وصَمَت الكون..!!
تاريخ النشر: 30/09/10 | 11:11بقلم بيان عبدالله ابو عطا
في تلك الاثناء، لم تكن سارة غير جثة، لم يكن يستطيع عقلها الصغير البريء استيعاب كل هذا الكم من الاحداث المتتالية، وكل حدث يليه حدث اكثر ايلاما ووجعا، لم تستطع سارة ببراءتها ان تصدق الواقع، اصرت على انكاره، لم يستطع ذلك العضو المنحصر داخل جمجمتها استيعاب تلك الصور في آن واحد، لم يستطع فؤادها ان يعتصر مجددا، لقد اكتفى انينا، لم يعد يطيق المزيد من الأحزان.
في تلك اللحظات، لم يكن بجوارها سوى بضع ادعية كانت قد حفظتها سابقا، ولم يكن بحوزتها سوى قلبا خاشعا متذللا لله، لم تجد ما تؤنس به وحشتها القاتمة غير دعائها لله.
كان كل شيء قد هدم، لم يعد هناك أي اثر للحياة، لم يكن يمر بمخيلتها سوى ذكرى أولئك الناس الذين رأتهم قبل بضع لحظات، يتخبطون، ويمشون حيث لا يدرون، ينفثون في الم، يصرخون انينا، ابدانهم تنزف، وعيونهم لم تعد تصدق الواقع.
جلست سارة على صخرة تركتها ايدي الدمار، تحتضن كفيها ورجليها، ترجف بقوة، تغمض عينيها لألّا ترى تلك المواجع زاحفة امام عينيها، تحاول اقناع نفسها بان ما تراه كابوسا ليس الا، تفرك عينيها مرارا وتكرارا لعلها تعود للواقع، ولكن الحقيقة ابت الا ان تعتلي خشبة الواقع المؤلم.
جلست هناك، وحيدة، وسط الدمار، حيث دمر القصف كل شيء. ترفع رأسها قليلا، لعلها ترى بصيصا من حياة، تجول بنظرها، فلا ترى سوى اكوام الرماد والحطام، وغيوم الغبار، وصخور الالم، وعجوز تنفث انة وجع، تأن قليلا، تزفر الزفرة الاخيرة، ثم تموت.
تعود سارة برأسها بين كفيها، تحتضن نفسها لعلها تعود للواقع، لعل هذا الكابوس يهم بالانقشاع، ولكن، لا شيء يتغير، ما زالت تلك العجوز تئن، وما زال ذالك الدمار مكانه، وما زال بيتها تائها.
لم تعلم سارة كم مر من الوقت على حالتها هذه، ولكنها تعلم انها استيقظت على اشعة الشمس تداعب خديها، وما ان فتحت عينيها، حتى رأت هذه المصيبة، وبقيت على حالها هذا حتى وقت الغروب.
إستيقظت، فوجدت نفسها وحيدة، والسماء توشك ارتداء الظلام، سكن الكون، ولم يعد هناك أي حركة، اكتسى الكون صمته، ودب الخوف في قلب سارة الصغير، في هذه الأثناء، وسارة لا تدري، اهي في الحقيقة ام في كابوس مزعج، تنتظر كل حركة لعلها ترى احدا تستنجد به، لعل الصمت ينكسر، اذا بصوت خافت يأتي من بعيد، يتعالى قليلا قليلا، تتسارع الخطوات، تزيد قوة في خبطها على الارض، تأكدت سارة ان ما تسمعه حقيقة ليس من نسج خيال ينتظر كل شيء، خفق قلبها بقوة، تسارعت النبضات، وفورا اذ بذراعين حنونتين تطوقانها من خلفها، وصوت دافئ يهمس في اذنها لاهثا: هل انت بخير؟
هل ما زلت على قيد الحياة؟
ايقنت سارة ان هذا الشخص الذي كانت تعتقد ان خيالها قد جاء به، انما هو خالد، ما ان شعرت بقرب انفاسه، حتى احتضنت يديه كالغريق المتمسك بأي جسم امامه، تمسكه بقوة وتبكي وتبكي، ثم تبكي وتبكي، انتشلها خالد من مكانها ليحتضنها ويهدأ من روعها، ثم قال لها: لا تخافي، لا تبكي، ها انا معكِ، سنهاجر لنجد مأوى لنا.
