سنتلاقى غدا يا استاذي
تاريخ النشر: 29/12/11 | 8:45كانت مساحة البيدر على قدر ما تغلُّ الارض من حبوب . حيث كانت عائلة ابو حسن تزرعها بالحبوب في نهاية كل خريف، وبالخضروات بداية كل صيف. وكان ابو حسن يجلب الحبوب واشتال الخضروات من المدينة القريبة. واحيانا كان يدّخر من الموسم السابق اذا كانت غلّته وافرة.
عاش ابو حسن وعائلته المكونة من تسعة انفار ، ثلاثة من الابناء واربع بنات وهو وزوجته، في بيت صغير في احد بساتين القرية، حيث احاط بيته بالسياج والخردوات لكي لا تصلها الحيوانات والوحوش ليلا، وكان بيته يتألف من غرفتين صغيرتين وحمام ومطبخ صغير، يكفيهم حر الصيف وبرد الشتاء.
اما بنات ابو حسن فلم يذهبن الى المدرسة البتة ، لعدم توفر النقود ليذهبن اليها، ولشراء الملابس والكتب المدرسية، واما حسن الكبير واحمد ايضا لم يذهبا الى المدرسة ليساعدا اباهما في جني المحاصيل من ارضهم، والوحيد الذي كان يذهب الى المدرسة، فهو سعيد الذي كان اسعد الناس بها وكان ناجحا متفوقا على جميع الطلاب. وكانت ام حسن هي ايضا تساعد زوجها واولاده، حيث كانت هي التي تقوم بارسال المحاصيل الى سوق المدينة لبيعها، وكان عندهم حمار هزيل ضعيف لا يقوى احيانا على حمل المحصول، حتى انه لم يستطيع حمل ام حسن على ظهره مع المحصول.
رغم كل الصعوبات فسعيد كان مجتهدا ومتفوقا وتحصيله في دروسه كان ممتازا، وكان جميع الاساتذة والطلاب يقدرونه ويكنون له الاحترام ، ويعاملونه كأنه عالم صغير. مرت الاعوام الدراسية حتى صار سعيد ابن العاشرة في الصف الخامس الابتدائي، وفي احد الايام دخل مربي الصف الاستاذ احمد الى الصف، واخذ ينادي الحضور من الطلاب اسما اسما، ولم يسمع صوت سعيد، فنادى عليه مرارا ولم يرد عليه ، فتقدم منه وسأله لماذا لم يرد عليه، فانهمرت الدموع على وجنتيه البريئتين وقال له وهو يهمس في اذنيه : يا استاذي ان المدير اخذ ينادي على في الاستراحة ما بين الدروس بصوته الجهوري وهو يقول لي: اين انت يا ابن البياعة ؟ لماذا لم تحضر راكبة الحمار الخضروات لنا ام ؟ فهل هذا هو مدير مدرستنا وهل هذه هي تربيته لطلابه، ولكني يا استاذي ادركت لم قال هكذا، فهو يعلم انني الاول في المدرسة واراد تحقيري اما الطلاب لانني فقير ومن عائلة فقيرة، ولتعلم يا استاذي انني لم ولن اعود الى المدرسة بعد اليوم، وسنتلاقى مستقبلا يا استاذي.
مرت الاعوام والتحق سعيد بوالده واخويه، وعمل في الزراعة معهم ، وكان يتردد احيانا مع امه لبيع المحصول على ذلك الحمار الهزيل في سوق المدينة، وكان هو الأوحد الذي شاهد معاناة امه في بيع المحصول ، وكيف ان الناس كانوا يهينوها لفقرها ولحالتها ، فاخذ على عاتقه ان يكون هو الذي يبيع المحصول وان تبقى امه في البيت. اخذت تجارة سعيد تدر اموالا وارباحا بعد ان كانت امه دائما في خسارة ، لأن اكثر الناس لم يكونوا يعطوها النقود مقابل المحصول، واشترى سعيد سيارة بدل الحمار لينقل المحصول الى المدينة، فرحت عائلته بما وصلوا اليه من ارباح ونجاحات في السوق، واصبح لديه شركة يدير من خلالها اعماله ، واصبح لديه موظفون لنقل المحصول الى سوق المدينة ، وحمد الله على هذا الرزق الذي اتاه به الله لجده وجهده هو وعائلته وادارته الحكيمة لذلك.
