قراءه أوليه باقتراح قانون "تنظيم إسكان البدو بالنقب 2012"
تاريخ النشر: 09/01/12 | 4:00نشر مكتب رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو قبل عدة أيام مذكرة قانون “تنظيم إسكان البدو في النقب”. جاء ذلك في أعقاب تقرير برافر- عميدرور، الذي وضع خطة لتهجير أكثر من 40 ألف عربي بدوي في النقب وهدم غالبية القرى الغير معترف بها. وجاءت مذكرة القانون أسوأ من تقرير برافر ذاته. وتمتد هذه المذكرة ببنودها وتفسيراتها على 64 صفحة وتتضمن 85 بندًا مختلفًا, يكتنف الغموض لغتها وبنودها مما يجعل مهمة قراءتها وفهمها عصية على المواطن العادي بل حتى على المختصين في القانون.
نظرة سريعة في اقتراح القانون ولغته توحي بان أمور كثيرة أجل البت بها وبقيت غامضة وأمور أخرى جرى التراجع عنها وأعطيت لرئيس الحكومة صلاحيات واسعة لإصدار تعليمات جديدة وتقييدات أخرى بشأن مناطق “تنظيم الإسكان” و”مناطق التعويض” (بند 74). وحتى إبطال تعليمات لا تروق له. والأنكى من ذلك فقد ألقيت على عاتق رئيس الحكومة نتانياهو مهمة تعريف “من هو البدوي” الذي يسكن في النقب وبالتالي من يستحق التعويض ومن لا. كما تمنحه مذكرة القانون صلاحية تعيين لجنة التعويضات. حتى أن ممثل الجمهور العربي النقباوي الوحيد في اللجنة المكونة من خمسة أشخاص سيعين من طرف نتانياهو نفسه. هذا بالإضافة إلى حقه بإخفاء معلومات حول عمل اللجنة عن الجمهور الواسع. وحق هذه اللجنة باتخاذ قرارات حتى دون أن تجتمع أي عبر البريد الالكتروني – الايميل.
بداية نقول إن عنوان اقتراح القانون مغالط فالأصح أن يطلق عليه اقتراح قانون سلب أراضي عرب النقب بدل “تنظيم إسكان البدو”. أما هدفه الأول فتنظيم ملكية الأرض في النقب. وأما الهدف الثاني فينتقل إلى “تطوير النقب لكل سكانه”. نعم يصادرون أراضينا من اجل تطوير النقب لكل سكانه وكأن هنالك مشكلة مع إسكان المواطنين اليهود في النقب.
أكثر ما يقلق في لغة مذكرة القانون هو التطرق إلى القرى غير المعترف بها وسكانها كمستوطنين عشوائيين وبحاجة لتنظيم وليس كسكان اصلانيين أصحاب هذه البلاد. لغة المذكرة توحي بان عرب النقب هم عائق بيئي وديمغرافي يجب التخلص منه عن طريق إسكانه في بلدات. أن مصطلح التوطين (התיישבות) يليق بمجتمعات مهاجرون وليس من سكن وأعمر النقب قبل قيام الدولة وقدوم الهجرة اليهودية إلى فلسطين.من جهة أخرى تركزت مذكرة القانون بقضية الأراضي وادعاءات الملكية. وفي أحسن الحالات وعند تعاون جميع مدعي الملكية مع القانون، فيما لو سن ببنوده الحالية، فان عرب النقب الذين يشكلون 32% من سكان النقب سيمتلكون في أحسن الحالات حوالي 1% من أراضي المنطقة فقط.
اقتراح القانون لا ينص بتاتا على الاعتراف بقرى أو إقامة قرى أخرى جديدة. بالعكس فهو يتراجع أو يخفي وجود قرار بالاعتراف في ثلاثة قرى في نطاق المجلس الإقليمي أبو بسمة. هذه القرى هي: ابو تلول, الفرعة وعبده التي تجري هذه الأيام عملية تخطيط هيكلي لها بهدف الاعتراف بها. فقائمة بأسماء البلدات السبع وقرى أبو بسمة أتي على ذكرها, لكن تم حذف القرى المذكورة أعلاه من القائمة. كذلك فان موضوع الاعتراف المشروط في القرى غير المعترف بها والذي نص عليه تقرير غولدبرغ لم يذكر بالمرة في مذكرة القانون. حيث لم يذكر أسماء قرى من الممكن أن تعترف بها الدولة حسب ما جاء في قرارات سابقة لسلطات التخطيط.
كذلك فقد حددت وقصرت فترة تصديق الملكية (אישור התביעה) إلى تسعة أشهر بدل سنتين ونصف كما جاء في تقرير برافر.كذلك من يتأخر عن تصديقه لادعاء ملكيته بين 9 إلى 19 شهرًا فالمقابل الذي سيحصل عليه سيكون هامشيًا. أما إذا لم تصدق الملكية خلال ال 19 شهر الأولى من إقرار القانون فمدعي الملكية لن يحصل على شيء. وسيتم تسجيل الأرض لصالح الدولة بعد خمس سنوات في حال لم يطبق مدعي الملكية “القانون”. ولكن الموقف المبدئي يجب أن يرفض مطلب تصديق الملكية نفسه ما دام أن ادعاءات الملكية هذه قد سجلت وقبلت في دائرة أراضي إسرائيل قبل 40 عام.
وفي تفسير مذكرة القانون في كل ما يتعلق بمدعي الملكية “الذين لا يجلسون على أرضهم” ادعى كاتبيها “أن هناك فروق بين من يسكن على أرضه ومن لا يسكن” وانه “لا توجد إمكانية عملية لتخصيص أراض زراعية لهؤلاء”.في الوقت ذاته تمنح فيه الدولة آلاف الدونمات للمزارع الفردية اليهودية وتوزع قسائم بناء كبيرة في البلدات اليهودية القائمة أو المزمع إقامتها, لكل من ينتقل من السكان اليهود الساكنين في المركز إلى منطقة الجنوب. ولا تخفي مذكرة القانون في تطرقها لمدعي الملكية غربي شارع 40 موقفها حيث ورد بأنه “وبسبب الصالح العام لإخلاء الأرض مناجل إغراض الاستيطان” فان المقابل أو التعويض الذي سيمنح لمدعي الملكية سيكون”مقابل مادي فقط”.
كذلك فان التعويض على الأرض سيكون بأراض “زراعية أو صحراوية فقط”. لذلك فقد وسعت منطقة التعويضات في الخارطة الوحيدة المرفقة إلىمذكرة القانون إلى الجنوب لتشمل أراض صحراوية جنوبي مدينة ديمونا, منطقة مفرق عرعره, بلدة يروحام وعلى طول الجهة الشرقية لشارع 40 وشارع 211 وصولاً إلى مفرق النقب وطلاليم وكيبوتس رفيفيم.
أما بالنسبة للتعويض على الأرض داخل مناطق النفوذ في البلدات فسيحصل مدعي الملكية على 25% من أرضهم فقط وليس 50% كما أشير سابقا حيث أن الاتفاق بين الدولة ومدعي الملكية يبدأ أولا بالتنازل عن 50% من الأرض ومن ثم التنازل بعد هذا الاتفاق عن 50% أخرى “لان سعر الأرض داخل منطقة النفوذ أعلى”. والانكى من ذلك انه سيتم تعويض المواطنين بعشرة آلاف شيكل مقابل كل دونم ارض داخل منطقة البناء في البلدة وسيتم بيع هذه الأراضي كقسائم بناء (500 متر مربع؟) بمبلغ 100 ألف شيكل. وسيتم تحديد عدد القسائم التي يستطيع كل شخص شراؤها حتى سبعة قسائم على أن يكون الحاصل على قسيمة بناء ابن 24 سنة على الأقل (حسب اقتراح برافر)..
مذكرة القانون سيئة لأنها تضرب عرض الحائط قوانين قائمة وتخضعها للقانون المقترح (بند 77). يشمل هذا الأمر قوانين إدارية قائمة وقوانين تنظيم وبناء. حتى قوانين الميراث لم تسلم من ذلك. الأمر الذي يذكرنا بقانون التسويات (ההסדרים) سيء الصيت. كذلك فاقتراح القانون ينص على حلول زمنية , يبدأ بالتنازل عن غالبية الأرض لصالح الدولة وإخلاءها من كل غرض بما فيها قلع الأشجار, وموافقة مدعي الملكية على حق الدولة بالتصرف بها كما تشاء. ويشمل اقتراح القانون الحق في هدم البيوت دون أوامر هدم. ويعطى موظف “سلطة توطين البدو” الحق في التصرف كما يشاء”من اجل تطبيق القانون”. ولا تستطيع المحاكم “تأخير تنفيذ القانون”.
حكومة إسرائيل بطرحها مسودة القانون تتقدم نحو مواجهة أخرى مع المواطنين العرب في هذه البلاد. المقدمة لذلك نراها يوميا بتصعيد قمعها لعرب النقب. رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو نصب نفسه حاكمًا عسكريًا بدون الإعلان عن حكم عسكري في النقب. رفض اقتراح القانون هو واجب الساعة. والسؤال ما نحن فاعلون؟ النجاح في صد هذه الهجمة الأعنف منذ العام 1948 تفرض علينا, قبل كل شيء, وحدة كل الأطياف الحزبية والفعاليات الاجتماعية والسياسية وتكثيف نضالنا الجماهيري والسياسي والتصرف كشعب يناضل من اجل وجوده ومن اجل مستقبله في وطنه.
بقلم د. ثابت ابو راس , مدير مشروع “عدالة” في النقب