دعوة لتذوق قصيدة ” ما وهنا ابدا اسالوا التاريخ عنا “
موسى عزوڨ
تاريخ النشر: 01/04/25 | 10:34
بعد ان أكملت القراءة حصلت بالصدفة على حوا بين المنشد الكويتي نايف الشرهان والشاعر الفلسطيني جهاد الترباني (0). ويحكي الاخير ان فكرة القصيدة التي رغب ان ينشدها له الشيخ كان شرطها والغاية منها ان تكون خالدة وتبعث الامل وكان الاصل:” ما وهنا ما وهنا اسألوا التاريخ عنا “. وهي أتت بصيغة جواب من قوله تعالى:﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾. سورة139. الآية التي نزلت بعد مصيبة أحد اين استشهد الكثير من الصحابة فانزل الله هذه الآية الفكرة ان الله يبث فيهم روح الامل من جديد ، فالضعف موجود عند البشر لكن لا يجب الاستسلام :” ولا تضْعُفوا -أيها المؤمنون- عن قتال عدوكم، ولا تحزنوا لما أصابكم في “أُحد”، وأنتم الغالبون والعاقبة لكم، إن كنتم مصدقين بالله ورسوله متَّبعين شرعه.” . وكانت تلك الفترة صعبة لبث روح الامل نتيجة لفقدان شخص عزيز . ولماذا المثنى ؟ نسبة للبطل المثنى بن حارثة الشيباني (من قبيلة بني شيبان). فكرته (وقد كتبت عنه في كتابي :” 100 مائة من عظماء أمة الإسلام-100-غيّروا مجرى التاريخ ) . حياته صراع كبير ، جرح في في معركة الجسر بقيادة أبو عبيد هزم فيها المسلمين بعد هدم الفرس الجسر ، وقاد الجيش في معركة ” البويب ” وهو مصاب ولم يستسلم . وانتصر في المعركة . واستشهد لاحقا . فهذه هي الفكرة بالرغم الانكسارات سنستمر .
وكنت قد نقلت ما كتب الشاعر جهاد الترباني (00) ، (سنة 2015) عن قصيدته وبطريقة شعرية راقية حيث كتب : (عندما فكرت بكتابتها قبل عشر سنوات… أردت أن أكتب كلمات تشد من أزر كل إنسان يقاوم الاحتلال والظلم والطغيان بغض النظر عن هويته ومكان وزمان وجوده، وعلى مدى أشهر طويلة… تنقلت عبر بوابة التاريخ إلى عوالم مختلفة محاولا استحضار قصص أبطال وعظماء ما وهنوا ( #لاحظ من هنا جاء العنوان والمطلع من عدم الوهن) وما انكسروا رغم ما أصابهم من جراح وهموم، بكيت كثيرا وأنا أسطر كلمات هذا النشيد كلمة كلمة بدمع العين، تذكرت وأنا أكتب هذه الكلمات قيام المثنى بن حارثة الشيباني بعد إصابته في معركة الجسر، لينهض من جديد بعدها بأيام وينتصر على جحافل الإمبراطورية الساسانية في معركة البويب الخالدة، فكتبت: “ما وهنا ما وهنا… نحن أحفاد المثنى”، وتذكرت صبر وآلام حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام في شعاب مكة، وكيف هُجّروا منها، قبل أن يعودوا إليها من جديد منتصرين في فتح مكة، فكتبت: “واذكروا فتحا بمكة … بعد صبر وانتظار”، وأحسست بمعية وتوفيق الله وأنا أكتبها، الأمر العجيب الذي لم أكن أعلمه وقتها أن تاريخ ميلادي الهجري يوافق نفس اليوم الذي بدأت فيها استعدادات الرسول صلى الله عليه وسلم لفتح مكة، والأعجب من ذلك أنه يوافق أيضا نفس اليوم الذي انتصر فيه البطل المثنى بن حارثة الشيباني في معركة البويب التي استحضرت حكايتها في النشيد، ولكن الأمر الذي كنت أعلمه وقتها أن الله وفقني لكتابة شيء استثنائي، ووالله إني كنت أرى في مخيلتي كيف سيردد هذه الكلمات رجال في أماكن وأزمنة مختلفة لا أعرفهم سينشدونها بشكل جماعي في عتمة الليل لتكون لهم سلوى تشد من أزرهم وتذكرهم بأن نور الفجر لا بد له أن يعقب ظلام ليلهم الحالك، وبعد أن انتهيت من كتابتها سجدت لله شكرا، وأدركت أنني كتبت شيئا سيبقى بعد رحيلي عن هذه الدنيا، فكانت “ما وهنا”! أحبكم #جهاد_الترباني.
وكانت قراءتي الأولية للقصيدة بعد تخريج وتهميش ما ذكر فيها ، حيث يستخدم الشاعر “ما وهنا” لنفي الضعف (الوهن) عن المسلم معتمدا على إرث وشواهد تاريخية مجيدة، ليؤكد القوة والفعالية. كأن الشاعر يرد على الاعداء الذين يتهمون المسلمين بالوهن. فيرد عليهم بالنفي:” ما وهنا، ما وهنا.” ويبرهن على ذلك باستحضار التاريخ، ويطلب من الاخر ان يسأل التاريخ ويضرب لذلك عدة امثلة من المثنى الى الرسول عليه السلام وفتح مكة وطارق وفتح الاندلس وذات الصواري وفتح القسطنطينية، في المقابل ان المستشرقين الذين أصدروا هذا الحكم (بالوهن) يستندون بالخطأ الى حديث القصعة والتي تتحدث عن المسلمين في آخر الزمان .
