جمعيات صحراوية وهمية في خدمة دولة الوهم
عبده حقي
تاريخ النشر: 25/04/25 | 14:39
بصفتي كاتبًا مغربيًا مطلعًا على حيثيات الصراع المفتعل حول الصحراء المغربية، لا يسعني إلا أن أعبّر عن استغرابي الشديد من البيان الذي أصدرته ما تسمى بـ”جمعية الصحفيين والكتاب الصحراويين في أوروبا”، والذي يندد بما سمته “حملة تشهير” ضد صحفيين يرافقون الناشطة الفرنسية كلود مانجان، زوجة المدان في قضايا جنائية ذات طابع انفصالي.
ما يثير التساؤل والاستغراب أولًا هو هذه الجمعية ذاتها: من هي؟ أين تمثل؟ ومن يمثلها فعلًا؟ الحديث عن “جمعية للصحفيين والكتاب الصحراويين” في أوروبا يبدو كمن يزرع الورود في صحراء وهمية. لا توجد أي جمعية مستقلة وموثوقة تحمل هذا الاسم مسجلة في السجلات الرسمية للدول الأوروبية الكبرى، بل إن هذا الاسم يُستعمل كغطاء إعلامي لجماعات تابعة للبوليساريو، يتم تحريكه كلما احتاجت الأطروحة الانفصالية إلى بعض البروباغندا الموجهة.
البيان المذكور يتحدث عن “قمع للحريات” و”تحريض ضد صحفيين”، لكنه يغفل تمامًا أن من يُطلق عليهم زورًا صفة “صحفيين” ينشطون ضمن “إيكيب ميديا”، وهي منصة لا تخضع لأي معيار مهني أو أخلاقي في العمل الصحفي. لا توجد أدلة على تبعيتها لمؤسسات إعلامية مستقلة أو معترف بها، ولا تحظى بأي مصداقية في الوسط الإعلامي الأوروبي أو العربي، بل هي مجرد أداة في يد دعاة الانفصال، تنشر أخبارًا مفبركة وتؤطرها بخطاب عدائي ضد المغرب.
أما كلود مانجان، فهي ليست صحفية ولا فاعلة حقوقية محايدة، بل هي ناشطة سياسية مؤدلجة، معروفة بولائها الكامل للأطروحة الانفصالية، وتورطها في حملات ممنهجة ضد المغرب، رغم استفادتها الكاملة من حرية التنقل والتعبير في بلدنا، وهي التي ما كانت لتجرؤ على التعبير عن آرائها بهذه الطريقة في بلد مثل الجزائر، حاضنة البوليساريو، حيث لا صوت يعلو فوق صوت الأجهزة.
إن محاولة هذه “الجمعية” استغلال اسم فرنسا، والإشارة إليها كـ”بلد الحريات” الذي يُفترض أن يحمي هؤلاء الصحفيين، ينم عن جهل سياسي وتضليل مقصود. فرنسا دولة قانون، لكنها لا تسمح بأن تُستعمل أراضيها لنشر الدعاية الانفصالية، خصوصًا حينما تتقاطع مع تهم خطيرة مثل التحريض على الكراهية، والتشويش على العلاقات الدبلوماسية، واستغلال القضايا الحقوقية لأجندات انفصالية.
من الجدير بالذكر أن ما يُسمى بـ”مسيرة الحرية” ما هي إلا تظاهرة صغيرة نظمتها جهات معروفة بعلاقاتها الوثيقة بجبهة البوليساريو، ولم تلقَ أي دعم شعبي فرنسي حقيقي، بل عُوملت باعتبارها حدثًا هامشيًا في الفضاء المدني الفرنسي. والدليل على ذلك أن الإعلام الفرنسي لم يولِها أي اهتمام يُذكر، بل تم تجاهلها بالكامل من طرف الصحف الكبرى والقنوات العمومية.
أما حديث البيان عن “معتقلين سياسيين صحراويين في سجون الاحتلال المغربي”، فهو تزييف للواقع القانوني. جميع الأشخاص الذين يُشار إليهم في هذا السياق قد تم اعتقالهم ومحاكمتهم وفق القانون الجنائي المغربي، بعد تورطهم في أعمال عنف وتخريب واعتداءات على الأرواح والممتلكات. وقد خضعوا لمحاكمات علنية، بحضور مراقبين دوليين، صدرت فيها أحكام عادلة. وبالتالي، فإن تصنيفهم كمعتقلين سياسيين هو تضليل مفضوح.
إن الادعاء بوجود “جمعية للصحفيين والكتاب الصحراويين” في أوروبا يطرح سؤال الشرعية والتمثيلية: من خول لهذه الجمعية التحدث باسم الصحفيين أو الكتّاب في المنطقة؟ الصحفيون الحقيقيون في الصحراء المغربية، من العيون إلى الداخلة، يمارسون مهنتهم بكل حرية، ويكتبون عن قضايا مجتمعهم من داخل مؤسسات إعلامية مغربية معترف بها، وينشطون ضمن نقابات ومجالس صحفية تحظى باعتراف الدولة والمجتمع الدولي.
ما يجري هو ببساطة عملية تضليل إعلامي تقف وراءها جهات لها مصلحة في إطالة أمد النزاع، وتستعمل الجمعيات الوهمية كأقنعة للضغط والتشويش، لكنها لا تملك لا الشفافية ولا المصداقية الكافية لتتحول إلى مصدر حقيقي للمعلومة أو للتأثير.
خلاصة القول، إن المغرب ليس في حاجة لتبرير شرعيته فوق ترابه، بل إن مشكلته الأساسية هي مع الخطاب المزدوج: خطاب يتحدث عن “حقوق الإنسان” بينما يموّل ويغذي النزعات الانفصالية، ويمنح المنصات لمن لا همّ لهم سوى تقسيم البلدان وتشتيت الشعوب.
وعليه، فإن من واجب الصحفيين والكتاب الحقيقيين، سواء في المغرب أو أوروبا، أن يتصدوا لهذه الدعايات المضللة، وأن يكشفوا زيف الكيانات الإعلامية المصطنعة التي تنشط تحت شعارات براقة، وهي في الواقع خنجر مسموم في خاصرة الحقيقة.
المعركة اليوم ليست مع بضعة بيانات تطلقها “جمعيات” ورقية، بل مع النسيج المعلوماتي العالمي، حيث يجب أن يجد الصوت المغربي النزيه مكانه، مدعومًا بالحقائق، ومحصنًا بالشرعية، ومؤمنًا بأن الدفاع عن وحدة الوطن لا يقل شرفًا عن الدفاع عن حرية الكلمة.