الحيوسان الحينسان

تاريخ النشر: 10/01/12 | 23:50

في بعض الأحيان يُخيَّل لي أن الحيوان يأنف من تشبيه الإنسان به وأنه لو ملك حولاً وقوة ولساناً وناطقة أو وسيلة يعبر بها عن نفسه لقالها بملء الفم والجوارح.

لقد خلقه الله تعالى إنساناً وجعله في أحسن تكوين وتقويم وميزه عن غيره من المخلوقات بميزات كثيرة ومنحه من الصفات العديدة وسخر له الحيوان والنبات والثروات والطبيعة والطاقة والمعرفة والعلم والعقل وغيرها الكثير ….

.

بيَّن له حدوده وأمره بالصلاح حتى يحظى بالفلاح وشرح له الحياة والموت ونزع منه البقاء والخلود وأمهله إلى اليوم الموعود.

سيَّره في أن خيَّره وخيَّره في ما سيَّره له .

هكذا أراد له فماذا أراد الإنسان لنفسه ؟

لم يتخير أن يكون كالشجر يرميها الناس بالحجر فتلقي إليهم بالثمر .

لم يتخير أن يكون كالنبات ثابت في مكانه يكابد بوجه الريح حتى يصمد ويثبت حاله ويحقق الغرض الذي من أجله خلق في هذا الكون .

لم يتخير أن يكون كالنباتات التي تدافع وتقاوم ولا تندفع وتهاجم .

لم يتخير لنفسه أن يتعلم من النبتة المنح والعطاء وهو يدرك فوائدها العديدة الجمة كالثمار والخشب والورق والفحم ومقاومة الغبار وتلطيف الجو والظل …..

ولم يسأل نفسه مرة واحدة ما هي وظيفة الإنسان بل ما هي فائدته في هذا الكون؟

وماذا تخير لنفسه؟

تخير أن يتشبه ببعض أنواع الحيوان, كالأسد في جبروته والثعلب في مكره وغدره والذئب في حيلته والأفعى في سمه والعقرب في لدغه وبالكثير من الحيوانات التي تؤذي وتعادي وتهاجم وتفترس وتدير معركة صراع البقاء بأنانية مطلقة وبعداوة بغيضة بينها كحيوانات وبينها وبين الإنسان كعدو لا يطاق .

تخير أن يكون كالحيوانات التي تعيش في القاذورات والأوساخ كالحشرات الضارة المؤذية ورفض أن يكون كالنحلة أو كالنملة والفراشة .

ورفض لنفسه أيضاً أن يتشبه ببعض الحيوانات المسالمة الوادعة الأليفة الصبورة المتسامحة المفيدة كالقط والدجاجة والديك والماشية من الغنم والبقر وكذلك الأرنب والكلب والبط والإوز والجمل والحمار والحصان .

لم يتعلم من السمكة التي إن تركت بيئتها النظيفة فارقت الحياة وأصر على أن يتعلم من الحوت والقرش أن الكبير والقوي يأكل الصغير والضعيف الذي لا حول له ولا قوة .

ولم يتعلم من البرمائيات التي تترك البر لما يسوء الحال وتعود إلى الماء وتترك الماء عندما تحتاج إلى البر كي تغير الأجواء وتتزود بالغذاء .

غريب هو الإنسان بطبعه فهو يصر أن يتحول ويتغير في ما هو له مسيَّر ويتنازل عن ذلك بسهوله ويبدع ويتمادى في ذلك حتى يصل إلى درجة التفوق على الحيوان في الشر والسوء والجهل والوحشية وحتى ليكاد الحيوان أن يرفضها له ولنفسه ويشمئز لها وينبذها .

غريب هذا الإنسان الذي يقتل أخيه الإنسان لمكسب هزيل ومنصب زائل واحتلال غاشم وسلب ونهب وشطب وكذب وحرب وفتك وتجويع وإذلال تحت شعارات وتعليلات ما أنزل الله بها من سلطان ولا يجزع ولا يرجع ولا يردع بعاطفة أو شفقة ورحمة .

غريب هذا الإنسان الغريب ذو الطبع العجيب الذي ينجرف وراء غرائزه ونزعاته ويتحول بها إلى غرائز حيوانية ونزعات جاهلية ويوهم نفسه أنه ما زال إنساناً برغم كل ذلك فتراه يُظهر بأنه يرفق بالحيوان وهو لا يرفق بأخيه الإنسان وتجده يحرص على الطبيعة ولا يحسب أدنى حساب لمن على الأرض من البشر .

لم يأخذ من السكين إلا حده السالب ومن البحر الكريم إلا عصفه وأمواجه ومن الحيوانات إلا المفترس منها وشارك النباتات في صفة واحدة بتحوله عند الفناء إلى رماد !

‫5 تعليقات

  1. يا أخي
    ألم يقل الشاعر:

    لولا العُقولُ لكان أصغرُ ضيغمٍ أدنى إلى شرفٍ من الإنسانِ
    فما بالك إذا استخدمنا عقولنا في ما لم تخلق له!
    وتقبل تحياتي

  2. تحية وتقدير لك د. سامي إدريس
    تراني أعجب من هذا النوع من البشر الذي يصر أن يتنازل عن ما وهبه الله أو السعي به في دروب عجيبة تقشعر لها الأبدان .
    أشكرك جزبل الشكر وتمنياتي لك بالخير

  3. تحياتي الوردية لكَ أستاذي الفاضل
    ان المغزى والحكمة من كتابتكَ كبير فهي مليئة في فحواها ومضموها ..خضبة, ثرية وتعبر عن رؤية وتجلي..
    نعم ان كثير من البشر لا يدركون ماهية الرسالة التي سيقدمونها في هذه الحياة الفانية , كما وأنه قد تغيرت أطباعنا بشكل ملاحظ , حتى اني صرت أشك بمبدأ الفطرة السليمة والى ما ذلك ..
    وتقبل شكري واحترامي

  4. تحية طيبة لك أخت صفاء
    أشكرك على التواصل والمتابعة – واينما نظرت وجدت في أوضاعنا الراهنة ألماً ووجعاً لا تعرف كيف تتعامل معه وتحتار في ذلك فيكون الملاذ والملجأ للتفريغ والنصح والدعوة والتوضيح بالكتابة والكلمات – طبتم كلكم في كفر قرع !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة