اللهم انك الحق وقولك ووعدك الحق – أحباب الله ورسوله ج2
تاريخ النشر: 21/05/14 | 8:57
بقلم: المربي محمد حبايب،أبو شادي
ألا يرضيك أخي القارئ الكريم أن تكون من أحباب الله ورسوله؟؟؟.
لقد وعدتكم إخوتي وأخواتي القراء الكرام في الجزء الأول من هذا المقال أن نتكلم ونتعرف على هذه الفئة القليلة (للأسف) من أهل هذا الزمان، جعلنا الله وإياكم منهم، الذين زكاهم الرسول صلى الله عليه وسلم واصفاً إياهم بإخوته وأحبابه، ذاكراً إياهم في أحاديث أثارت بشدة استغراب الصحابة في ذلك الزمن من حياة السلف الصالح، لأنهم لم يتخيلوا بأن أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم سيؤول إلى ما آلت إليه في هذا الزمان.
فهيا بنا أخواني القراء نستعرض سوية الأحداث وبعض الأحاديث التي قالها من لا ينطق عن الهوى فينا أهل هذا الزمان، فلقد قال صلى الله عليه وسلم في عبادتنا وعظم أجرها: (من يعبد الله في زمن الفتنة، كمن هاجر إلى الله ورسوله)، انه كأجر المهاجرين الذين اتبعوا الرسول تاركين بيوتهم وأهليهم وأموالهم وهاجروا من مكة الى المدينة، وما أعظم هذا الأجر. الذين قال الله فيهم: (والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون * الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون).
وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “إِنَّكُمْ فِي زَمَانٍ مَنْ تَرَكَ مِنْكُمْ عُشْرَ مَا أُمِرَ بِهِ هَلَكَ، ثُمَّ يَأْتِي زَمَانٌ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ بِعُشْرِ مَا أُمِرَ بِهِ نَجَا. وبرواية أخرى: (إنكم اليوم في زمان كثير علماؤه، قليل خطباؤه، من ترك عشر ما يعرف فقد هوى، ويأتي من بعد زمان كثير خطباؤه، قليل علماؤه، من استمسك بعشر ما يعرف فقد نجا). وملخص الحديث ما معناه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لأحد الصحابة لو أنقصت عشر ما أنت فاعله لدخلت النار، وسيأتي أقوام لو فعلوا عشر ما أنت فاعله لدخلوا الجنة..؟
فهنيئاً لمن أطاع الله ورسوله وفاز بهذا الأجر العظيم على العمل القليل!!! فهل يكفي عشر العبادة فقط؟؟؟ الله ورسوله أعلم، ولكن الحديث لا يعني بأي شكل الإنقاص من الفرائض.
لكن المهمة ليست بالسهلة، بل إنها شديدة الصعوبة وتحتاج لكثير من التضحيات، ولكنها ممكنة، وعن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال (اشتقت لأحبابي، قالوا: أولسنا أحبابك؟ قال: لا، أنتم أصحابي، أحبابي أناس يأتون في آخر الزمان القابض منهم على دينه كالقابض على الجمر، أجره سبعين (برواية أخرى خمسين)، قالوا: منا أم منهم؟ قال: بل منكم، لأنكم تجدون على الخير معواناً ولا يجدون).
انظروا الى الأجر العظيم، كأجر خمسين أو سبعين صحابياً، ولكن انظروا إلى شدة التمسك في الدين لشدة الفتن، كالقابض على الجمر، وهل من وصف أدق من هذا؟.
وانظروا الى سبب التفضيل الذي يذكره صلى الله عليه وسلم،أي لأنكم أيها الصحابة تجدون من ً يعينكم على الخير وأهل آخر الزمان لا يجدون، ويستشف من معنى الحديث ان الكثير من أمة هذا الزمان لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، لأنهم لا يعينون المتمسك بدينه على الخير، لكنه يبقى مفضلا بأجره على الصحابة.
