دراسة لروايةِ “يلا نغني” للأديب صبحي خميس
تاريخ النشر: 01/06/14 | 9:02أودُّ في هذه المقالةِ ان أقدِّمَ دراسة ً موجزة ًعن روايةِ الكاتب والأديبِ التقدُّمي والملتزم ” صبحي خميس” بعنوان: “يلا نغنَّي” وسأحاولُ أن أركِّزَ فيها الأضواءَ على أبعادِ وأهدافِ هذه الروايةِ، من جميع النواحي، وعلى شخصيَّةِ وحياةِ الكاتب الذي تعكسُهُ الرِّواية نفسها.
معرفتي بالكاتب الروائي الصديق “صبحي خميس” واسعة وشاملة عرفتهُ صديقا مخلصًا مثقفا ومناضلا ووفيًّا لأفكارهِ، ملتزمًا في مواقفهِ الوطنيَّةِ وتطلعاتهِ الإنسانيَّةِ النبيلة المشرفةِ…يتحلَّى بمعرفةٍ وثقافةٍ واسعةٍ، إضافةٍ إلى ذلك كرمهُ وعطاؤُهُ اللامحدود المادِّي والمعنوي. وكانت نقطةُ البدءِ في معرقتيبهِ من خلال قراءاتي واطلاعي لدراساتهِ ومقالاتهِ الأدبيَّةِ والإجتماعيَّة والسياسيَّة والفكريَّة التي كانت تنشرُ في معظم الصحفِ والجرائد العربيَّة المحليَّة، في الفترة من سنة 1987، وهي بدايةِ مشوارهِ في عالم الكتابةِ والإنتشار، ولغايةِ أوائل سنوات الألفين..حيث أثبتَ نفسهَ يومها كتابيًّا وإبداعيًّا ونضاليًّا رغم كلِّ الحواجز والسدود التي وقفت في طريقهِ، فأصبحَ اسمهُ لامعًا يحتلُّ الصفحات الأولى في الصحف والجرائد..وهنالك للكثير من المقالات والإفتتاحيات الرئيسيَّة وكلمات العدد الخاصَّة للعديدِ من الجرائد والمجلات المحليَّة كان يكتبها هو بنفسِهِ ولا يكشفُ ويعلنُ عن ذلك، حيث كانت تنشر تلك المقالات الرئيسيَّة الهامَّة باسم الصحيفةِ نفسها… وفجأةً وبدون سابق إنذار غاب قلمُ صبحي عن مسرح الكتابةِ، والكثيرون بدؤُوا يتساءلون لماذا هذا الغياب المفاجىء الذي يطرح أكثر من سؤال وسؤال، سيَّما وأنَّ مقالاته وكتاباته المنشورة، خاصَّة السياسيَّة والادبيَّة منها ذات الطابع القومي والوطني والإنساني المقاوم، المترعة بالأمل والمجد والإباء قد اخذت حيِّزًا واسعا واحدثت ضجَّة ً قويّة ً محليًّا.. وأشيرُ هنا إلى الحوار الودِّي الساخن والبناء الذي ابتدأهُ معهُ عمُّهُ الكاتب المرحوم “صليبا خميس” والكاتب الإبداعي الكبير المعروف المرحوم “إميل حبيبي” حول موضوع “حرب الخليج”… هذا وقد أجمع العديدُ من المثقفين المعروفين والقراء الذين واكبوا تلكَ المقالات آنذاك أنَّ صبحي خميس كان في تحليلاتهِ وردودِهِ الكتابيَّة من أعمق المحللين المحلِّيِّين نهجًا وأكثرهم رؤية ًعلميَّة ً. وقد ادارَ ظهرَهُ لبعض الأشخاص الحاقدين الذين حاولوا النيلَ منه ظلما وافتراءً قائلاً لهم بكلِّ وضوح ٍ: “ليسَ لديَّ وقتٌ للعقول والأفكار الرَّجراجة”. كانَ شجاعًا جريئا وأثبتَ انهُ قدوة وكفىءٌ للشجاعةِ العقلانيَّة والمواقف الصَّعبة الحرجة. وهذا الأمرُ برزَ بوضوح حينما انطلقت وظهرت روايتهُ “يلاَّ نغنِّي” إلى النور كاسرًا فيها كلَّ الحواجز داحرًا العصابات والمافيات الأدبيَّة التي فرضت هيمنتها وغطرستها محليًّا في مجال النشر والإعلام، خاصَّة أولئك