العقل في المنزلة الأولى

هادي زاهر

تاريخ النشر: 27/04/25 | 19:53

لَمْ يَعد بالإمكانِ إخفاء السّموات بالقبوات، لقد ذهب الثلج وبان المرج، وضع الطّائفة الدّرزيّة من كافّة الجهات في القاع! وهذا يَنْعَكِسُ في كُلّ الْمَجالاتِ، الأبحاث العلميّة والإحصائيّات الرّسميّة تشير بأنّنا نتصدّر الطّلاق في البلادِ، ونَتَصَدّر الانتحار..

الأمر الّذي تُحاوِلُ الْجِهاتِ الرَّسميّة إخفائه لأنّ الدّروز تكفر المنتحرين، وذلك هروبًا من مواجهة الحقائق المؤلمة كما أنّنا في أسفلِ درجات السّلّم الاقتصاديّ في الدّولة حيث تُشيرُ الأبحاثَ بأنّنا نَقَعُ في الدّرجةِ قبل الأخيرة، كما أنّ العِلمَ في درجاتٍ مُتَدَنّيّةٍ خِلافًا للمزاعم الّتي تَقولُ بأنّنا نَتَصَدّر النّجاح في الامتحانات التّوجيهيّة ( البغروت) وَقَد تَبَيَّنَ بِشَكلٍ لا محال فيه للشّكِّ، بأنَّ هذا النَّجاح هو نَجاحٌ شكليّ لَيسَ إلّا بِحَيث يَعْتَمِدُ على وحداتٍ قَليلة العدد، وغالبًا على” 3 ” وحدات بدلًا من ” 5 ” وحدات وإن حَدَث في الفترةِ الأخير بعض التّحسّن الّذي نباركهُ وَالّذي يُسَمّونه ثورة في عالم التّربية والتّعليم، هذه النّغمة النّشازيّة الّتي نسمعها منذ نعومة أظفارنا، تبيّنَ بأنّها مُجَرَّد بالون منفوخ سرعان ما انفجر أمام الحقيقة الصّلبة، او انها مجرد طبل يرسل صوته بعيدًا كلما دق عليه المسؤولين الذين لا يهمهم سوى المعاش وإرضاء سيدهم، وهُنا لا بدّ مِن الإشارة بأنّ النّهضة الحقيقيّة هي لدى البنات، فَشريحة مِنَ الشّبابِ الدّروز يَخضَعون لقانونِ التّجنيد الاجباريّ وهناك مَنْ يَتنازل عَن طموحاتهِ العلميّة على أمل أن يَعْمَلَ ويتقدم في سلكِ الأمن، والأمر الّذي يُشَكّل أحد أسباب هذه الهوة بين مستوى الشّباب والشّابات، ولذلك هناك انعكاسات سلبيّة كثيرة جراء ذلك، منها ازدياد الطّلاق، فالزّوجة عندما تعمل بوظيفة محترمة وتتقاضي معاشًا دسمًا مُقابل معاش الزّوج المُتواضع، إضافة إلى الهوة الثقافية لا بد من ان يحدث الصدام ويؤدّي إلى نشوب الغيرة التي تقود إلى الطلاق.

