على تُراب الوطن
تاريخ النشر: 16/12/11 | 10:12استيقظ أبو أحمد من نومه مذعوراً , ظن في بداية الأمر أنه مجرد كابوس , لقد سمع أصواتاً غريبة وما زالت تتعالى في أجواء البلدة الوادعة بل وازدادت وتضاعفت فعرف أنه لم يكن مجرد حلم ثقيل وأن الأمر حقيقة .
لم يصدق ما يسمع , لقد تبين له بعد أن نهض من فراشه ولبس ثيابه وخرج مسرعاً إلى ساحة البيت , تبين له أن الصوت يصدر عن طائرات تحلق فوق القرية وتناهى إلى سمعه أصوات مكبرات الصوت التي تنبعث من سيارات تجوب الشوارع وتبلغ المواطنين بضرورة الخروج من القرية والتوجه إلى الحدود القريبة !
اعترته الدهشة بل الذهول وغمرته الحيرة والحزن والغضب !
نظر إلى بيته وأشجار حديقته وما حوله من بيوت , غلى الدم في رأسه وسالت الدموع من عينيه وصار يجوب ساحة البيت ذهاباً وإياباً وهو لا يدري ماذا يفعل !
ما زال الظلام يلف وشاحه ويرفض الفجر أن يبدده بنوره وساد الهرج والمرج ولا أحد يعرف من أين سيأتي الفرج !
تناهت الى سمعه أصوات وصخب وضجيج وتكبيرات وصراخ وعويل وتبعتها أصوات أسلحة ودوي رصاص .
استيقظ كل أهل القرية بما فيهم الصغار وعم الذعر الجميع .
سيارات تمر مسرعة ورجال ونساء يهرولون وحديث بين الجيران :-
هذا يقول لقد قطعت خطوط الهواتف الأرضية والمحمولة !
وذاك يقول :- أشم رائحة غريبة !
وآخر يعلن عن انقطاع الماء ومن ثم ظلام يعلن انقطاع الكهرباء !
دب الرعب في القلوب والخوف في عيون الأطفال .
هذا يسأل ماذا نفعل ؟ وذاك يصرخ الله أكبر وآخر يقول سيطلقون الرصاص على كل من يرفض الخروج !
وصلت إلى البيوت سيارات عسكرية وصار الجنود يضربون ويطلقون الرصاص في الهواء ويعيثون فساداً في البيوت والممتلكات .
خرج أهل القرية إلى الحدود بعدما حملوا من متاعهم ما استطاعوا مما خف وزنه وثقلت قيمته وما قدروا على حمله وهم يبكون ويتألمون !
قامت الطائرات برش المواد السامة ذات الروائح الشديدة على البيوت وفي الطرقات فأصيب بعض من تأخر عن الخروج بالدوار والغثيان وفقدان الوعي .
قدم الجنود وهم يضعون الكمامات على وجوههم ويصوبون أسلحتهم على كل من ظل ويهددون بالقتل ويطلبون من الناس الصعود إلى عربات أحضروها لهذا الغرض وطلبوا منهم حمل من فقد وعيه وأغمي عليه ووضعهم في العربات حتى يتم نقلهم معاً إلى المكان القريب من الحدود وتحت تهديد السلاح يأمرونهم باجتياز الحدود إلى الجهة الثانية منها .
نظر أبو أحمد إلى غنماته ودجاجاته وإلى حصانه الأبيض الذي كان يحبه كثيراً لأنه يرمز للسلام وبكى في لحظة يأس واستسلام .
نظر إلى عائلته وإلى البيت الذي ولد فيه والذي ورثه عن والده عن جده وصرخ بصوت شق كل الضجيج وعلا يجلجل في جنبات القرية الحزينة الله أكبر الله أكبر, لا لا لن أترك أرضي ولن نترك بلدنا , لن نترك وطننا , لن أترك بيتي وسأبقى وسأموت فيه !
