القصة القصيرة بين الخوارزميات: تفكيك السلطة السردية بين الوجودي والتقني

بقلم وفاء داري كاتبة وباحثة فلسطينية

تاريخ النشر: 17/04/25 | 16:20

الذكاء الاصطناعي وإعادة تشكيل السرد بين الإبداع والآلية في عصر الذكاء الاصطناعي، تُثار أسئلة وجودية حول ماهية الإبداع وملكية السرد. هل تُختَزَل القصة القصيرة إلى خوارزميات تُولِّد نصوصًا، أم تبقى حكرًا على الوعي الإنساني المُتجذِّر في التجربة والوجدان؟
في ظل تطور الذكاء الاصطناعي المتسارع، بات السؤال “من يملك الحكاية؟”يتردد في أروقة الأدب والفكر المعاصر. تُعَدُّ القصة القصيرة من أكثر أشكال التعبير الأدبي حميميةً وتركيزًا، إذ تتقاطع فيها الخبرة الإنسانية مع قدرات الذكاء الاصطناعي في تحليل النصوص وإعادة صياغتها. ففي زمن تسود فيه البيانات والتكنولوجيا، تظهر حدود جديدة للتعاون بين الإنسان والآلة، مما يطرح تساؤلات حول هوية المُبدع ومصدر الإلهام.
ان الذكاء الاصطناعي قادر على محاكاة البنى السردية، بل وإنتاج نصوص متماسكة عبر تحليل البيانات الضخمة، لكنه يفتقر إلى “القصدية الوجودية” التي تُشكِّل جوهر الحكاية. فالإنسان ينسج القصص من ألمه وأحلامه وذاكرته الجمعية، بينما تظل الآلة عاجزة عن امتلاك “الذاتية” التي تُضفي عمقًا رمزيًّا على السرد. هنا، يُعيدنا سؤال “الملكية” إلى جدلية بارت حول “موت المؤلف”، لكن ببُعدٍ جديد: إنْ كان المؤلف البشري يُفقد النص سلطته، فكيف بحالة “المؤلف الآلي” الذي يفتقر أصلاً لسلطة الوعي؟
كما يتضح أن الذكاء الاصطناعي ليس بديلاً عن الحس البشري، بل هو أداة تُضيف إلى رصيد السرد الإبداعي ما لا يستطيع العقل البشري تحقيقه بمفرده. إذ يمكنه تحليل أنماط الحكايات القديمة وتقديم رؤى جديدة تساعد الكاتب على ابتكار أساليب سرد مبتكرة. إلا أن ذلك يأتي مصحوبًا بتحديات أخلاقية وفلسفية؛ فبينما يسهم في إثراء المحتوى الأدبي، يبقى الخوف من فقدان اللمسة الإنسانية وقصص الحنين والوجدان قائمًا.
وعلى الصعيد الفني، يمكن النظر إلى العلاقة بين القصة القصيرة والذكاء الاصطناعي على أنها تحالف بناء، حيث يُمكن للآلة أن تلعب دور المرشد في اكتشاف مسارات سردية جديدة أو تحسين أسلوب سردي قائم. وفي المقابل، يُشكّل تدخل الإنسان العامل المُبدع المصدر الأساسي للحس العاطفي والتجربة الشخصية التي تُضفي على السرد عمقًا ومعنى. وهنا يتبلور السؤال: هل تشكل هذه العلاقة تهديدًا أم فرصة للتجديد؟ الإجابة ليست بسيطة، بل تتطلب إعادة تقييم دور الأدب في عصر تتداخل فيه المعرفة والتكنولوجيا. بكلمات أخرى؛ (الوجودي مقابل التقني): يُظهِر الثنائية الفلسفية بين السرد كفعلٍ وجودي مرتبط بالتجربة الإنسانية (القلق، الذاكرة، الرغبة) وبين السرد كمنتجٍ تقني يخضع للمعايير الإحصائية.
من جهةٍ أخرى، يُقدِّم الذكاء الاصطناعي فرصًا لتفجير آفاق سردية غير مسبوقة، كتحليل أنماط أدبية مُعقَّدة أو توليد أفكارٍ تُحفِّز الخيال البشري. التهديد الحقيقي لا يكمن في الآلة، بل في استسلام الإنسان لخطابٍ يُحوِّل الإبداع إلى سلعةٍ خاضعة للكفاءة التقنية.
الخلاصة: الحكاية ملكٌ لمن يمتلك القدرة على تفجير دلالاتها الوجودية. الذكاء الاصطناعي شريكٌ في الصناعة، لكن الشرطية الإنسانية تبقى حاضرة في تشكيل المعنى. التحالف ممكنٌ إنْ أدركنا أن الآلة أداةٌ تُوسِّع الإمكانيات، لا بديلٌ عن الوعي.
في الختام، يبدو أن مستقبل القصة القصيرة يحمل في طياته وعدًا بمساحات جديدة للإبداع، حيث يتداخل الفكر البشري مع الذكاء الاصطناعي في حوار مستمر. هذا التحالف، الذي يمزج بين الأصالة والتجديد، قد يعيد صياغة معايير السرد الأدبي، ويبقى الخيار النهائي في يد الإنسان ليختار الطريق الذي يحمل معه رسائل إنسانية تتجاوز مجرد كلمات على ورق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة