مشاكل الزوجين تبدأ ببذخ حفلة الزفاف
تاريخ النشر: 30/12/11 | 8:00ليلة الزواج، قد تكون هي «ليلة العمر» لبعض العرسان، ومرحلة جديدة مع شريك العمر، ولكن بالنسبة للبعض الآخر، قد تكون بداية طريق القروض والديون، بسبب المبالغ التي تمت استدانتها، من أجل إقامة عرس فخم يتحدث عنه الناس.
والتفاخر في حفلات الزفاف من أحد الأسباب التي جعلت بعض العرسان الجدد في لبنان يضطرون للاستدانة من البنك حتى يستطيعوا الزواج من حبيباتهم، اللواتي أصر أهلهن على إقامة عرس فخم لهن.
وطوال فترة الاستعداد للعرس كانت الخطيبة مشغولة بإيجاد أفكار مبتكرة ومميزة للعرس. اما العريس فيتساءل: «لماذا لا تكون الحفلة في حدود إمكانياتنا؟ ولماذا نبدأ حياتنا الزوجية ونحن مثقلون بالديون التي تنغص فرحتنا؟».
الزواج مؤسسة يفترض أن يكون فيها تعاون وتضحية وشراكة من الطرفين، لكن عندما تبدأ هذه الشراكة وهي مثقلة بالديون والهموم، فإن هذا سينعكس سلبا على الزواج، ويؤدي إلى حدوث توتر ومشكلات واختلافات وعدم انسجام بين الزوجين، فالأمور المالية تؤثر على مساحات التفاهم بينهما. والمثل اللبناني يقول: «عندما يدخل الفقر من الباب يخرج الحب من الشباك».
والحرص على المظاهر والتفاخر أمام الناس، هو السبب الرئيسي لتأجيل حفل زفاف الكثيرات من العرائس، بسبب اصرارها او اصرار والدتها على إقامة عرس في أحد الفنادق الفخمة، لأن هذه الليلة هي مرة في العمر، حسب قولها، ولأن الام ربت ابنتها بدموع العينين.
أما العريس فيشعر أنه من الحرام صرف هذا المبلغ الكبير على ليلة واحدة، وفقط من أجل إرضاء الناس، وهي غاية لا تدرك، بينما يمكن استغلال المبلغ لاحقا في شيء مفيد، كمثل دفع أقساط شقة أو منزل خاص.
والإنسان بطبعه يحب أن يكون مقبولا في مجتمعه، وهذا يجعله يمارس ما هو مقبول اجتماعيا، ولكن أنماط الثقافة السائدة لدينا هي الثقافة الاستهلاكية المظهرية، التي تعني أن البعض منا قد يصرف أمولا كثيرة على احتفالات، ومن بينها الزواج، بصورة أكبر من طاقاته وإمكانياته.
أيضا لأن المجتمعات أصبحت تسير باتجاه الثقافة الغربية الاستهلاكية، بسبب ضعف تأثير العوامل الدينية، والقيمية، التي كانت تضبط السلوك، وتنادي بالترشيد، وبأن البركة في تخفيف الاعباء على العريس.
وعلى العكس من الفتيات اللواتي يرغبن في عرس مميز، هناك فتيات اخريات يحرصن على إقامة عرس بسيط، وتوفير المال الذي يذهب هدرا لحاجات اخرى اكثر اهمية. فالمهم بالنسبة إليهن كان استغلال المبلغ المتوفر في الذهاب إلى رحلة شهر العسل، لتبقى ذكرى جميلة للأيام الأولى من حياتها الزوجية، وأيضا لكي لا يشعر زوجها بأية ضغوطات مالية.
ويؤكد علماء الاجتماع على دور المجتمع في إعطاء نماذج من البساطة، تكون ملهمة للأسر الباحثة فقط عن تقليد الآخرين، لأن ذلك يؤدي إلى نتائج تنعكس إيجابيا على المجتمع، وتعطي الفرصة للآخرين لالتقاط أنفاسهم في حفلات زفاف غير مكلفة.
أما سلوك المسرفين، فإنه يقود ضمنا إلى عدم رغبة الشباب من الجنسين إلى الزواج، خاصة عندما يعلمون أن هذه التكلفة المبالغ فيها، ليست في حدود إمكانياتهم.
ويقترح بعض الباحثين في هذا المجال فكرة الزواج الجماعي الذي تنظمه بعض المؤسسات، لأنها تعالج تحديات تواجه المجتمع، ومنها تأخر سن الزواج، وظهور سلوكيات خاطئة، وبعضها غير أخلاقية.
فوجود أبناء مجهولي الأبوين، أو وجود علاقات خارج مؤسسة الزواج، كلها أسباب تعود لعدم قيام المجتمع بتيسير ظروف ومعطيات الزواج، لتكون مقدورا عليها من قبل الشباب.
وعلى الرغم من مرور خمس سنوات على زواج سامي، لكنه ما زل إلى الآن يدفع أقساط القرض الذي أخذه من أجل الزواج، وهذا بالطبع يؤثر سلبا على الناحية الاقتصادية للأسرة.
ففوائد البنوك لا تنتهي، كما يقول سامي، وهذا يجعلنا لا نستطيع أن نسافر مثلا، أو نشتري بيتا خاصا لنا، وتكاليف الحياة تزداد يوميا، خاصة مع إنجاب الأولاد، وأشعر بالحزن عندما لا أستطيع أن أوفر لهم كل ما يرغبونه.
وأحد أسباب تزايد حالات الطلاق بعد فترة قصيرة من الزواج، هو المشاكل المادية، فبسبب الأحوال الاقتصادية، يترتب على الزوج أو الزوجة، أعباء مادية كبيرة، وسنوات حتى يتم الإيفاء بالديون، ومع وجود مواليد جدد تزداد نفقات الأسرة، كما أنه في بداية الزواج تكون هناك رغبة لدى الزوجين في التمتع بمباهج الحياة ورفاهيتها، ولكن هذا يتم إلغاؤه في حالة وجود التزامات مادية.
حفلة العرس بالنسبة للفتاة هو حلم تبدأ بالتخطيط له ربما منذ سنوات، ومن حق كل فتاة أن تكون ليلة الزواج مميزة بالنسبة لها، ولكن في الوقت نفسه ليس من الضروري الركض وراء مظاهر خداعة، وصرف أموال كثيرة فقط من أجل التفاخر.
فالنتيجة أحيانا قد تؤثر سلبا على الحياة الزوجية، حيث يشعر الزوج بأن ثقل الدين لاينزاح عن كاهله، وتدرك الزوجة مع الأيام، أنه كان من الأولى استغلال الأموال على شيء مفيد، بدلا من الصرف على كماليات غير ضرورية في ليلة واحدة.
كما أن هذا الإسراف الزائد قد ينفر الشباب عن الزواج، ويتأخر سن الزواج، وتزداد حلات العنوسة والعزوبية، مما يؤدي إلى حدوث مشاكل اجتماعية وأخلاقية أخرى في المجتمع.
واليوم نرى ان الزواج لم يعد مجرد فستان أبيض وبزة رسمية وباقات من الورد وقالب من الحلوى وتسجيلات موسيقية خاصة بالمناسبة السعيدة؛ فعرس بهذا «الحجم» يكاد لا يكون موجودا، حتى لدى الطبقات ذات الامكانيات المحدودة والتي تلجأ للاستدانة مقابل تأمين كل مراحل الزفاف التي باتت تعتبر بديهية. ومن يتاح له من المدعوين أن يشهد أكثر من عرس، فهو سيحظى بمشاهدة سلسلة متنقلة من الكرنفالات التي تحفل بالبذخ والألوان واللوحات الفنية الساحرة.
وفي بعض الأحيان، يتمادى العروسان، وخصوصاً العروس، في إدخال تفاصيل مكلفة على الزفاف بحيث تتخطى الكلفة الميزانية المحددة له.. وفي الكثير من الحالات، تتجاوز التكلفة المئة ألف دولار، وربما نصف المليون دولار لدى الفاحشين في الثراء. ولسان حال هؤلاء يقول أنها «ليلة واحدة في العمر، بل هي ليلة العمر، فلم لا تكون الليلة الأجمل؟ ولم وُجد المال أصلاً؟».
لكن الإمكانيات المادية وحدها غير كافية للتحضير للعرس بالشكل المناسب، وتلافي أي ثغرة قد تشوه المناسبة بأكملها؛ فالتحضيرات التي تسبق حفل الزفاف يجب أن يباشر بها قبله بأشهر عدة، وربما سنة. والأمر يتطلب جهودا مضنية قد لا تكون كافية لتأمين المطلوب.
