الفراغ العاطفي عند الطفل.. تربةٌ خصبة للضَّياع
تاريخ النشر: 07/12/11 | 12:22مصطفى طفلٌ ذو أربع سنوات, جريء, مشاغب, عدواني قليلاً, أناني, لكنه مُحِبٌّ, يحتضن زملاءه بالتصاق شديد!، ويبطش بهم بعنف شديد, مزاجي.. وحين سألنا عنه أمه أخبرتنا أنه يحب ابنة عمه- من نفس عمره- ويقول إنها خطيبته!، ولا يطيع أحداً بالبيت غيرها ولا يكون هادئا أبداً إلا في وجودها, كما أن مصطفى يتابع المسلسلات التركية مع أمِّه!
وفي روضته تشكو منه معلمته وتُحرَج أمام تأنيب أمهات الأطفال الذين يتعلمون منه ألفاظاً بذيئة يلقيها عليهم وعلى المعلمة نفسها!
ولكن، أحمقٌ من يستهين بمشاعر الطفل، فهو يشعر ويتأثر كالكبير وأكثر..وتحدث المشكلة حين يعاني الطفل من فراغٍ عاطفي، حسب ما أوضح الاختصاصي الاجتماعي أ. طلال الحلبي، “فلسطين” التقته للتحدث عن تلك المشكلة وأعدت التقرير التالي:
يقول أ. الحلبي:”إن متابعة المسلسلات التركية وحب الطفل لها يدلل على أن الطفل يعاني من فراغٍ عاطفي؛ لما في تلك المسلسلات من غزوٍ فكري”، مضيفاً:”الغزو الفكري ليس جديداً في الوطن العربي وخاصة في مجتمعنا الفلسطيني الذي عانى من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والتشرذم والهجرة, فما نراه في هذا الاتجاه من سلوك نقلده على اعتبار أنه يرفع من مستوانا الاجتماعي والفكري! وهذا خاطأ تماماً لأن الغزو الفكري يعمل على تدني العاطفة وانحدار الأخلاقيات، بل ويدفع الوالدين للتعامل مع الأطفال بطريقة غير عاطفية؛ الأمر الذي يولد العنف لديهم”.
مفهوم الفراغ العاطفي
ويتابع:”الفراغ العاطفي هو شعور داخلي لدى الطفل بأن أهله – ووالداه بالذات – لا يكنّون له أي عطف وحنان, وهذا يؤثر عليه بعد دخول الروضة وتعامله مع الأطفال إذ ينعكس عليه انعكاسًا سلبيًا، فتجده يحاول إشباع هذا الفراغ الذي لا يلمسه ويشعر به في أسرته”.
ويتابع:”إن وصل الطفل إلى سن الست أو السبع سنوات دون متابعةٍ وتُرِك على حاله بلا عطفٍ واهتمام، فإن الأمر سيكون خطيراً على حياته المستقبلية فأينما سيجد العاطفة سيلجأ لها، وهذا ما سيوقعه في المشاكل السلوكية والنفسية في مرحلة المراهقة الحرِجة”.
تناقص في السلوك
ويواصل الحلبي ذكر صفات الطفل صاحب الفراغ العاطفي:” الفراغ العاطفي عند الطفل سينعكس على سلوكه فيجعله عدوانياً متسلطاً على الأطفال ممن هم أصغر منه أو حتى أكبر؛ لأنه يظن أن كل شخصٍ أمامه معدوم العاطفة والحنان، لكن إن شَعَرَ بعد فترة أنه هناك من يربت على كتفه و يعطيه بعض الحاجات التي تشبع رغباته ستجده ملاصقاً له ولا يفارقه أو ينفصل عنه، فهذا هو الأساس في الفراغ العاطفي، فيه ينقلب السلوك العدواني المتسلط إلى سلوكٍ عاطفيٍ قويٍّ جداً”.
ويتابع وصف سلوكيات الفراغ العاطفي:”غالباً ما يكون متردداً عديم الثقة بنفسه، منطوياً، وقد يتبول لا إرادياً، ولا يخلو الأمر من محاولات انتقام من الأب والأم اللذين حرماه من العطف، وقد يحاول الطفلُ أن يتكلم بكلمات بها عطف وحب ويرددها أمام من حوله”.
ويتابع ذاكرا دور الأهل بتكوين الفراغ العاطفي لدى الطفل:”لو نظرنا للأسرة فهي مجتمع صغير فإن كان أحد الوالدين يعاني من فراغ عاطفي فهذا سيؤثر بشكل كبير على الطفل وسينعكس على ثقافته وتربيته وأسلوب حياته”.
كذلك فإن المشكلة قد تتفاقم إن تعامَلَ المدرسُ مع الطفل بعنفٍ أو استهزأ به وناداهُ بألقابٍ وعيوب، لتصل حدَّ التسرب من المدرسة بلا عودة، وقد يتجه للانحراف والسرقة وغيرهما، حسب أ. الحلبي.
العلاج
وعن الخطوات الإجرائية، أكَّد أ. الحلبي على ضرورة إعادة الأسرة لحساباتها وتصرفاتها قبل فوات الأوان بإشباع العاطفة عند الطفل, واحترامه وتدليله وإعطائه حقَّه في العيش كطفلٍ مغمورٍ بالحب والعطف، بما في ذلك من احتضانٍ وربتٍ وتقبيلٍ إلى جانب الرعاية والترفيه والمكافأة وتعزيز السلوك الإيجابي والمعاملة الطيبة بشتى أشكالها، مضيفاً:”وفي المدرسة لابد من تدخل الاختصاصي الاجتماعي بوضع إشارةٍ على هذا الطفل، ودمجه في النشاطات المختلفة”.