حول فيلم “الـمُخلِّص”: خطوة بالغة الأهميّة تؤهله بالوصول إلى العالميّة
تاريخ النشر: 22/05/14 | 20:04بقلم: مارون سامي عَزّام
*وجود سينما فلسطينيّة، تحكي عن واقعٍ فلسطيني نجهله، وبالأحرى الجيش الإسرائيلي لا يُريد أن يعترف بالأعمال القمعيّة التي يقوم بها، هي سينما هامّة، كادت تصل إلى العالمية لصِدقها، بينما العرب الفلسطينيين داخل إسرائيل، ما زالوا يفتقرون إلى سينما لها أهميّتها وتأثيرها على المُشاهِد، بسبب عدم وجود تمويل خارجي، أو دعم من صندوق السينما الإسرائيلية.. فجرأة المخرج يوسف قمر الذي تبنّى اسم روبرت سافو، نَجل المخرج التلفزيوني فيكتور قمر، جعلته ينفذ مشروعًا سينمائيًّا دينيًّا محلّيًّا ضخمًا، عن حياة السيد المسيح بعنوان “المخلّص”، برؤية عربيّة الأصل، هي خطوة بالغة الأهميّة، لِما في الفيلم من مؤثّرات سينمائيّة تقنية، تؤهله بالوصول إلى العالميّة.
شارك في فيلم “المخلّص”، ممثّلين فلسطينيين من داخل إسرائيل والأردن، وأيضا ممثلين من العراق ومصر وسوريا ودول اجنبية أخرى، أدّوا أدوارهم بحرفيّة عالية، واختيار بعض الشخصيات الأساسيّة كان موفّقًا، وأكثر دور لفتني دور النّجم الأردني زهير النّوباني الذي اشتهر بأدوار الشّر، فلعب دور أحد رؤساء الكهنة وأدّاه كما يليق، وملامح وجهه الخبيثة، ساعدته على إتقان الشخصية، والنّجم محمّد بكري، الذي قام بدورين الشيطان والملك هيرودس، وفي دور الملك أظهر براعته، من خلال انسجامه الكلّي في الشخصية ومن جهة ثانية، تجلّت أمامنا قدراته التمثيليّة، التي نعرفها.
الممثّل شريدي جبّارين، الذي لعب دور المسيح، كان أداؤه جيدًاوصادقًا، منح المشاهِد قدرة على التفاعل معه إنسانيًا، كذلك ملامحه الشرقية المتسامحة، توحي بأنّه وُلِدَ في مدينة بيت لحم الفلسطينيّة وليس اليهوديّة، كلامه الهادئ كان طاغيًا على نبرته طوال الفيلم، حتّى عندما طَرَدَ الباعة من الهيكل، لم يكُن صراخه حقيقيًّا، كما لم تُعجبني ربطه لشَعره، فشَعر السيد المسيح كان مُسدلاً على كتفيه، لأنه هكذا انطبعت صورته في أذهاننا، وتغيير تسريحة شَعره، أفقدَت قليلاً من هيئته.
الرّوح الفلسطينيّة التي أظهرها المخرج في شخصية السيد المسيح، طغت كليًّا على الرّوح الأوروبيّة المعهودة. دور الحاكم بيلاطُس، أداه النّجم الأردني غسّان المشيني بدقّة، إذ لاحظت اللؤم في نظراته ووجهه، وهو شقيق الممثّل نبيل المشّيني، الذي عرفناه من خلال سلسلة “حارة أبو عوّاد” الشّهيرة، التي ما زالت تُعرَض على بعض الفضائيّات المتخصّصة.