وعن عمر رضي الله عنه قال: «كنت مع النبي جالساً، فقال رسول الله: أتدرون أي أهل الإيمان أفضل إيماناً؟ قالوا: يا رسول الله الملائكة، قال: هم كذلك ويحق ذلك لهم، وما يمنعهم وقد أنزلهم الله المنزلة التي أنزلهم بها؟ بل غيرهم. قالوا: يا رسول الله فالأنبياء الذين أكرمهم الله تعالى بالنبوة والرسالة، قال: هم كذلك، ويحق لهم ذلك، وما يمنعهم وقد أنزلهم الله المنزلة التي أنزلهم بها؟ بل غيرهم، قال: قلنا فمن هم يا رسول الله؟ قال: أقوام يأتون من بعدي في أصلاب الرجال، فيؤمنون بي ولم يروني، ويجدون الورق المعلق، فيعملون بما فيه فهؤلاء أفضل أهل الإيمان إيماناً»
يا الله!!! انظروا ما أعظم هذا، ناس آمنوا بالرسول ولم يروه فهؤلاء أفضل أهل الإيمان إيماناً، ويستمر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتزكية المؤمنين في آخر الزمان فيَقُولُ:
(بَدَأَ الإسْلامُ غَرِيبًا، ثُمَّ يَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، فَطُوبَى للغُرَبَاءِ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَمَنِ الْغُرَبَاءُ؟ قَالَ: الَّذِينَ يُصْلِحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ)، وفي لفظ آخر: (الذين يُصلحون ما أفسد الناس من سنتي)، وفي لفظ آخر: (هم النزاع من القبائل)، وفي لفظ آخر: (هم أناس صالحون قليل في أناس سوء كثير).
فَطُوبَى للغُرَبَاءِ… َطُوبَى للغُرَبَاءِ…… َطُوبَى للغُرَبَاءِ
والذي نفسي بيده ان المتمسك في دينه في هذا الزمان يجد نفسه غريباً بين الناس، وان الناس أيضاً يرونه غريباً بينهم.
وقبل وفاته، قال صلى الله عليه وسلم: أريد أن ازور شهداء أحد، فذهب لشهداء أحد، ووقف على قبور الشهداء وقال: (السلام عليكم يا شهداء أحد انتم السابقون ونحن إن شاء الله بكم لاحقون وإني بكم أن شاء الله لاحق. وعندما رجع بكى رسول الله فقالوا: ما يبكيك يا رسول الله؟ قال: اشتقت لأخواني قالوا: أو لسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: لا انتم أصحابي أما أخواني فقوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولا يروني). وها هو عليه الصلاة والسلام يشتاق إلى من آمن من أهل هذا الزمان وهو لم يراهم ولا يعرفهم إلا أن الله سبحانه وتعالى نبأه بخبرهم.
وهكذا زكى عليه الصلاة والسلام من آمن من أهل هذا الزمان تزكية بينة واضحة طيبة، فتارة يشجعنا على العبادة ولو بقليل منها، وتارة يصفنا أحبابه وإخوانه وأننا أشد أهل الإيمان إيماناً ويصف من آمنوا وأطاعوا الله ورسوله بالغرباء، اللهم اجعلنا وإياكم ممن هم أهلاً لهذا الاشتياق، أحبابه وإخوانه الذين آمنوا به ولم يروه وممن قال فيهم كل هذا، ومن الغرباء……….
فَطُوبَى للغُرَبَاءِ… َطُوبَى للغُرَبَاءِ…… َطُوبَى للغُرَبَاءِ
فهل نحن كذلك؟ اللهم اجعلنا كذلك وأنت ولي ذلك والقادر عليه.