وبما أن الحاجة أم الاختراع، نشأت مؤخراً شركات تتولى تنظيم الأعراس من الألف إلى الياء. ولم يعد على العروسين سوى تأمين المال واقتراح الإطار العام لحفل الزفاف (حتى هذا الأمر يمكن أن يتولاه المنظمون). فاللجوء الى شركات تنظيم الأعراس هو ما أضفى على العرس اليوم طابعاً عصرياً وأسطورياً بفضل خبراتها في هذا المجال. وهذه الظاهرة أصبح لها اليوم روادها الذين هم إجمالاً من الأغنياء وأصحاب رؤوس الأموال.
ويسعى منظمو الأعراس الى تنفيذ الأحلام التي تراود العروسين لليوم المنتظر، والتي تكون الأكثر ابتكاراً وجنوناً. ولا بد من أن يكون هناك تكامل تام بين المنظمين لكي تصل الأمور الى خاتمة سعيدة. لذا، كان لا بد من تلزيم الحفل بكامله لجهة واحدة تتولى التخطيط والتنفيذ.
تقول صاحبة ومديرة احدى شركات تنظيم الأعراس أن التحضيرات للعرس تبدأ ضمن مهلة تتراوح بين الستة أشهر والسنة من الموعد المحدد. فمن واجب الشركة أن تأخذ الوقت الكافي لكي تحقق أحلام العروسين في «ليلة العمر» مثلما يريانها. وتشير الى ان البداية تكون في اختيار صالة العرس وتوزيع الطاولات وزينة الورود وحجز الفندق وعدد المدعوين، ثم تحديد هوية الحفل بين التقليدي أو الأوروبي أو العصري أو ابتكار هوية خاصة تجمع بين أكثر من نمط واحد، وصولا إلى الموسيقى والزفة والتصوير. ويختلف الأمر بين اختيار مكان مغلق وبين اختيار مكان مفتوح؛ فالثاني، وبعكس الأول، يترك مجالا للابتكار ومساحة لحرية الخيال.
وتضيف أنه «قد يستوحي العروسان فكرتهما من حدث ما أو فيلم معين ويطلبان منا تنفيذها. وعندها نعمل على التنفيذ انطلاقا من الفكرة الأساسية، بدءاً بالديكور، وصولاً إلى الزفة والزينة… وكلما كانت الميزانية مرتفعة، كان التنفيذ أكثر إبداعاً وبعداً عن المألوف».
ومن الناحية العملية، يتطلب العرس اللبناني الحديث قائمة طويلة من المستلزمات الضرورية: فستان العروس، مزين نسائي ورجالي، أخصائي تجميل، مصمم الزينة من الزهور، ديكور القاعة أو الحديقة، الإضاءة، البرنامج الفني، التصوير، استئجار سيارات العريس والعروس والموكب، في بعض الأحيان، الزفّة، عدا عن ورشة المآدب وقائمة المآكل وقالب الحلوى وحجوزات شهر العسل… وغيرها. وهكذا يتحول العرس الى استعراض فني ويصبح في اليوم التالي حديث البلد ووسائل الإعلام وعنوان جلسات القهوة الصباحية التي تعقدها نسوة الحي…
كل ما ورد أعلاه يعدّ تفاصيل صغيرة في الشكل، لكنها تشكّل كل الفرق؛ فهي قادرة على رسم المسافة الطويلة بين زفاف بعشرة آلاف دولار، وآخر بأكثر من نصف مليون دولار. فالضائقة الاقتصادية لم تؤثر في شكل كبير على مهنة تنظيم الأعراس، حيث تبقى الرغبة بتحويل سهرة العمر الى مهرجان يضج بالفرح ويتخطى الحواجز المادية. لكن، تبقى التسميات من «عرس أسطوري» الى «عرس ملوكي»، أو «عرس الأحلام» أو «عرس الخيال» محتكرة للأعراس التي «يفتّ» عليها المال بسخاء ومن دون حساب… وهكذا فقط تتحول الرغبات، مهما أمعنت في الخيال، إلى حقيقة! فالزبون يدفع مقابل الاستمتاع و»تبييض الوجه» أمام المدعوين الذين لدى الكثيرين منهم أفواه تأكل وتحكي…
وتؤكد أن «زبائننا ينفقون نحو 200 الف دولار كمعدل وسطي لحفل زفاف يدعى اليه حوالي الف شخص»، مشيرة الى ان هناك زبائن يرغبون في اقامة افراحهم في «اجواء تشبه عصر الملك لويس الرابع عشر او لويس الخامس عشر». ومن الطلبات غير العادية أيضاً تنظيم عرس في مكان «حوّل الى مزرعة»، وأطلت العروس على المدعوين على ظهر حمار. فاضطرت الشركة لتحويل المكان الى ما يشبه المزرعة مستقدمة أنواعاً مختلفة من الدواجن.