التحضير للفيلم استغرق سنوات عديدة والمدّة الحقيقيّة لسيناريو الفيلم الأصلي وصلت نحو (3) ساعات، إلاّ أن المخرج روبرت سافو اختصرها لساعَتين، وتم التغاضي عن بعض المشاهد الأساسية المهمة للفيلم، مثلاً، عندما قدّم المجوس الهدايا للطّفل، وظهور الملاك لهم ثانيةً،الذي منعهم من إخبار الملك هيرودس عن مكان المولود، أيضًا هروب يوسف ومريم والطفل إلى مصر، لئلاّ يقتله.سيناريو الفيلم مبني على نَصٍ كتبه الأمريكي فيليب دور، الذي عاش فترةً طويلة في فلسطين، مستندًا في كتابة أحداث الفيلم، إلى إنجيل لوقَا ولكن لا أدري لماذا تغاضى عن هذه الأمور الهامّة المكتوبة بالإنجيل؟
المخرج لم يصوّر عجائب السيّد المسيح المعقّدة تقنيًّا،تفاديًا للتكاليف الباهظة، وعوّض المُشاهِد بعجائب صغيرة، لا تحتاج إلى تقنيّة تصويرية، بل إلى تقنيّة تمثيليّة بسيطة، من قِبَل المجاميع، وهُم يُعرفون حسب اللغة السينمائية بالكومبارس وكانوا بلغاريين..لأن غالبيّة أماكن التصوير تمّت في استوديوهات بلغاريَا الضّخمة، وقسم تمّ في الأردن، واستمرّ التصوير (27) يومًا.
فيلم “المخلّص”، لم يعتمد على العجائب التي صنعها السيد المسيح بالأساس، بل تعمّق جيدًا في التفاصيل الصغيرة لحياته على الأرض، إلى أن وجدتها تأخذ جانبًا إرشاديًا هامًّا، كي يُبرِز المخرج للعالم العربي المعاني السّامية الموجودة في تعاليم السيد المسيح، لذلك اختار مسارًا روائيًّا دراميًّا تصاعديًا.. منخلال سَرد الرّاوي للقصّة، الذي أداه الممثّل يوسف أبو وردة، فكان حلقة الوصل المثيرة بين مَشهد وآخر.
المشاهد الأخيرة للفيلم، خصوصًا تسليم يسوع إلى رؤساء الكهنة، فرأينا كيف خطّطوا المؤامَرة بالاستعانة بالتلميذ الخائن يهوذا الإسخريوطي، كي يُسَلّمه لهم، هذا المشهد كان رائعًا ومُفصّلاً، بهدف الوصول إلى ذروة الإثارة الدراميّة وليس إلى ذروة التقنية التصويرية، ممّا زاد أكثر من عنصر التشويق واعتبرته المحطّة التي مهّدت لبداية مراحل آلام يسوع.
عندما حمَل المسيح الصّليب، حذَف المؤلف الجملة الشّهيرة التي قالها للنساء اللواتي بَكَينَ عليه وهذا الأمر منحني شعورًا بأن الممثّل شريدي لم تكُن قواه منهكة تمامًا من التعذيب ومن ثِقَل وزن الصليب، فلو قال جملة المسيح الشّهيرة، لَسمِعت تأوّهاته من الآلام وأيضًا من ثِقَل الصليب.. عندما حمَل سمعان القيرواني الصّليب أحسست أنّ وزنه خفيف بعض الشّيء، هكذا لاحظت خلال مُشاهدتي للفيلم.. تقنيّات التّعذيب المستخدمة في تصوير مَشاهِد الصّلب، كانت على مستوى عالٍ يوجد بها مصداقيّة فنيّة.
مشهد رَفع الجنود السيد المسيح على الصّليب، كان مؤثّرًا وجميلاً، إنّما تعليق اليافطة فوق رأسه، كانت غريبة ومستهجنة جدًّا، فكُتِبَ عليها: “يسوع المسيح ملك اليهود” بخطٍّ طباعي عصري وباللغة العربيّة، هل كان الهدف تأكيد عُروبة العمَل؟!! لأنه حسب إنجيل لوقَا كُتِبَ على اليافطة “هذا هُو ملِك اليهود”، بثلاث لغّات العربية والآراميّة والعبرية.
رغم بعض تحفّظاتي على فيلم “المخلّص”، فمُشاركة فنّانين مسيحيّين وإسلام ودروز في العمل، والذي عزّز روح التعاون والأُلفة بينهم، طَغَى على التحيُّز الدّيني. فيلم المخلّص بمضمونه العام، لا يدعو إلى خلاص طائفة بذاتها، بل يدعو إلى خلاص العالم والأمّة العربية تحديدًا من عذابات طُغيان دعاة الديموقراطيّة الإرهابيين المفتَعَلين.