نفحاتٌ من رحاب البيت العتيق (2 )
تاريخ النشر: 27/12/11 | 23:26هنا رفع أبو الأنبياء وابنه قواعد البيت للعبادة، فهذا مصلّى ابراهيم(عليه السلام)، وهذا حِجر اسماعيل(عليه السلام)، شاهدان على صدق الايمان والارادة. وهذا الحجر الأسود الذي بعد أن حمله النبيّ الأمين(صلّى الله عليه وسلّم) مرةً، وبعد أن قبّله مرةً أصبح الحجر الأسعد..
يا الهي..! كل التفاصيل توحي بصدق المقالة، ووحدانية الرسالة، فهنا بصمات سيدنا ابراهيم(عليه السلام) أوّل الموحّدين، وكم تعاقب بعده من الرّسل والنبيّين… إلى أن جاء نبيّ الرحمة الذي به الكون احتفى، والله إيّاه قد اصطفى، فأدّى الرسالة وبها ختم، ودين الله بها أتمّ. وها هي مناسك الحج كالمرايا، تعكس صور الايمان والاخلاص والهداية، منذ البداية حتى النهاية. وأنا لا املك الّا أن أملأ ناظريّ من كل حجرمن حجارة كعبة الاسلام، ومن كل بقعة في المسجد الحرام، وأن أملأ رئتيّ بأنفاسٍ كان قد زفرها يوماً خير الأنام.
الكعبة..! يا قلب الاسلام النابض، ولسان حاله العائض، بانه أينما وكيفما ينتشر الناس، فلا بدّ في النهاية أن يعودوا إلى رب الناس، وملك الناس، يجذبهم إليه صدق الايمان والاحساس، مثلما ينتشر الدم في الاجسام ويتردد، ثم لا يلبث أن يعود إلى القلب ليكتسب النقاء والتجدد.
وتتابعت في خيالي صور الماضي، من إقبال وجفاء على رسالات الانبياء، وحدثتني نفسي حين دار الزمان .. وفي “غار حراء” تجددت رسالة الايمان. يا الله..! في غار حراء كان يخلو الحبيب المصطفى بنفسه وروحه حتى اكتنفه جبريل بجناحه، وبلّغه رسالة “إقرأ” والقرآن الكريم، والآي والذكر الحكيم، كأنّي بصداها لا زال يتردّد في هذه الفضاءات، وبصدى صوت الرسول الكريم لا زال يُردّد الآيات.ثم حدثتني نفسي بأنني لعلّي الآن أمشي في طريق كان قد مشى الحبيب فيه، ولعلّي أسجد في مسجد كان قد سجد الحبيب فيه، ولعلّي أقعد في مقعد كان قد قعد الحبيب فيه. فكل مكان في مكة المكرمة يجزل لي بالخير والكرامة، لأنه حظي بنور النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) أو ردّد مع الوحي كلامه. فيا أوّل بيت وضع للناس، وكان للإيمان هو الأساس، أنت لله حمى، حماك الله من كل وسواس خناس.
هذا كان اللقاء الأول مع البيت العتيق مورد الأنبياء. العيون تدور في فلك الكعبة، والقلب يهفو الى تلك الحقبة، التي ضمّت بين حناياها رسول البشرية، الحبيب المصطفى خير البرية، وجالت عيناي في أرجاء مكة، التي تشرّفت بشخصه الكريم، فتحجّرت على قمة جبل النور، الذي تشرّف باعتكاف الرسول الكريم في غاره المشهور” غار حراء”، الذي شهد بداية نزول القرآن الذي أخرج الناس من الظلمات الى النور. الجبل.. شكله مميّز.. ووضعه مميّز والحدث مميّز..! فيا حبيبي يا رسول الله..! عافت نفسك الدنيا وما فيها من مغريات، وظللت تبحث عن الحقيقة، حتى نزلت على قلبك السليم بأرقى طريقة. ونزلْتَ عن الجبل، هرولْتَ الى أهلك وقومك تحمل لهم البشرى، ولكنهم لم يرْقَوْا إلى مستوى البشرى، فكم تكبّدت المخاطر، وكم تحمّلت العداء والإيذاء، فقط لأنك تحمل رسالة صدق، ولأنك أردت أن تقود البشرية الى طريق الحق. لعلّه في هذه الطريق تعرّضَت لك قريش، ولعلّ في هذه الطريق كَمَن لك الجيش، ولعلّه مكان أحد هذه البيوت كان بيتك الذي عُقِدَتْ حوله مؤامرة قتلك، ولعلّ هذه الطريق هي التي سلكتَها في طريق خروجك من بين أهلك، حاملاً رسالتك، ومهاجراً بها الى حيث كانت نصرتك من الأنصار الأبرار.
هذا الشعور المختلط من السعادة لأنني أُكْرِمْتُ بزيارة أشرف بقعة على الارض، مكة والحرم الشريف، وشعور الألم من أجلك يا حبيبي يا رسول الله، على مسار طريق الهداية من البداية حتى النهاية.فلا يطفئ شوقي اليك الّا الصلاة والسلام عليك.
صلّى الله عليك وسلّم، يا خيرَ مَن تكلّم، وخيرَ مَن تعلّم، وخيرَ مَن علّم.
بقلم: الحاجة نبيهة راشد جبارين
للأخت العزيزة أمّ رامي
نهنئكما – أنتِ والصديق أبو رامي – بتأدية فريضة الحج ونقول:
حجّ مبرور، وسعي مشكور، وذنب مغفور.
وأبارك لكِ هذه الإبداع الذي يعبّر عن إيمان صادق، وتقوى صافية.
دام عطاؤك وإبداعُك المميّزان
د. محمود أبو فنه
تحية اخوية وسلام للاخت الحاجة ام سامي .
اشكرك على هذه الكلمة الطيبة والتي تنم عن شخص طيب بارك الله فيك وحيياك.