غنم الدير بزرع الدير…
تاريخ النشر: 08/12/11 | 1:22فتحت أم علي شباك البيت المطل على سهول القرية فامتلأت الغرفة بالنور وتسللت أشعة الشمس إلى أركانها وقالت كعادتها كل صباح أصبحنا وأصبح الملك لله , يا فتّاح يا عليم , يا رزّاق يا كريم .
نظرت إلى السماء وهي تضرع بالدعاء وتحولت إلى الأفق البعيد ثم نظرت إلى مزارع القرية يملأ قلبها البهجة والأمل , وما أن أرادت أن تتحول بنظرها إلى داخل البيت وتترك الشباك فإذا بها تعيد النظر وتدقق وقد اعتراها الذهول فنادت زوجها ليأتي بسرعة ويرى ما قد رأت !
كان أبو علي ما زال يتمطى في فراشه فنهض على عجل وهو يستوضح قائلاً :- ماذا بك يا أم علي ؟ ماذا جرى ؟ الله يستر !
قالت له وعلامات الضيق تظهر جلياً في نبرات صوتها :- انظر يا أبا علي , لقد دخلت أغنام جارنا أبو محمود إلى مزرعة أم العبد وستحل كارثة على مزروعاتها , هذه الأرملة التي تنتظر الموسم بفارغ الصبر حتى تتمكن من تأمين أقساط الجامعة لابنها ولتوفر بعض المال لتجهيز ابنتها ولتقضي بعضاً من ديونها المتراكمة .
انظر يا أبا علي , مصيبة , مصيبة .
نظر ولم يصدق ما قد رأت عيناه فخرج مسرعاً من البيت وهو لا يلوي على شيء .
خرج أبو علي وهو لا يعي كيف خرج !
خرج حافي القدمين وبمنامته وبلا حطة وعقال وهرع يركض نحو مزرعة أم العبد وما أن وصل حتى صرخ ينادي أبو محمود وبدأ بإخراج الأغنام من المزرعة وهو يلتقط أنفاسه بصعوبة بالغة ويكاد يسقط من الإرهاق والتعب .
تبعته أم علي وهي تحمل ملابسه والحذاء والحطة والعقال وهي تصرخ , مما جعل كل من سمعها يخرج في أعقابها ويتبعها ليعرف ما الخطب .
وما أن انتهى من إخراج الأغنام من المزرعة حتى سمع صوت أبو محمود القادم من بعيد وهو يقول لا حول ولا قوة إلا بالله , الحمد لله انك انتبهت يا جارنا أبو علي وإلا كان أبصر شو صار .
قال أبو علي وهو يلهث ويلبس ملابسه :- يعني يا أبو محمود هاي عملتك مش عملة , تترك الغنم وتروح , ما انت عارف البير وغطاه .
شعر أبو محمود بالخجل وبالذنب وتأنيب الضمير فاقترب منه وقال :- والله كلامك صحيح يا أبوعلي وكلامك عالراس والعين وأنا بتحمل كل الضرر اللي صار والله يجيب اللي فيه الخير .
وما أن انتهى من كلامه حتى وصلت مجموعة من الجيران إلى المكان ومعهم أم العبد التي يكاد يغمى عليها من هول الصدمة ومن التعب الذي حل بها بسبب المشوار المنهك الذي قطعته بسرعة عجيبة عندما علمت بالخبر .
ولو يا خوي يا أبو العبد , يعني كان خربت بيوتنا ورحنا بشربة مي .
الله بيستر يا أم العبد قال أبو علي مهدئاً من روعها , واللي بتأمري فيه , اخوي أبو محمود ما راح يقصر واحنا كمان .
الله يبارك فيك يا أبو علي والله اللي بيعوض , وإنتِ يا أبو محمود دير بالك عالغنمات ما تتركهن وتروح تنام , كلنا في الهوا سوا والكل معتمد على الله وعلى هالموسم .
الله يبارك لك ويعوضك خير يا إم العبد , قال أحد الحاضرين .
حصل خير , حصل خير , يا الله يا جماعة كل واحد يروح على شغلوا .
رجع الجميع إلى البلدة يغمرهم الفرح والسرور وأم علي تقول المسألة ما طلعت برانية وكلنا أهل بلد وكان غنم الدير بزرع الدير والحمد لله اللي انتهت على خير !
النص مشوّق في السرد والوصف والحوار، كذلك
تصوير الأجواء القرويّة وعاداتها موفّق.
أحيّيك ، أستاذ يوسف، على هذا العطاء المميّز.