الوضع الدراسي صاعق إذا صح التعبير لا يستطيع أي انسان شريف أن ينكره، يؤدي ذلك إلى الضعف الاقتصادي، وكنت قد حضرت محاضرة لعوزي ديّان رئيس مجلس المراهنات الحاليّ، في الجمعيّة لدعم الدّيمقراطيّة في الوسط العربيّ المنحلة، احضر المذكور رسومات بيانيّة تربط بين المستوى العلميّ والمستوى الاقتصاديّ، تبيّن من خلال هذه الرّسومات بأنّ القرى العربيّة الّتي ينتشر العلم والمهن بين أبنائها، من أطباء ومهندسين ومحامين ومواضيع أخرى تسبق بكثير القرى العربيّة الدّرزية الّتي تفتقد إلى العدد الكبير من المتعلّمين والمثقّفين، وحتى المهنيين وَلَوْ أردنا أن ندرج بعض النّماذج، نرى أنّ مَنْ يَعْمَلَ كأجير ويتقاضى وفقًأ للحدّ الأدنى للأجور أو أكثر قليلًا، مقابل مَن تعلّم وَاكتسب مهنة محترمة يتقضى ثلاث أضعاف وربّما أكثر، او أقل قليلا، والأخير يكون عادة بعيدًا عن العنف والكثير من الشوائب، يستطيع أن يكون مرتاحًا نفسيًا طوال حياته ويبنى داره بسرعة بينما من لم يلحق بالرّكب سيستمر بناء داره سنين إذا لم يجد مساعدة من الاهل، إن من استدرك في الوقت المناسب يستطيع أن يرفع من جودة حياته، بان يزيد من املاكه ويسافر عبر العالم ليتنزه مع أسرته في كافة ارجاء المعمور متى يريد وهكذا ينتج هوة بين الفريقين فلماذا نتنازل عن ذلك ونرضى أن نكون مجرد عمال خدمات في المجتمع الإسرائيلي نضطر أن نتملق ونمسح جوخ ونرفع العلم الإسرائيلي أكثر مما يرفعه الشعب اليهودي؟! لأننا لا نستطيع أن نعيش كما يجب بدون منة من السلطات التي تمسكنا على الخناق ونضطر إلى سحب نسائنا للخبيز على قارعات الطرق والعمل في بيوت الأغنياء اليهود وتجري علينا السلطات التجارب في غرف مختبراتها وتشل شبابنا كليًا بعد خدمتهم في الجيش بالغرامات التي بلغت نصف مليون شاقل وأكثر بسبب عدم توسيع مسطحات قرانا ولا مناص لنا إلا أن نكون عبيد ندور في فلك السلطات ونحارب بسيفها، هذا الواقع التعيس المخفي لدى من يريد أن يغمض عينيه قد يؤدي إلى أمور سلبية كثيرة منها الانتحار فلا تغطوا السماء بغربال،

وتبرروا ذلك بأن أجدادنا عاشوا واقعا أكثر صعوبة فنحن أبناء اليوم كفوا عن السخافات وان الدول المجاورة مستواها الاقتصادي متدني لا تمنح مواطنيها ما تمنحه السلطات الإسرائيلية من مستحقات، كنا قد دفعناها من أرضنا التي صودرت بقوانين جائرة ومن خدماتنا التي كلفتنا – الدم – والعديد من شبابنا على عتبة أطماع الحركة الصهيونية التوسعية وسرقتها لأراضي جيرانها، واقتطاع الضريبة من معاشاتنا قبل ان نراها، لماذا نرضى بما لا يرضي الله.

ورغم كل ذلك هناك من يُصر بأننا مميزون عن بقية أبناء شعبنا رغم تجوالهم الدائم في جميع أنحاء البلاد ومشاهدتهم النهضة العمرانية والتعليمية والثقافية ومستوى معيشة الآخرين من باقي الطوائف العربية، يقولون للسلطات بكل غباء “نحن لا نستطيع إلا أن نكون معكم قلبًا وقالبًا” الامر الذي يشجعها على الاستمرار في الاستهتار بنا، الاخوة المسيحيين يزيدون عنا قليلا ولكن لديهم قيادة، لم يخضعوا لإملاءات الحكومات الإسرائيلية واستطاعوا ان يتقدموا بكل احترام حتى أن مستواهم اليوم يتفوق على جميع الشرائح الإسرائيلية اطلاقًا بما فيهم اليهود القادمين من روسيا.

أجد الأسباب الرئيسية لوضعنا هو الفراغ والفراغ أبو الكفار وهذا واضح تمامًا يترجم بالعنف المستشري والخلافات التي تنشب على أتفه الأسباب، مجرد نقاش بسيط يتم قتل شاب من شبابنا، الفقر الكسل والفراغ والطموح في الثراء السريع يؤدي إلى طاهرة الخاوة، التي تهمل الحكومة معالجته طالما لم تصل إلى الوسط اليهودي وقد أشار النائب منصور عباس بان وزير الأمن القومي الظلامي بن غفير يرقص سعيدًا كلما يقتل أحد المواطنين العرب؟! قبل فترة أعلنت الحكومة عن نيتها ببناء 550 نادٍ في جميع أنحاء البلاد، للحد من العنف المستشري في البلاد، هل خرج هذا المشروع إلى حيز التنقيد؟ وهل بادر رؤساء المجالس بالاتصال بالوزارة لنيل حصتنا من هذا المشروع؟!

واخيرًا أقول الحمد لله كل ساعة ولكن، يَجِبُ أن لا نَدفِن رؤوسنا في الرّملِ ونواجه الحقائق الصعبة بدلا من الهروب بواسطة اظهار الورع الشديد والزعم بأن كل ما يحدث بحكم القدر علماً بان الحكيم أوصى ب ” اعقل وتوكل” والعقل في المنزلة الأولى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة