قراءة في التّجربة السّوريّة

بقلم د. بقلم د. حسن صنع الله

تاريخ النشر: 25/04/25 | 14:37

نجحت الثّورة السوريّة في القضاء على الاحتلال الإيراني و تحجيم الوجود العسكري الرّوسي، كما نجحت في وأد الثّورة المضادّة في السّاحل السّوري بشكل شبه كامل، وتوصّلت إلى تفاهمات مع الأكراد في الشّمال بفعل الضّغط التّركي، . وهذا الأمر لم يرق للمؤسّسة الإسرائيليّة ومن لفّ لفيفها، وها هم يحاولون إعادة إحياء “داعش” من جديد ليشكّل تحديّاً إضافيّاً للإدارة السّوريّة الجديدة.

يواجه الواقع السّوري الجديد الكثير من التّحدّيات بناءً على الواقع العربي والإسلامي الرّسمي المضطرب والمتخاذل أمام الإدارة الأمريكيّة والمؤسّسة الإسرائيليّة، خصوصاً وأنَّ بعض الأنظمة العربيّة لا تروق لها الإدارة السوريّة الجديدة المحسوبة على التيّار الإسلامي، والتي خرجت من رحم الثّورة السّوريّة، وهي التي تشكّل أوّل نجاحٍ لثورات الرّبيع العربي، رغم التّكلفة والثّمن الباهظ الّذي دفعه الشّعب السّوري للتحرّر من حزب البعث وعائلة الأسد التي جثمت على صدره ما يربو على السّتة عقود.

ترى المؤسّسة الإسرائيليّة ومن ورائها الإدارة الأمريكيّة أنّ الفرصة باتت سانحة لها للتمدّد واحتلال أراضٍ عربيّة جديدة في غزّة وسوريّا ولبنان، وبناءً عليه قامت هذه المؤسّسة باحتلال غزّة، والسّيطرة على ستِّ نقاط في لبنان، وزيادة رقعة الأراضي المحتلّة في الجنوب السّوري، مستغلّةً حالة الضّعف والتفكّك الّتي يمرّ بها العالم العربي والإسلامي، وفي هذا السّياق لا يختلف المشهد السّوري عن غيره من حيث الضّعف على الصّعيدين العسكري والإداري، وعليه باتت المؤسّسة الإسرائيليّة ترى كلّ الجنوب السّوري منطقة نفوذ يجب ان تبسط سيطرتها عليها برّاً من خلال احتلال أراضٍ وبناء تحالفات مع أقليّات محليّة في الجنوب السّوري ، وجوّاً من خلال السّيطرة على الأجواء والاحتفاظ بها مُستباحةً، بحيث تتمكّن من ضرب أيّ محاولة تموضُع ونهوض وبناءٍ للجيش السّوري في هذه المناطق.

الإدارة السّوريّة الحاليّة مدركة تمامًا أنّ أيّ مواجهة مع المؤسّسة الإسرائيليّة في الجنوب السّوري ، ستشكّل فرصة سانحة للمؤسّسة الإسرائيليّة لاحتلال مزيد من الأراضي ولربّما الوصول إلى مشارف دمشق واحتلالها وتقويض حكم الإدارة الجديدة، وأنّ أيّ مواجهة في الظّرف الرّاهن والمختلّ عسكريّاً، هو بمثابة مغامرة غير محسوبة، في ظلّ الدّعم الأمريكي المفتوح لهذه المؤسّسة ، وبالتالي فإنّ أيّ مواجهة عسكريّة ستسرّع من وتيرة مشروع تقسيم سوريّا، خصوصًا وأنّ بعض شرائح من الأقليّات العرقيّة في الجنوب والشّمال والسّاحل السّوري تتماهى مع المشروع الصهيو- أمريكي لتقسيم سوريّا.

يؤكّد الواقع السّياسي الحالي لسوريّا كما أسلفنا أنّ إيران قد تمّ إقصاؤها، وتحجّم الدور العسكري الروسي في المشهد السّياسي السّوري، وأنّ لاعبين أكثر نفوذًا هما الجانب التركي والجانب الإسرائيلي قد حلّا محلّهما، وكلا البلدين، ومن منطلقات جيوسياسيّة مختلفة، يسعيان إلى استحداث مناطق نفوذ داخل سوريّا، والظّاهر أنّ كلا البلدين سيلجآن إلى الإدارة الأمريكيّة الحاليّة لتلعب دورًا حاسمًا في تحديد مناطق نفوذ كل منهما داخل الأراضي والأجواء السّوريّة، دون اضطرار كل منهما إلى الدّخول في صراع عسكري مسلّح على مناطق النّفوذ، والتي حتما سيدفع ثمنه الشّعب السّوري.

والواضح أنّ الإدارة السّوريّة الجديدة ستحتاج إلى تركيا بحكم علاقتها بالإدارة الأمريكيّة ، من أجل الوصول إلى تفاهمات تكبح جماح المؤسّسة الإسرائيليّة. وعليه يمكن قراءة الدّور التّركي داخل سوريّا بشكلٍ إيجابي، من أجل خلق توازنات في المرحلة الرّاهنة تحول دون تقسيم سوريّا جغرافيّاً، وتنقذ الإدارة الجديدة في سوريّا من أتون حرب طائفيّة تغذّيها قوى إقليميّة، سيكون الخاسر الوحيد فيها هو الشّعب السّوري.

إن إمكانية توصل تركيا بشكل مرحلي إلى تفاهمات مع الإدارة الأمريكيّة والمؤسّسة الإسرائيليّة، حول المشهد السّوري، سيمنع المؤسسة الإسرائيليّة من استنزاف التّجربة السّوريّة، وسيحدّ من فرصها لاستهداف المدن السّوريّة، وسيمنح الإدارة الجديدة في سوريّا فرصة لالتقاط الأنفاس من أجل التّنمية وبناء الدّولة ومؤسّساتها وعلى رأسها الجيش.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة