سالم جبران الراحل عنا
تاريخ النشر: 21/12/11 | 4:45بعد 70 عاماً من النضال والكفاح والعطاء والابداع، ارتحل، هذا الاسبوع، عن دنيانا الفانية، الشاعر والكاتب الفلسطيني المرموق سالم جبران (ابو السعيد)، احد العلامات البارزة في البناء الثقافي والادبي، وعمارة الفكر الانساني والفلسفي والنقدي في الداخل الفلسطيني.
عرفنا الراحل سالم جبران انساناً طيباً كالقمح والسنابل، دمث الاخلاق، كرس طاقاته للقضية الوطنية والثورية والطبقية، قضية الخلاص والاستقلال وسعادة الناس ورفاهية الشعب. وعرفناه شاعراً ملتزماً ومقاتلاً، ومثقفاً تقدمياً نقدياً وديمقراطياً، واعلامياً بارزاً، ومحللاً سياسياً ثاقب الرؤى، ومناضلاً فذاً من اجل السلام والتعايش واخوة الشعوب. تمتع بثقافة شاملة ورؤية نقدية وفلسفية شاملة ومعاصرة، وكان له دور هام وكبير في نشر القيم الانسانية والوطنية، والاخلاق الثورية ،والوعي الثقافي والفكري، وثقافة العقل والتنوير والتسامح والاخاء.
انتمى سالم جبران للفكر الايديولوجي الماركسي العقائدي المنحاز لجموع الفقراء والطبقات الشعبية الكادحة المسحوقة، وآمن بقضايا الحرية والعدل والديمقراطية والاشتراكية والسلام الاممي. انخرط منذ صغره في النضال السياسي وتجند في صفوف الشبيبة الشيوعية ثم في الحزب الشيوعي والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، وشارك في النضالات السياسية والشعبية والوطنية والعمالية والطبقية، التي خاضتها جماهيرنا العربية الفلسطينية وقواها الوطنية والتقدمية والديمقراطية، من اجل البقاء والتطور والمساواة، وكان مؤمناً حد النخاع بجدوى النضال اليهودي العربي المشترك مع القوى الديمقراطية اليهودية المحبة للسلام.
تبوأ سالم جبران مناصب حزبية وقيادية عديدة، واشترك في الندوات والمؤتمرات المحلية والعالمية، واشغل رئيساً لتحرير مجلة “الغد” الشبابية، ومجلة “الجديد” الثقافية الفكرية، وصحيفة “الاتحاد” العريقة. ولكن نتيجة خلافات مع قيادة الحزب، انسحب سالم جبران من صفوف الحزب الشيوعي والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة في تسعينيات القرن المنصرم، وبقي محافظاً على شعرة معاوية، ولم يفتعل الخلافات والنزاعات، وظل متمسكاً بافكاره الفلسفية والعقائدية الاشتراكية التي آمن بها وذاد عنها.
واصل سالم جبران نشاطه في مجال الكتابة السياسية ونشر المقالات في الصحافة المحلية والفلسطينية والعربية في الداخل والخارج، كـ “العين” و”الايام” و”الرأي”الاردنية وغيرها. ثم تولى رئاسة تحرير صحيفة “الاهالي” ومقرها في سخنين الجليلية، وبعدها اصدر مجلة “المستقبل” لفترة وجيزة.
كتب سالم جبران الشعر الوطني والكفاحي الانساني، واعتبر من شعراء المقاومة والكفاح في الداخل، وتميزت اشعاره بالصدق العفوي ورهافة الحس وحب الوطن والقرية، والانزراع في الارض، والتمسك بالهوية، والايمان بالانسان والثقة بالمستقبل، ومن ابرز قصائده، التي كتبها، قصيدته عن مجزرة “كفر قاسم”. وفي هذا الجانر صدر له 3 دواوين شعرية وهي:قصائد محددة الاقامة (دار الآداب، بيروت، 1970)، كلمات من القلب (دار القبس عكا، 1971) ،رفاق الشمس (دار الحرية للطباعة والنشر الناصرة).
اهتم سالم جبران بقضايا الثقافة والفكر والديمقراطية، وقد كتب ونشر عشرات بل مئات المقالات والابحاث عن الثقافة العربية والثقافة الفلسطينية والثقافة العقلانية .. ثقافة التغيير، وعن الادب الواقعي والاجتماعي الشعبي الملتزم، وعن اعلام الفكر الفلسفي الثوري والثقافة العربية والفلسطينية ورواد النهضة الفكرية والادبية المعاصرة. كما انشأ الكثير من المقالات السياسية التحليلية العميقة، التي عالج فيها قضايا المجتمع واحداث الساعة، واتصف بتحليلاتة الدقيقة واسلوبه الواضح الشفاف وافقه الواسع الرحب ونظرته العقلانية الهادئة المتروية للامور. ووقف بالمرصاد، بكل حدة وشراسة وحزم، في وجه قوى التخلف والظلام والسلفية الدينية والاصوليات المعادية للعقل والحداثة والنور والتحرر، وتعرية ممارساتها وكشف حقيقة افكارها الظلامية. ونتيجة غزارة انتاجه كان سالم يلجأ الى توقيع كتاباته ومقالاته باسم مستعار وهو “رفيق الشريف”.
ان ثقافتنا الوطنية الثورية والتقدمية والديمقراطية والانسانية الفلسطينية في هذه البلاد مدينة لسالم جبران، المثقف والمناضل، الذي اعطى بلا حدود وقدم الكثير من المداخلات والمساهمات الفكرية والادبية، واشتهر بخطابه النقدي العقلاني وتوجهه الموضوعي واحترامه للرأي الآخر والتعددية السياسية والثقافية، وتشهد على ذلك مجلدات “الاتحاد” واعداد “الغد” و”الجديد”، وكان له دور رائد في كل مضمار نشط فيه، فكرياً وادبياً وسياسياً واعلامياً.
سالم جبران هو من ابرز وجوه الثقافة التقدمية الفلسطينية، عرف يجمع بين الفكر والنضال، خرج من رحم قريته”البقيعة” الوادعة على ربوع الجليل، وعاش في ناصرة الحب والسلام، واغمض عينيه وعاد بكفن ليوارى في تراب”البقيعة” مسقط راسه التي ترعرع و”تشيطن” فيها، تاركاً سيرة ذاتية زاخرة بالنضالات والعطاءات والابداعات الفكرية والثقافية، التي ستبقى معلماً بارزاً في تراث شعبنا ومسيرته النهضوية وحركته الوطنية التقدمية والديمقراطية. فوداعاً يا ابا السعيد، ايها الراحل عنا، الباقي والحاضر بيننا الى الابد. والعزاء لاهله وعائلته ومعارفه ورفاق دربه.
شكرا للكاتب / ه , على هذه المعلومات القيمه
هناك الكثير من الكتاب , ادباء ومبدعين رحلوا لكن خلدهم التاريخ من خلال عطائهم وابداعهم الفكري – بقول الشاعر
يطيب العيش أن تلقى لبيبا ** غذاه العلم ، والرأي المصيب
فيكشف عنك حيرة كل جهل ** ففضل العلم يعرفه الأديب
سقام الحرص ليس له دواء ** وداء الجهل ليس له طبيب
ايضا قال احد الشعراء المحليين ( قد رحل عنا وبقيت كتاباته )
“أيها الناس أتيناكم بفكر وكرامة
وبأيدٍ ناصعة
وطريقٍ واسعة
ألَقُ الحب الذي يملأها
أطهرُ من ضوء النجوم اللامعة
“واتيناكم بمجد الورد والزيتون،
والفكرة والأجنحة الكاسية الريش
وعطر الياسمينْ.
وبكلّ الحبّ في الدنيا
وبالخير
لكل الطيّبينْ
رحمه الله السيد جبران