قالت سارة وهي تعض شفتيها من الألم: اين نهاجر؟ اين نذهب؟! وامي انتركها هنا تحت الركام؟!
اخي، غادر الليلة مع ابي ولم يعد، انذهب يا خالد ونتركهم، تعال معي نبحث تحت الحجارة عن امي، تعال ننقب عن اشلاء بيتنا الذي كنا قد بنيناه سويا.
لم يستطع خالد في هذه اللحظات ان يقول لها سوى: لقد هاجروا جميعا الى سوريا، انهم على الأرجح ينتظروننا هناك، هيا بنا يا سارة.
عادت سارة مصرة على تلك الصخرة ثانية ثم قالت: لا يا خالد، امي لم ترحل، لم ترحل يا خالد، لقد رأيت المنزل يهدم فوقها قبل ان تستطيع الهروب، رأيتها يا خالد، بأم عيني، رأيتها تموت، سمعت انينها ووجعها، مع كل صرخة كان ينشق قلبي الف شق. كيف ارحل يا خالد واترك امي هنا؟
لا اريد الذهاب، اريد ارضي التي سُلِبت، اريد بيتي، اريد امي الحنون، اريد عائلتي، اريد كرامتي التي هُدِرت، واريد حقي في الحياة.
كان هذا كابوس يوم سارة، وكابوس يوم جميع سكان قريتها، وغدا سيكون كابوس البلدة المجاورة، كابوس الأم القادمة، الشيخ التائه، والطفل البريء…
وما زالت الكوابيس تتوالى.. حتى يخرج من اصلابنا الأمل..
موهبة رائعة يا بيان…فلقد ابدعت بالتعبير عن واقع مر لقضية الدمار والتشريد لشعب ذاق مآسي عدة… فسارة تمثل كل عربي تعذب، سلبت ارضه ودمر بيته، وفقد أعزاء على قلبه، هدرت كرامته ولم يبقى الا ان يثور ويصرخ: اريد حياتي، اريد احلامي، اريد وطني، اريد كرامتي…والسؤال الى متى؟!! هل بقي صبر أم نفذ؟! ربما لعل وعسى ان يكون الفرج والحرية قريب…..
كل الاحترام يا بيان بصراحه ابدعت ان تعليقي هو انها سارة تمثل كل طفل عربي حرم من الطفولة اصلا في هذة الاحداث لا جدوى ان لا تكون له طفوله لهذا السبب كل طفل صغير يعرف طفولتة بالحجاره والتشرد والدبابات وصوت السلاح فهذا بالنسبه لهم حياة عاديه لا تغير لها فنتمنى ان يكف الحرب وان تعيش الامم بسلام وان يشعر هؤلاء ولو لمرة واحده بان الشعب في سلام لكن للاسف هذا الشعور الله وحده الذي يعلم متى وكيف لعلى وعسى بان الشعب يكون في خير………………………
رائعه يا بيان 🙂
بيان….. اخر فقرة مزقت نياط قلبي….
موضوع رائع وموهبة رائعة..
دائماً متميّزة في كتاباتك يا بيان !
جميل جداً، ورائع ..
إلى الامام عزيزتي .. وفقك الله
انتظرونـــــــــــــــــــــــــــــي لم ترو كتاباتي انا بعد…
جَمُدت كل الكلمات والتعابير عندما قرأت ما كتبت يا “عزيزتي” بيان. ولم يبقَ غير أنين ألم وحزن شق صمت الليل. ولكنني سأبقى وكلنا كذلك، متشبثين بأرضنا ،كرامتنا ،أحلامنا وآمالنا. لن نرضخ حتى لو افترشنا الأرض والتحفنا السماء.
كلمة حق لا بد أن تقال، هنيئاً لنا ولبلدنا ولأمتنا بك وبأمثالك يا “عزيزتي”، دائماً كان التميز تاجك والأخلاق.
مودتي وتقديري………ابنك يا كفرقرع
رائعه