وفي احد الايام وبعد مرور اكثر من عشرة اعوام ، واذا بأحد الاشخاص يدق باب بيت سعيد الذي اصبح لديه بيتا مستقلا وامرأة حسناء وابناء ، خرج احد ابنائه ليفتح الباب فوجد رجلا يقف امامه ، فسأل الرجل الولد من انت يا بني ؟ فرد الولد ابن السادسة بكل شجاعة : انا اسمي احمد والذي سماني ابي على اسم مربي صفه والذي كان يكن له الاحترام دائما ، علت الابتسامة على محيى الاستاذ وقال للولد : هل والدك في البيت يا بني ؟ فرد الولد : نعم ساناديه لك ، فهو في مكتبه في الطابق العلوي. نادي الولد اباه، وعندما نزل سعيد اليه واذ بالمفاجأة امامه، انه الاستاذ احمد ، يا الله ما احلى تقادير ربنا ، وتعانقا عناقا طويلا ، وهنا سأل الولد اباه : ومن يكون هذا الرجل يا ابي ؟ فاجابه : يا بني هذا الاستاذ احمد الذي اسميتك على اسمه.
دخل سعيد واستاذه الى داخل البيت واخذا يتحدثان في امور سعيد وكيف اصبح من الميسورين والمنفقين وكيف بارك الله في تجارته . سأل سعيد استاذه عن سر زيارته له ، فقال الاستاذ : يا سعيد اننا نقوم ببناء مجمع ثقافي وتربوي ، لمساعدة الطلاب الفقراء ليلتحقوا بالركب . وهنا ابتسم سعيد وقال : يا استاذي ارجو منك ان تحسب ما في حقيبتك من نقود ، فقال له الاستاذ لماذا هذا كله ، فاجاب سعيد عدّها وخذ مني ضعفيها وذلك لمساعدة جميع الفقراء في قريتنا.
علت ابتسامة كبيرة على محيى سعيد ، فسأل الاستاذ : وما بك تعلو الابتسامة محياك ؟ فاجاب سعيد : الا تذكر يا استاذي ما قلته لك عندما انهيت تعليمي من المدرسة بسبب تلك الجملة التي رددها المدير امام الطلاب ، الم اقل لك حينها : سنتلاقى مستقبلا يا استاذي . توجه الاستاذ الى سعيد وعانقه مرة اخرى والدموع تنهمر على وجنتيهما من شدة فرحهما ببعض ، وهنا قال الاستاذ لسعيد : انت كنت عالما صغيرا واليوم انت عالم كبير.
شكر الاستاذ سعيد على ما انفقه من مال لبناء المشروع ، وتحدثا عن كيفية وصول سعيد الى هذه المكانة وحب الناس له وكيف انه درس في الجامعة وحصل على شهادة مهندس زراعي ، حيث كان يعمل في التجارة نهارا ، ويذهب للدراسة ليلا ، وهكذا اصبح سعيد من اغنياء القرية وجميع الناس يحبونه ويقدرونه لاجتهاده ومثابرته في حب العمل والعلم .
نعم هكذا يجب ان نكون حريصين على التعلم وحريصين على ان نعمل ونكد ونجتهد ، وايضا ان لا نستصغر الامور ، وان ننتظر الخير من الفقراء كما الاغنياء ، وان لا نهزأ بهم ولا منهم ، فالاجتهاد والمثابرة على النجاح تكون لمن يطلبها ولمن يريدها ، ولا يعرف الاجتهاد والنجاح غنيا او فقيرا.
قصة جميلة ومعبرة جداً
عنجد قصة جميلة معبرة لها اهدافها….