والان مع القصيدة التي وجدت صدى واسعا خصوصا وقد انسجمت جيدا مع الثورة السورية والانهيار السريع، لدرجة ان البعض فهم عن طريق الخطأ ان المقصود هو ضد الفرس ؟
يقول الشاعر : -1/ ما وهنا ما وهنا … نحن أحفاد المثنى . -2/ في طريق المجد سرنا… اسألوا التاريخ عنا. -3/ مجدنا ذات السلاسل(2) … عِزنا أسوار تُستر(3). -4/ واسألوا قصر المدائن (4)… إذ به القعقاع (5) كبر. -5/ لا نبالي لو أردنا… خلع هامات الجبال. -6/ في سبيل الله سرنا… عبر ساحات القتال. -7/ أيها التاريخ عدنا… قد رجعنا من جديد. -8/ بالدماء قد كتبنا… صفحة المجد التليد. -9/ اسألوا جند الصليب … اسألوا جند التتار. -10/هل يئسنا من قتال… أو كُسرنا من حصار. -11/ واذكروا فتحًا بمكة(6)… بعد صبر وانتظار . -12/ طارق (7)في وادي لَكة(8)… خاض أمواج البحار. – 13/ اسألوا ذات الصواري(9)… اسألوا عنا الصحاري. -14/ نحن طلاب المعالي… نحن رهبان الليالي. -15/ ما وهنا ما وهنا … نحن أحفاد المثنى. – 16/ في طريق المجد سرنا… اسألوا التاريخ عنا.
وفي الختام نذكر ان التذوق السليم للأدب ( شعر وانشودة)وتلك الحالة من السعادة البليغة التي تتولّد لدى الشخص بعد القراءة بسبب فهمه للنص أو وصوله للنقطة التي أراد الكاتب أن يوصلها له بما كتب، يقود لغايته المنشودة، لصيانة الشعور والأخلاق وتنقية النفس، ولذا كانت تنمية الذوق هي الهدف الأول في تدريس الأدب، ولا ننسى بأنَّ العمل الأدبي رسالة يجب أن يحسن فهمها.
والى لقاء محبكم عزوڨ موسى دعواتكم
— تهميش—-
(0) https://www.facebook.com/watch/?v=819564855119164
(00)جهاد الترباني: شاعر وباحث فلسطيني، كتب قصائد تم إنشادها من قبل فنانين مثل فضل شاكر، نايف الشرهان، وفريق غرباء للفن الإسلامي، ومن أبرزها قصيدة :” ما وهنا ماوهنا ” و “إننا الأبطال” و”تقدموا”. بالإضافة إلى شعره، ألف جهاد الترباني العديد من الكتب التي ركزت على التاريخ الإسلامي والشخصيات العظيمة فيه، أشهرها كتاب “مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ”، بالإضافة إلى مؤلفات أخرى مثل “101 لغز بربروسا”، “101 سر آريوس”، “مدرسة محمد”، “مدرسة الصحابة”، و”حرب الفاندال”.
(1) المثنى بن حارثة، قائد انتصر على الفرس في معركة البويب (634 م)، رمز للحق ضد الباطل.
(2) ذات السلاسل: معركة (632 م) بقيادة خالد بن الوليد ضد متمردين مدعومين بالفرس، تُظهر قوة الحق.
(3) أسوار تستر: مدينة فارسية فتحها المسلمون (641 م)، انتصار الحق على الباطل.
(4) قصر المدائن: عاصمة الفرس فتحها المسلمون (637 م)، يرمز لهزيمة الباطل.
(5) القعقاع: الصحابي القعقاع بن عمرو، بطل حربي، يجسد الشجاعة في سبيل الحق.
(6) فتح مكة (630 م) حيث انتصر الحق على الشرك والظلم والكفر.
(7) طارق بن زياد: القائد الذي فتح الأندلس (711 م)، رمز للإيمان والشجاعة ضد الباطل.
(8) وادي لكة: معركة فتح الأندلس (711 م)، قادها طارق بن زياد ضد القوط، انتصار الحق.( تفاصيل عن معركة وادي لكة (النقطة 8): (بالإسبانية: Batalla de Guadalete) وقعت سنة 711 م في جنوب إسبانيا بالقرب من نهر Guadalete (وادي لكة). كانت بداية فتح الأندلس.الأطراف: قادها طارق بن زياد (قائد مسلم بربري) ضد رودريك (Rodrigo)، ملك القوط الغربيين. خطاب طارق الشهير (“أيها الناس، أين المفر؟”) يعكس تصميمه.رمزية الاشارة في القصيدة: تُظهر انتصار الحق (الإسلام) على الباطل (القوط الظالمين).
(9) ذات الصواري: معركة بحرية (655 م) ضد البيزنطيين، أول نصر بحري للمسلمين، يعكس قوة الحق.( تفاصيل عن معركة ذات الصواري (النقطة 9): وقعت عام 655 م في البحر المتوسط بين الأسطول الإسلامي (بقيادة عبد الله بن سعد بن أبي السرح) والأسطول البيزنطي (بقيادة الإمبراطور قسطنطين الثاني). سُميت بذلك لكثرة صواري السفن.حيث انتصر المسلمون في أول معركة بحرية كبرى لهم، مما أضعف سيطرة البيزنطيين على البحر. رمزية الاشارة : تُبرز قوة الحق (المسلمون) في مواجهة الباطل (الإمبراطورية البيزنطية). وعدم الوهن.