وما هي إلا لحظات حتى انبرى له مجموعة من الجنود ببندقاتهم الأوتوماتيكية فأطلقوا الرصاص عليه وعلى جميع أفراد عائلته فقتلوهم جميعاً , وأصابت إحدى الرصاصات الحصان الأبيض رمز السلام فأردته صريعاً .
خرج أهل القرية إلا أبو أحمد فقد أصرَّ على البقاء وتحقق له ذلك , لكنه بقي فيها مقتولاً !
خرج كل أهالي القرية والقرى المجاورة إلى الدول القريبة وظلوا فيها يحملون مفاتيح بيوتهم يتطلعون ويأملون ويحلمون بالعودة إليها حتى يتحقق لهم أن يموتوا على تراب بلادهم ويدفنون فيها كما تحقق ذلك لأبي أحمد من قبل !
أحييك على هذه القصة الجميلة، ولي ملاحظة صغيرة وهي أن تدخل الراوي في القصة هو من الأمور غير المرغوب فيها عند كتاب القصة المتمرسين.
وذلك أنك توضح للقارئ أن الحصان الأبيض يرمز للسلام، والأفضل أن يكتشف القارئ ذلك بنفسه عبر القرينة والايحاء الذي يستخدمه الكاتب.
” حصانه الأبيض الذي كان يحبه كثيراً لأنه يرمز للسلام
وأصابت إحدى الرصاصات الحصان الأبيض رمز السلام فأردته صريعاً .”
لكن صياغتك للقصة تبدو ككاتب كبير متمرس عركته الكتابة، ناهيك عن المضمون الملتزم بقصة التهجير والحنين الى العودة المشتهاة. فإلى الأمام يا أخ يوسف.
ولنا موعد قريب إن شاء الله لعودتنا , تلك القصة التي نعيش مآسيها اليوم لن تكون أكثر من كابوس , سنستيقظ منه لا محالة .
والشكر الكبير للأستاذ يوسف على القصّة .
http://youtu.be/RajZPEclets
تحياتي استاذي العزيز واحييك واشكر فيك هذه الروح الوطنيه واعجب كل العجب من القراء الا يمرون على ما تخط اناملك الرائعه والحقيقه انك تخط تحف بالرغم من الام الماضي وحرقه الحاضر وغيبيات المستقبل المخيف وما لي الا ان اسال الله ان ياخذ صاحب كل ذي حق حقه
استاذ يوسف حقيقة انا رجل اقوم بزيارت كثيره للقرى المهجره وفي منطقه الروحه والكرمل وحيفا اعرف مكان كل قريه ارى اكوام البيوت والزيتون والصبر والتين هل تعلم كم يؤلمني هذا المنظر واخيرا اقدم لك شكري وتقديري الذي يزاد كل يوم اكثر فاكثر
أستاذ يوسف، أحيّيك على كتاباتك الملتزمة، ففيها نستشفّ
الانتماء وحبّ الوطن والدعوة الواضحة للتمسّك بكلّ القيم
الخيّرة التي افتقدنا الكثير منها.
أجواء القصّة تذكّرنا بالماضي قبل أكثر من ستة عقود، وأعتقد
أنّه، آنذاك، لم تكن خطوط هواتف لا أرضيّة ولا محمولة في القرى
المهجّرة المنكوبة!
تحية طيبة للدكتور سامي إدريس على ملاحظاته القيمة
والعنقاء على المتابعة والفيديو الرائع
والاستاذ قاسم محاميد على متابعته للقرى المهجرة وزيارتها وعلى دعمه المتواصل
واستاذي ومعلمي العزيز أبو سامي على ملاحظاته وتشجيعه _ لكن بخصوص القصة فهي هواجس وسيناريوهات وأضغاث أحلام ووساوس للحاضر والقادم والمستقبل .
أشكركم جميعاً ومنكم استمد الدعم ومن ملاحظاتكم أتعلم وأتحسن والله ولي التوفيق .