ولكن.. لقد نبأنا من لا ينطق عن الهوى، بأن هذا سيكون في زمن شديد الفتن، وهذا من أعظم ما ابتليت به أمة هذا الزمان، ووصف ذلك بدقة شديدة وكأنه يعيش معنا، وحذر أهل هذا الزمان من انتشار وتفشي الإباحية وارتكاب الذنوب والمعاصي بكل سهولة ويسر دون حسيب أو رقيب، أو مخافة الله؟، وكثرة أسباب الفساد والإفساد التي دخلت بيوت هذه الأمة، والمشجعة على ذلك بل الداعية إليه بشكل مباشر او غير مباشر، مما أدى الى تلك الفتن بجميع أنواعها وأشكالها، بل من هذه الفتن ما دخل جميع البيوت كالتكنولوجيا المتطورة مثلاً.
وعذراً أخي القارئ الكريم لعودتي إلى وصف الفتن، فلا بد من ذلك لتبيان الظروف المميزة لهذه الحقبة من الزمان، فهذا الأجر العظيم، أجر خمسين أو سبعين صحابياً، لم يمنح عبثاً إلا لكرم من الله علينا ولشدة الحصول عليه.
فمن أقواله صلى الله عليه وسلم واصفاً الفتن وعلامات الساعة، ظهور وانتشار الزنا والإستخفاف والمجاهرة به: (من أشراط الساعة أن يقِلَّ العلم، ويظهر الجهل، ويظهر الزنا، وتكثر النساء، ويقِلَّ الرجال، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد). وزاد في رواية في الصحيحين: (ويُشربَ الخمر، ويَظهرَ الزنا).
وعنه صلى الله عليه وسلم: (ليكونن من أمتي أقوامٌ يستحلون الحِرَ (الزنا) والحرير والخمر والمعازف).
والزنا كان متواجداً في جميع العصور وفي جميع الأمم، لكنه صلى الله عليه وسلم يتحدث عن “ظهور” أي أنه يصبح ظاهراً و “ظاهرة”، ويصف استحلاله والمجاهرة والاستخفاف به وفي باقي المنكرات المذكورة في الأحاديث.
والأحاديث في ذلك كثيرة جداً، وذكرت أيضاً جميع هذه الأحاديث على أنها من “علامات الساعة الصغرى” التي ربما أتطرق إليها في جزء أو مقال آخر.
أما الأسباب التي أدت إلى هذا الإنزلاق الخطير لعمق هذه الهوة السحيقة فهي كثيرة وربما احتاجت لمقال مستقل لمعالجتها، ومنها سهولة ارتكاب فاحشة الزنا، والصعوبة البالغة للزواج الحلال لتكاليفه الباهظة جداً، ولكن يبقى على رأس هذه الأسباب ضعف الوازع الديني، فالدين هو نبراس كل شيئ وإذا ذهب الدين ذهبت الأخلاق وانعدمت المروءة واندثرت الرجولة والشهامة، وحل مكانها سوء الخلق والفسوق والفجور.
وإذا كان البعد عن الله والدين هو السبب الأساسي في هذا التردي الخطير، فالتكنولوجيا بكل إمكانياتها ووسائلها كانت هي الوسيلة الموصلة التي مكنت وسهلت الوقوع في هذا المنزلق الخطير، وأخص بالذكر الهواتف الذكية (سمارت فون) وشبكة الانترنت بجميع شبكاتها المتشعبة.
انها سيف ذو حدبن، فهي وسيلة علم ومعلومات لم يسبق لها مثيل منذ خلق آدم والى يومنا هذا، ويتوفر بها جميع انواع المعلومات، وفوائدها كبيرة في مجالات كثيرة أهمها الاتصالات والمعلومات، لو استعملها الناس لمنفعتهم وفي ما يرضي الله.
ولكن هيهات هيهات، فهذا الإنتشار الكبير والغير مسبوق لوسائل الإتصالات والتكنولوجيا الذكية والمتطورة وتوفرها بأيدي الجميع صغاراً وكباراً، وتوفر حزم اتصالات رخيصة جداً وقي متناول الجميع، ووجود برمجيات تجعل الاتصالات بالصوت والصورة والفيديو سهلة جداً، وانتشار الشبكات الاجتماعية التي توفر وتبيح وتتيح كل شيئ، كل هذا جعل منها قنبلة موقوتة بيد من لا يجيد استعمالها.
