جُرح في عُنق النّسيان..
تاريخ النشر: 08/12/11 | 2:45اكتشفتُ مؤخرًا أنّ جميعَ الحَكايا خائبة وأنَّ سرطان الرّوح مرض لعين مؤدِّ للموت يجعلُكَ تسكُن في حيرتك ويجعل الدّمع ينعقد في كفّ العين فهو مرض لا تموت به ولكنّكَ تموت معهُ فحسب.
لستُ حزينة قطعًا. ولستُ سعيدة أيضًا. فهنا لا مُبرر للسّعادة ولا مُبرر للقلق ولا مُبررٌ للمنطق ولا مُبررٌ لجمرة الغضب الّتي تجتاح ذواتنا.
دعوني أتكلّم، وأُهلوس.. دعوني أهذي..! ثم إيّاكُم أن تتهموني أنّني أتناول حُبوب الهلوسه لهذا أصبحتُ لا أُميّز الأشياء ان كانت خاطئة أم صائبة، ان كانت صافية دون شوائب الدهر، وان كانت جميلة دون خزعبلات الألم
دعوني أمشي بوحدتي، أركضُ، أُسرعُ مع قسوة الأمر الواقع، أرقبُ رُكني في صمت، أصرخُ في صمت، أنادي، أُولوِلُ حاملة بيدي ورقتي وقلمي وأَفكاري المُتناثرة.
دعوني أكتُب هذه المرّة من مكان لا يُشبهُ مكاني.. عن مرحلة مُعيّنة قد يتم ضمّها في مرحلة مُقبلة ومشيّدة في السيّاق، دعوني أكتُب في مساء لا أُمارسهُ إلاّ في لحظات استثنائية. دعوني أكتُب أشياء كثيرة تفوق الحدّ.. دعوني قليلاً في زمن الحرّيات.. دعوني هذه المرّة لأكتُب دون قيد أو شرط.. دون أن أراجع ما كتبت.
لم يَكُن بالحسبان أنّي سأكتُب شيئًا جديدًا فمنذ أشهُر وَأنا لا أكتُب إلاّ نصوصًا مُتشردة حتّى أنّني هذه المرّة لا أعرفُ الوقت بالتحديد كلّ ما أعرفهُ أنّ تاريخ كتابة النّصّ هو في الثامن والعشرين من أيلول في لحظة احتسائي لكوب نعناع.
في هذا اليوم تحدثتْ إليّ صديقاتي المغتربات. قالت صديقتي “ازدهار”: ((لا أمل يا روان في عودتنا إلى أحشاء النّاصرة فما بين الوطن والغُربة مسافة لم نستوعبها بعد ونرفضها قطعًا)) ذرفتْ عيناها غصَّتين وآهتين كأنّي معها أرقبها من وراء غُمامة رماديّة اللّون. وبالرّغم من أنّها ليست أمام ناظري فقد أشعلت في جسدي حمى الذُبول. اعتذرتْ لا تستطيع تكملة الحديث. صَرختْ ابنتها، فما زال صُراخها يدوي في أُذني بل ويرتفع كلّما ابتعدتُ عن سمّاعة الهاتف. فصرخة طفلة بريئة ابنة السنتين تتألق بأنوار غُرفتي المُقتحمة هُدوئي عنوة وقسرًا. تقول طفلتها: ((ماما تبكي من أجلك..!)) تناولت الصّديقة “شرين” السّماعة من الطفلة وقالت: ((يا غالية إنّ لكلّ شخص في الحياة نصيبًا يأخُذهُ كاملاً مُكملاً وها نحنُ اخترنّا أن نُهاجر إلى مكان آخر أكثر بُعدًا وبما أنّ أحلامنا ليسَ لها أن تَكبُر كثيرًا فيبقى الحُلم شاسعًا واسعًا بتفكيرنا بإحدى الصّديقات الّتي أعطت لنا لونًا للحياة بوجودها. سَنُحاول يا رفيقه مع مرور الأيّام أن نعيش الغُربة بتفاصيل يومية موّزعة أقلّ بين العمل والدراسة وقراءة أشعاركِ المسائية وسنُحاول أن نُحبّ هذه المدينة التي منحتنا ذاكرة جديدة بهُدوئها ورونقها. أما أنتِ فاذكرينا بالنّاصرة واعتني بنفسكِ جيّدًا، أَحِبّي نفسكِ ولا تستسلمي لجراحاتك لتتمتعين بعمر أطول وبشرة أجمل.))
يآه كم واقع رفيقاتي أليم بحجم عُمق أحلامهنّ.. أحتاج قُبلة منهنّ.. أحتاجُ ضمّة من الرّوح لروحهنّ.. أحتاجُ لاستئصال سرطان الرّوح من كافة انفعالاتي ليزول الجرح من عُنق النّسيان ومن بين سُطوري الملتهبة.
مذهله دومًا يا روان
بتجنن روان 🙂
لك أسلوب جميل أخّاذ يشدّ القارئ!
الغربة خارج الوطن قاسية ومؤلمة،
لكن الغربة والاغتراب في الوطن أقسى!
حين رأت عيناي طول ما كتبت ,قلت بيني وبين نفسي :”ما هذا ؟؟”كيف ومتى سأنهي قرائته ولكن حين بدأت القراءة شعرت بأن روحا عجيبة تجذبني وتشدني لاكمل القراءة …طبعا عزيزتي فليس هنالك أصعب من الغربة ولكن الاصعب ان تكون في وطنك غريب ,بين عائلتك وحيد .
اسلوب اكثر من رائع …الى الامام
وشكرا…
جميل
[…] النّاصِرة فَلسَفَةُ حُبٍّ مَقيتَه الإستقالةَ عُنواني جُرح في عُنق النّسيان.. رَثاء أميـــر… دُموع الصَّمت اقرأ أيضاً […]
[…] النّاصِرة فَلسَفَةُ حُبٍّ مَقيتَه الإستقالةَ عُنواني جُرح في عُنق النّسيان.. رَثاء أميـــر… دُموع […]