أما فستان العرس فهو عنوان الطلة الأولى للعروس على عريسها وعلى المدعوين. لذلك، تُبذل من أجل هذه الطلة ميزانيات كبيرة وجهود مضنية، تستغرق أشهرا قبل يوم الزفاف، حتى يأتي الفستان على المستوى المطلوب. وقد يكلف به أحيانا أحد كبار المصممين وقد يرصع بالألماس والأحجار الكريمة الأخرى، لتطل به العروس وكأنها آتية من قصص ألف ليلة وليلة.
إلا أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة قد تجعل بعض العرائس، أو القسم الأكبر منهم، على البحث عن فساتين بأسعار أكثر مقبولة، تقتصر على بضعة آلاف من الشواقل . وحتى عندما لم يعد هذا السعر في متناول الجميع، كان لا بد من حل آخر، فكانت فكرة استئجار الفستان لا شراؤه. وتوسعت هذه العادة لتشمل فتيات من مختلف المستويات من اللواتي لا يكترثن للاحتفاظ بالفستان ويكتفين بصور حفلة الزفاف وهن يرفلن بالثوب الجميل في ليلة العمر. وهذا الحل البديل لجأت إليه العرائس من كل المستويات الاجتماعية بعدما كان وسيلة مقتصرة على فئات معينة في السابق.
ومن الطبيعي الا يروق هذا الحل لعدد كبير من مصممي الأزياء، لأن اعتمادهم هذا الحل يضر بمكانتهم المهنية، فلا يعترفون باعتماده. ويعتبر هؤلاء أن هذه الفساتين تحتاج لأن تؤجر على الأقل ثلاث مرات كي تستعيد تكلفتها، لذا فإن كلفة استئجارها في المرة الأولى يجب ألا تقل عن 40 في المئة من سعرها وتتدنى بعد استخدامه مرات عدة بسبب تدني جودتها ورونقها بعد تنظيفها.
وبالنسبة للزهور فهي عنصر أساسي في أي عرس مهما كان حجمه وتكلفته، وهي ترمز الى الحب والفرح، ولا يكتمل العرس الذي هو سيّد الأفراح على الإطلاق من دونها؛ فوجوده في هذا اليوم ضروري جداً «لتكمل الفرحة». ان الزهور مصاحبة للعرس بكل مراحله وأماكنه، ابتداءً من بيت العروس ودرج البيت وسيارة العرس والقاعة .. ولكلّ مكان نوع الزينة وكمّيتها، ولكل زمان أنواع مختلفة وأسعار مختلفة… ويمكن أن يتراوح سعر الزينة والتزيين بين 3000 شيقل وحتى 20000 شاقل .
اما التصوير في حفلات الاعراس فيعتبر من المراحل الاهم في تفاصيل حفل الزفاف، لأنه يشكل الذاكرة الحية للعرس. والسعر الأدنى لكلفة تصوير العرس يبلغ نحو 10000 شاقل على الاقل وترتبط الكلفة بحجم العرس ، وذلك بحسب عدد المصورين والكاميرات المستخدمة.
اما عشاء العرس فهو اساسي في التكاليف …فلا تكتمل أصول الضيافة والتكريم في العرس إلا بإقامة حفل عشاء على شرف المدعوين الذي أتوا لمباركة العروسين. وتختلف كلفة العشاء حسب مكان العرس وآخر بحسب الوجبة والضافات التي يود العروسان تقديمها، بحيث تتراوح الأسعار بين 50 – 200 شاقل للشخص الواحد وخاصة بالقاعات .
ينتهي العشاء وتخلو حلبة الرقص من روادها شيئا فشيئا، يقطع العروسان كعكة العرس وتتحرر حمامتان من قفص الأسر ليدخله آخران، وإن بصورة رمزية. وتنطلق الألعاب النارية في الفضاء وتملأ سماء المكان الذي تجري فيه فعاليات العرس. الوان من النار واشكال واصوات تجعل الموجودين في المكان ينظرون كلهم الى السماء مرة واحدة. وتعود عيون الصبايا الى الأرض لتلتقط إحداهن باقة العروس التي ترميها الى الفتيات العازبات، وتلك علامة للفائزة بانتهاء زمن العزوبية في وقت قريب… تنتهي السهرة، ويعود المدعوون، كل الى منزله، ويبدأ العروسان مشوارهما الجديد ثنائياً، وهكذا تختتم قصص الأعراس في أي زمان ومكان لتبدأ قصص من نوع اَخر….