مجزرة سيارات الإسعاف: عندما يدفن الجنود الجثث في مقبرة جماعية، فهذه ليست فوضى بل سياسة
بقلم النائب الطيبي - عن صحيفة هآرتس
تاريخ النشر: 07/04/25 | 7:30
المقال الذي نُشر في “هآرتس” و”الغارديان” يكشف عن واقعة يجب أن تهز ليس فقط إسرائيل، بل ضمير البشرية بأكملها. لكن إسرائيل لن تهتز، لأن المجتمع الإسرائيلي يعاني من تَحوّل همجي ما بعد الصدمة في اكتوبر ٢٠٢٣. في هذه الحادثة، أُطلق النار من مسافة قريبة على 15 مسعفًا — عاملي إنقاذ جاؤوا لتقديم المساعدة للجرحى — ودُفنوا في مقبرة جماعية باستخدام آليات هندسية تابعة للجيش الاسرائيلي. استغرقت عملية انتشال الجثث خمسة أيام، وتمت فقط بعد أن أرشد مصدر في جيش الاحتلال طواقم الإنقاذ إلى موقع القبر الجماعي.
منذر عبد، المسعف الوحيد الذي نجا من المجزرة، قال لصحيفة “الغارديان”: “جرّدوني من ملابسي بالكامل، وتركوا عليّ فقط الملابس الداخلية. كانت يدَيّ مقيدتين خلف ظهري. طرحوني أرضًا وبدأ التحقيق. تعرضت لتعذيب شديد: ضرب، إهانات، تهديدات بالقتل، وخنق ببندقية عند عنقي، ثم جندي آخر وضع سكينًا على كتفي الأيسر. بعد فترة وصل ضابط وأمر الجنود بالتوقف ووصفهم بـ’المجانين’ الذين لا يعرفون كيف يتعاملون مع البشر”.
الأدلة في الميدان — أيدٍ وأرجل مربوطة، إطلاق نار من مسافة قريبة، دفن مع مركبات الإغاثة — تشير إلى احتمال تنفيذ إعدامات ميدانية بحق طواقم طبية. صحيفة “نيويورك تايمز” نشرت فيديو التقطه أحد المسعفين الذين دُفنوا في المقبرة الجماعية، يُظهر بوضوح أن المركبات كانت مُعلّمة بشكل واضح، وأضواء سيارات الإسعاف كانت مشغلة أثناء الهجوم العسكري.
هل هذه صورة “الجيش الأكثر أخلاقية في العالم”؟ هل هذه دولة تدّعي الديمقراطية والقيم الغربية؟ الصمت الإعلامي الإسرائيلي المطبق حيال هذه القضية خطير بحد ذاته. الصمت في وقت تُنتهك فيه القيم الأخلاقية الأساسية هو تواطؤ في الجريمة.
أدعو إلى تشكيل لجنة تحقيق مستقلة وخارجية، ويفضل أن تكون دولية. لا يجوز أن تُترك هذه القضية بأيدي الجهات التي فشلت مرارًا وارتكبت جرائم حرب. هذا اختبار أخلاقي وإنساني. العالم يشاهد، وإن لم تتحقق العدالة، فالتاريخ سيحكم.
اتفاقية جنيف الرابعة، التي وقعت عليها إسرائيل، تُلزم بحماية الطواقم الطبية في مناطق النزاع. الاعتداء المتعمد على أفراد طواقم الإغاثة يُعتبر جريمة حرب. العثور على الجثث مقيدة وخارج المركبات الإنسانية يجب أن يرفع إنذارًا في كل مؤسسة قانونية حول العالم.
للأسف، هذه ليست الحادثة الوحيدة. منذ أشهر، تُنشر تقارير عن استهداف البنية التحتية الصحية في غزة — مستشفيات، عيادات، طواقم طبية، سيارات إسعاف. حين يتحول الطبيب إلى عدو، والممرضة إلى هدف، وسيارة الإسعاف إلى هدف عسكري، فإن الدولة تتجاوز الخطوط الحمراء التي لا يجوز لدولة الاقتراب منها.
أدعو منظمة الصحة العالمية، الأمم المتحدة، ومنظمات القانون الدولي: لا تصمتوا. من يصمت أمام هذا الظلم يمنحه الشرعية.
وزارة الخارجية الألمانية صرّحت أن طاقم المساعدات في غزة قُتل حتمًا على يد قوات الجيش الإسرائيلي. الطبيب الشرعي الذي فحص بعض الجثث قال إن لديه أدلة على أنهم أُعدموا ميدانيًا. هذه الحادثة أثارت غضبًا دوليًا، خصوصًا أنهم قُتلوا أثناء تفريغ مساعدات غذائية، رغم وضوح هويتهم الإنسانية. الجيش أعرب عن “أسفه”، وبعد ضغط دولي أعلن عن “تحقيق”، وربما “سيُعاد النظر بالإجراءات”.
لكن حين يتعلق الأمر بـ15 روحًا، فإن الأسف لا يُغني عن المسؤولية، والمأساة ليست ذريعة للعدالة الزائفة. الحل الفوري المطلوب هو صفقة تبادل أسرى ووقف الحرب. هذا ممكن، لولا حسابات بقاء نتنياهو السياسي والتحالفات الحزبية. وهذا أيضًا جُرم بحد ذاته. كفى حربًا، كفى جرائم.
مجزرة سيارات الإسعاف، رغم فظاعتها، ليست الحادثة الوحيدة منذ بدء الحرب. إسرائيل تقصف يوميًا ملاجئ، مدارس، مستشفيات، مساجد، كنائس ومنازل مدنية. إنها مجزرة مستمرة، موثقة ومنقولة بشكل غير مسبوق في التاريخ.
ختاما : التاريخ سيتذكر ليس فقط من ارتكب ومن سكت، بل أيضًا من كذب، ومن أصدر البيانات الكاذبة باسم جيش الاحتلال.
وتخليدا لذكراهم: الشهداء مصطفى خفاجة، عز الدين شعث، صالح معمر، رفعت رضوان، محمد بهلول، أشرف أبو لبدة، محمد الحيلة، رائد الشريف، يوسف خليفة، فؤاد الجمل، زهير الفرا، أنور العطار، سمير البهابصة، إبراهيم المغربي، وكمال محمد شحطوط. حتى الآن، لا يزال مصير أسعد النصرة، عضو الهلال الأحمر، مجهولًا. وقال المسعف الناجي إنه رآه حيًا ومعتقلًا لدى الجنود.
اوقفوا جرائم الحرب!