حولهما ندندن.. فأكثروا من الدندنة
الشّيخ صفوت فريج رئيس الحركة الإسلاميّة
تاريخ النشر: 14/03/25 | 16:58
روى الإمام أحمد وأبو داود عن رجل من الصّحابة أنّه قال: جاء أعرابي إلى النبي ﷺ فقال له: “يا رسول الله، إنّي لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ، ولكن أسأل الله الجنّة وأعوذ به من النار. فقال النبي عليه الصلاة والسلام: حولها نُدندِن”.
وفي حين أنّ جوهر الدّين هو رضا الله تعالى، فإنّ جوهر الدعاء هو في تحقيق هذا الرضا، وترجمته إلى الفوز بالجنّة والنجاة من النار. ومهما اختلفت الأدعية وتنوّعت الأساليب، تبقى الغاية واحدة.
كما يعلّمنا الحديث أنّ الإخلاص والبساطة في الدعاء لا تقلّ قيمة عن الفصاحة والبلاغة، فالأصل المهمّ في الدعاء هو أن ينبع من قلب صادق ونفس متعلّقة بالله.
رمضان… شهر القُربات ورفع الحاجات
رمضان هو موسم الدعاء والقربات، حيث تصفو القلوب، وتخشع النفوس، وتتنزّل الرحمات. ولعلّ ارتباط الصيام بالدعاء يظهر جليًّا في قوله تعالى بعد آيات الصيام، حين سأل الصحابة رسول الله ﷺ: “أقريبٌ ربُّنا فنناجيه، أم بعيدٌ فنناديه؟ فأنزل الله سبحانه وتعالى قوله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}. وفي الارتباط والتتابع بين آيات الصيام والدعاء، أكثر من مجرّد إشارة إلى أنّ رمضان زمنٌ للاستجابة، والإلحاح في الطلب، والتذلّل بين يدي الكريم المنّان. هذا إلى جانب أحاديث رسول الله ﷺ في أنّ دعوة الصائم لا تُردّ، قال عليه الصلاة والسلام: “ثلاثٌ لا تُردُّ دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتّى يفطر، ودعوة المظلوم”.
ولا ينحصر الدعاء في كونه طلب الشيء من الله، بل هو عبادة بحدّ ذاته، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: “الدعاء هو العبادة”، وفي ترك الدعاء غضب من الله، ذاك أنّ تركه من سمات المستكبرين، قال ﷺ: “من لم يسأل الله، يغضب عليه”. وقال الشاعر:
أتهزأ بالدعاء وتزدريه؟ وما يُدريكَ ما صنع الدعاءُ
سهامُ الليلِ لا تُخطِئ ولكن، لها أمدٌ وللأمدِ انقضاءُ.
فما أحوجنا إلى دندنة خاشعة، ومناجاة ملحّة، لا سيما في ساعات السّحر وعند الإفطار، وفي السجود، وفي رحاب المسجد الأقصى المبارك، حيث أبواب السماء مفتوحة، وعطايا الكريم لا تنقطع.
استقبال العشر الأواخر.. موسم الاجتهاد والعتق
وها هو الشهر يمضي سريعًا، فلا مجال للتردّد أو الكسل، فقد أقبل الثلث الأخير، أغلى ليالي الشهر، وختامه المسك، حيث تشتدّ الهمم، وتُشدّ المآزر، وتفتح أبواب العتق من النيران.
كان النبي ﷺ إذا دخلت العشر الأواخر “أحيا الليل، وأيقظ أهله، وشدّ المئزر”، دلالة على الاجتهاد المضاعف، والتفرُّغ الكامل للطاعة. كان البعض قديمًا يوقظون أهل بيوتهم بقولهم: “قوموا، لعلّ الله يعتقكم الليلة”.
وقد جعل الله درّة هذه الليالي “ليلة القدر”، والّتي هي خير من ألف شهر، ومن وُفّق فيها فقد نال الخير كله، “تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ. سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ”.
فلنُكثر من الدندنة الخاشعة، ولنرفع أكفّنا بالدعاء في هذه الأيّام الفضيلة، لعلّنا نكون ممّن يُكتَب لهم العتق من النار، والفوز بالجنّة، فإنّ الأمر عند ما قاله عليه الصلاة والسلام: “حولها نُدندِن”.
اللهم إنّا نسألك من الخير كلّه، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كلّه، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم.