بيوت من زجاج
تاريخ النشر: 26/12/11 | 7:00قبل أن أنتقد غيري عليَّ أن أنظر إلى نفسي جيداً .
فنحن نسارع عادة في إطلاق السنان المسمومة المحمومة على غيرنا وننسى أنفسنا .
لقد نبهنا الشارع المشرِّع إلى ذلك وحذرنا من مغبة المغيبة والنميمة وصورها لنا بصورة تشبيه تقشعر لها الأبدان ووصفها بأنها كمن يأكل لحم أخيه الميت !
(…ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه …)(الحجرات 12)
ولكننا وللأسف صرنا نتلذذ ونستمتع ونجاهر ونفاخر بذلك بل صار هو فاكهة السمر والسهر وألذ شواء معتبر وطعام مفتخر .
صارت المغيبة فن واحتراف وضرب من ضروب الكلام يحترفه الناس في ما بينهم وعلى أنفسهم يبغون من ذلك النيل من ضحاياهم وإلحاق الأذى بهم والإساءة لهم ليس إلا لأنهم لا يروقون لهم أو لا يعجبونهم أو لا ينتمون إلى قبيلتهم واهمين بأنهم بذلك يعلون من شأن أنفسهم ويحققون مكاسب أو مراتب أو يؤذونهم ليتخلصوا منهم أو يفشلونهم فيحلون محلهم من باب المصائب قوم عند قوم فوائد .
ما أن يمر الشخص من أمامنا أو في أذهاننا وذاكرتنا حتى نستل سيوفنا وسهامنا ونغرزها فيه ونشرِّحه ونشرشحه ونبرع بالأساليب والتعابير والحبكة مع همز ولمز وابتسامات عريضة .
وما أن ينبهنا أحد إلى ذلك حتى نسارع لنبرر ونقول هذا من باب الخير أو الانتقاد البناء أو المصلحة العامة أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
الغريب أننا ننزه أنفسنا ولا يخطر ببالنا أن نحاسب أنفسنا ونعترف بأخطائنا وسلوكياتنا ونُقوِّمها ولو مرة واحدة مراعاة للمصداقية والتوازن ومن باب أولى أن يهتم المرء بنفسه وما يكسب لنفسه وأن يبدأ بنفسه ويكون في هذا الجانب بالذات أنانياً حامياً نفسه ومحصنها من المغيبة والفساد , والأغرب من هذا أننا لا نبالي ولا نسعى للمصداقية والتوازن أيضاً في أن نسأل غيرنا عنا أنفسنا كيف يروننا ومن باب النصيحة وملاحظاتهم الصادقة البعيدة عن المجاملة حتى نعرف كيف يرانا غيرنا وربما نقوم بإصلاح أنفسنا بعض الشيء , ولو تجرأ أحد على ذلك فتلك الطامة الكبرى .
يستطيع كل فرد منا أن يختار هذا الاتجاه أو ذاك لكننا نفضل النيل من غيرنا حباً دنيوياً لأنفسنا وإرضاءً لغرورنا وكراهية لغيرنا ونحن الذين يجب علينا أن نحب ونكره لغيرنا ما نحب ونكره لأنفسنا ونحن الذين يجب أن لا نظلم ولا نَسلم أخينا المسلم .
ونحن كلنا عورات والكمال لله ولقد ولى عهد الأنبياء وبقيت منهم القدوة في الأقوال والأفعال ولا يصح أن نتتبع غيرنا في عوراته وننسى عوراتنا ويغيب عن بالنا أن غيرنا يملك ما نملك من عيون وآذان وألسن وقلوب وجوارح وعقول وألباب , وإن استعملها علينا كان مثلنا ومننا وإن أبى وترفع عن ذلك حفاظاً على نفسه وعلينا فقد تركنا في حيرة من أمرنا وربما عللنا ذلك بأنه عجز وخوف وضعف في شخصه بينما هو طاعة وخوف وضعف أمام الله !
ولقد قال الإمام الشافعي في هذا الباب :-
فلا ينطقن منك اللسان بسوأةٍ فكلك سوؤات وللناس السن
وعينك إن أبدت إليك معايباً فدعها وقل يا عين للناس أعين
وقال أيضاً :-
المرء إن كان عاقلاً ورعاً أشغله عن عيوب غيره ورعه
كما العليل السقيم أشغله عن وجع الناس كلهم وجعه
وقالوا في الحكم :- إن ضعفت عن ثلاث فعليك بثلاث :إن ضعفت عن الخير فامسك عن الشر وان كنت لا تستطيع أن تنفع الناس فامسك عنهم ضرك وان كنت لا تستطيع أن تصوم فلا تأكل لحوم الناس
وقد قيل في الأمثال :- اللي بيتو من قزاز ما برمي على بيوت الناس حجار.
لحظه رؤيتي للعنوان تاكدت ان هذه المقاله للاخ يوسف جمل الرائع “” لك تحياتي القلبيه وشكري وتقديري
أحب لأخيك ما تحبه لنفسك …أخلص النية وستجدهم حتماً ..فما أكثر قلوب الصفاء والوفاء
…..
لكنها كنوزٌ مخبأة تحتاج جهداً لان نكتشفها ولكن كيف نقوم بذلك ونحن ناكل بعضنا البعض كلامك صادق وواقع مرير للاسف …………….الى ان يفيقوا تجيا ناس وتموت ناس
سلمت يداك ولسانك على هذا التعبير الرائع استاذي !
حبذا لو نعتبر -الحقيقة كما تطرق الدكتور محمود ابوفنة في مقاله الاقنعة -اخي الناس مقنعين ويفتخرون بذالك !
اعجبني ما ذكرت في الحكم لك منا جزيل الشكر
لي تعليق على المثل العامي ( اللي بيتو من قزاز لا يرمي بيوت الناس بالحجارة)
ينتج من معادلة هذا المثل أن الذي بيته ليس من قزاز يمكنه أن يرمي بيوت الناس بالحجارة. وهذا ليس من مقاصد هذه المقالة
ولكن أجمل ما ديوان الشافعي قوله:
يَعِيبُ الناسُ كلهم الزَّمَانا *** و ما لِزَماننا عَيبٌ سِوانا
نَعيبُ زَمانَنا و العَيبُ فينا *** و لو نطق الزمانُ بنا هَجانا
وليس الذئبُ يأكلُ لحمَ ذئبٍ ويأكلُ بعضنا بعضاً عيانا
وتحياتي الى الأخ يوسف جمل .
الكاتب المحترم بالعلم نرقى ونسموا ونصل اعلى المراتب وبالجهل نصل الحضيض والجهلاء هم الذين يحاولون انقاص الاخرين والتعدي على خصوصياتهم الم يقل الشاعر اذا اتتك مذمتي من ناقص تلك الشهادة باني كامل وصدق الشاعر فدائما وفي كل الحالات الغيره القاتله تجعل الحاسدين بلا ذمه وضمير وتقذف بهم غيرتهم الى ادنى المراتب وهي قذف الابرياء بتهم باطله وكثيرا ما يحاولون التبلي على المراه باعتبارها ضعيفه ولكن وبما ان الله بصير بالعباد تظهر الحقيقه باسرع من البرق ليظهر مدى القهر في نفوس الحاقدين عافانا الله من غضب وكيد الظالمين نساء وفتيات واخوه صالحين وشكرا لك اخ قاسم على هذا المقال الرائع