجية العامل الواحد، وفي نهاية الأمر خفض القيمة التبادلية لسلعته، والمعبر عنها بالسعر.
ولنفرض أن القيمة التبادلية لسلعة الرأسمالي قبل إدخال براءة الاختراع والتكنولوجيا كانت عشرة دولارات، وأصبحت بعد إدخال التكنولوجيا والاختراع والمعرفة ثمانية دولارات، فما المانع من بيعها بتسعة دولارات وتحقيق ربحٍ وسبقٍ عمَّن تخلفوا ولم يشتروا ما اشترى؟ وهذا الربح الإضافي هو جزء من فائض القيمة التي تُنتَج بها السلعة نفسها ولكن بطريقة متخلفة عنه.
سلعة ماركس مادية، ولم يعطِ أهمية للأفكار، حتى إن ماركس كانت جلُّ كتاباته عن الرأسمالية، ولم يكتب سوى بضعة سطور في الاشتراكية. ماركس، في نظرية فائض القيمة، وضع قواعد وأسس الرأسمالية، وتنبأ بأزماتها قبل قرن ونصف تقريبًا، فلا يغيب عن فكر ماركس أية شاردة أو واردة في علم الاقتصاد.
صاحب السوفت وير بيل جيتس يقدم عملًا نافعًا للمجتمع وضروريًّا، والرأسمالي أحسن تقديره وأجزل له العطاء، لكن هذا لا يعني أن كل من يقدم عملًا ضروريًّا هو بروليتاري، أو كما يُسميها البعض البروليتاريا الذهنية! هذا شطط في علم الاقتصاد السياسي، وقد يسميها البعض بائعة لقوة عملها الذهنية ويريد حسابها بالساعات.