ومع توفر هذه الامكانيات القوية جداً والغير محدودة في الاتصالات وقلة الوعي للإستعمال الصحيح لشبكة الإنترنت والشبكات الاجتماعية، وعدم معرفة المخاطر الكبيرة التي من الممكن ان تنجم عن استعمالها الخاطئ، زد على ذلك ضعف وفي بعض الأحيان غياب الرقابة الأسرية على الأبناء، كل ذلك جعل منها خطراً كبيراً كارثياً على الأفراد وبالذات من الأجيال الشابة، بل يشكل خطراً على المجتمع كله.
فالغالبية الساحقة من المجتمعات العربية بجميع طبقاتها من رواد القنوات وشبكة الإنترنت، من متابعي المسلسلات التركية الخليعة الهابطة، والبرامج الهابطة للغناء والسفور مثل أراب آيدول (نعم، معناها معبود العرب، فلكل زمان أوثانه التي تُعبد)، هذا ناهيك عن أن البعض من متابعي أفلام السفور والفجور المخلة للآداب بالقنوات وشبكة الإنترنت، حتى أصبح هذا النهج عادي جداً ليس به أي حرج لدى الكثير من أبناء هذه الأمة، إلا من رحم ربي والله المستعان.
*** “وقد تبجح بعض أهل زماننا وافتخر بأن لابنته صديقًا كما أن لابنه صديقة، وعبّر عن المتعة الجنسية بين الشاب والفتاة والرجل والمرأة بأنها لا تزيد على ما يشعر به المرء عندما يشرب فنجانًا من القهوة أو كوبًا من الشاي”!!! (منقول للأمانة)، وهذا المتبجح يعطينا مثلاً فارقاً صارخاً بين المؤمن والفاجر، فالمؤمن أيضاً يذنب أحياناً ويعصي ربه، لكن الفَرق بين المؤمن الذي يُذنب والفاجر الذي يَعصي كبير وواسع، وقد بيّنه ابن مسعود رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن المؤمن يرى ذنبه كأَصل جبَلٍ يوشك أن يقع عليه، والمنافق الفاجر يرى ذنبه كذُباب وقَع على أنفه فقال بِيَده هكذا). أرأيتم إلى هذا الفَرق بينهما؟! كلاهما يعصي الله عزّ وجل، لكن المؤمن إذا عصى خاف ونَدِم ووجل قلبه واستغفر وعَمِل الصالحات لِيُكفِّر عن السيئات، أما الفاجر المنافق فيرتكب الذنوب والمعاصي ويفرح بذلك ويتباهى ويُجاهِر بها ولا يخاف الله، تجِده ينام على سماع الأغاني والكليبات الفاحشة بل ربما الأفلام الساقطة، وفي الصباح يستيقِظ على ذلك، ولا يَعرِف ذكر الله للسانه سبيلا.
لقد وصل حال الأمة إلى ما لا يخفى على أحد من فساد الزمان وتدهور أخلاق الكثير من أهله، والأسباب في ذلك كثيرة جداً كما أسلفنا ومنها الجهل بالدين والبعد عنه، والإنغماس في حب الدنيا وشهواتها، وسوء الخُلق، وضياع الأمانة، وفشو الخيانة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
حب الدنيا رأس كل خطيئة فاحذروا منها وتذكروا قوله صلى الله عليه وسلم: “وَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ وَلَكِنْ أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا، كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ “.
اللهم أرنا الحق حقا وأرزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبسا علينا فنضل، واجعلنا للمتقين إماما”.
وصلي اللهم على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين وسلم تسليما كثيراً.
يتبـــــــــــــــــع….
بقلم: المربي محمد حبايب،أبو شادي.