الذين قال عنهم:”فسادُ السَّمكة يبدأ من الرأس”.. والكلام واضحٌ. وهذه الرواية أثارت وما زالت تثيرُ الكثيرَ من الرُّدودِ والنقاش الحار حول الشكل والمضمون، كان فيها مبدعًا رائدًا مُخلصًا لفنِّهِ وعطائهِ… حيث نجدُ في كلِّ كلمةٍ في روايتهِ مدى إخلاصهِ العميق لأعزِّ ما عنده: الإنسان والأرض- كلّ هذا في أساليب روائيَّة متعدِّدة مبتكرة، الأمر الذي يتطلبُ الدراسة العميقة لهذه المغامرةِ الأدبيَّةِ الرَّائدة التي كسرَ بها جميعَ القوالب الأدبيَّة الروائيَّة المألوفة التقليديَّة وكان لسانُ حالهِ يقولُ لنا: (“أتركوانا نقفل القرن العشرين وهيَّا بنا إلى عام (2000)… عام الثورة التيكنيلوجيَّة”). وهنا يجبُ الوقوفُ وقفة تأمُّل عميقة لما يريدُهُ كاتبنا “صبحي خميس” الذي أتمنَّى لهُ التوفيق والتقدم المستمر في عالم الكتابةِ.. وأرجو أن يكونَ في مستوى ما تنبَّات به إحدى الصحف المحليَّة سابقا “أندكس هجليل” التي قالت عنهُ “بأنّكَ ستكون العنوانَ”. وليسَ عندي ذرة ُ شكٍّ بأنَّهُ سيصبحُ ليسَ عنوانا فقط، بل مدرسة تحوي الكرامة والمروءَة والمحبَّة والإبداع والرُّؤيا العميقة الفلسفيَّة على فهم كلِّ ما يدورُ بكلِّ حركةٍ من حركاتِ التاريخ (محليًّا وشرق أوسطيًّا ودوليًّا).
أمَّأ بالنسبةِ للرواية “يلاَّ نغنِّي” فيجتمعُ فيها عنصران هامَّان هما: البعدُ الوطني القومي والبُعد العاطفي والإنساني. فيها يتحدَّثُ كاتبنا بإسهاب عن الحبِّ الجوهري الروحي بشكل واضح، من خلال أحداثِ الروايةِ الدراميَّة… يثبتث أنَّهُ في زماننا هذا…عصر التيكنيلوجيا.. عصر المادَّة والبيزنس والرُّوتين المُمِلّ القاتل يمكنُ أن يوجدَ مثلُ هذا الحبّ العميق البريىء، وانَّ حبَّ الإنسان الصَّادق لحبيبتِهِ لا يختلفُ في جوهرهِ ومعاناتِهِ عن حبِّ الإنسان لأرضِهِ ووطنهِ. فمفهوم الحبّ الحقيقي عند “صبحي خميس” هو الإنتماء والهويَّة والكيان والمصير المشترك. وبدون العواطف الجيَّاشة والحُبّ السَّامي المتعالي والمُنزَّه عن عالم المادَّة (عالم الغش والخداع والإستغلال) فحياة الإنسان ليسَ لها أيَّة ُ قيمةٍ جوهريَّة. الحبُّ هو العطاء والفداء والبذل بلا حدود والتفاني من أجل الحبيب. وهو همزة الوصل بين الإنسان والحقيقة والخالق. والشَّيىء الغريب والمُثيرُ والمُمَيَّز في هذه الرواية والشَّاذ عن الكثير غيرها من الروايات المحليَّة أنهُ يوجدُ فيها عنصرُ الإثارة والجاذبيَّة والتشويق بشكل قويّ خلاب آسر. ومعظم الذين قرؤُوا رواية “صبحي خميس” حسب ما سمعت – بالإضافةِ إلى رأيي وذوقي الشَّخصي – قرؤُوها في نفس واحدٍ دون انقطاع وتوقُّفٍ حتى أتوا على نهايتِها… على عكس غبرها من الرواياتِ والقصص القصيرة أو الطويلة أو حتى روايات الكتاب الكبار أيضًا مثل:(نجيب محفوظ، إحسان عبد القدوس.. وغيرهما) الذين نقرأ رواياتهم وكتبهم بشكل متقطع دائما، وقد ننهي قراءة القصَّة في يوم أو في أسبوع أو شهر، وكثيرًا ما يُصيبنا الجُهدُ والملل والإعياء أثناء القراءة المتواصلةِ… وليس كلامي هذا تملُّقا للصديق صبحي خميس بل هي الحقيقة. إنَّ رواية “يلاَّ نغنِّي” تتمتعُ وتتحلَّى بجميع مقوِّماتِ القصَّة أو الرّواية الإبداعيّة الحديثة المتطوِّرة والناجحة على جميع المستويات: من ناحيةِ الأسلوب الأدبي الجميل المبتكر والمستوى الفنِّي، والصُّورالحسيَّة الجماليَّة المُعبِّرة والكلام السَّلس المتناسق في المفردات والعبارات،والتعابير البلاغيَّة الجميلة والأجواء الرُّومانسيَّة الشَّاعريَّة، والإنسياب في تسلسل الأحداثِ، والبعد القومي والإنساني والفلسفي للحياةِ في مجرى أحداثِ الرِّوايةِ، والحوار الفلسفي الدرامي الفكري المنطقي المثير والبنَّاء بين شخصيَّات وأبطال الروايةِ ونرى ونلمسُ أيضًا في جوِّها وطيَّاتِها الكرمَ الاخلاقي العربي،والنظرة َالإنسانيَّة الشموليَّة، والعادات والتقاليد والفيلكلور الفلسطيني المحلِّي. ولكن هناك بعض التمرُّد أو الخروج عن المألوف وروتين الحياة التقليديَّة، من خلال العلاقة بين بطل وبطلة الرواية – القصَّة… ولكن هذا الشَّيىء قد يحدثُ في مجتمعنا.. ويعطي ويُقدِّمُ كاتبنا تحليلا ومُبَرِّرًا منطقيًا مقبولاً لتلك العلاقة لا يتنافى مع القيم والنظرةِ الإنسانيّة، على عكس ما اتِّهمَ بهِ كاتبنا حيثُ جعلَ بعضُ النويقدين والحاقدين من هذه القصَّة فرصة وذريعة سانحة للطعن والنَّيل منهُ. كما أنَّ الشخصيَّات والأحداث السِّياسيَّة التي يذكرُها الكاتب واقعيَّة (من صميم واقعنا) ونراها ونلمسها يوميًّا في حياتِنا، وأيضًا بالنسبةِ للأجهزةِ الإعلاميَّة والأطر السِّياسيَّةِ والفكريَّة… إلخ. ولكنهُ جاءَ بأسماءٍ مستعارة ووظفها في روايتهِ ترمزُ للشخصيَّاتِ التي يعنيها ويقصدُها، ووفِّقَ في هذا.
لقد كتبَ عن هذه الرِّواية “يلاَّ نغنِّي” بعضُ هواةِ الكتابةِ الدخيلين على النقدِ الأدبي. والمعروف محليًّا أنَّهُ لا يوجدُ عندنا نقدٌ أدبيٌّ موضوعيٌّ بالمفهوم الحقيقي للنقدِ كما هو في الدول العربيَّة، ومعظمُ ما نقرؤُهُ في الصحفِ والمجلاتِ ووسائل الإعلام المحليَّة هو خربشات وتخبيصاتٌ فقط، يفتقرُ إلى البحثِ والتحليل وبعيد عن جوهر وعالم النقد العلمي والموضوعي البنَّاء ولا تربطهُ رابطة وعلاقة مع أسس وأصول ونظرياتِ النقد المعروفة والمتفق عليها. والنقدُ المحلِّي عندنا (في الداخل) ينبثقُ من دافعين: دافع النفاق والتملُّق والكذب ومسح الجوخ عندما تكونُ هنالك مصالح شخصيَّة ومكاسب مُعيَّنة، أو من دافع الحقد الأرعن والطعن والتشهير الأعمى. وأريدُ أن أشيرَ هنا إنَّ جميعَ من كتبوا عن روايةِ صبحي خميس هم غير مؤَهَّلين لمهنةِ النقد الأدبي، وبعضهُم جاءَ نقدُهُ على شكلِ التهَّجُّم ومن دافع الحقدِ الشَّخصي والكراهيةِ كما يبدو (ولغايةٍ في نفس يعقوب).. وربَّما لعقدٍ ورواسب دفينة لديهم (تحتاج إلى محلِّل نفسي).. والبعضُ كتب عنهُ دون أن يقرأ كتابهُ إطلاقا ويطَّلعَ عليهِ، مستعملاً وَمُوجِّهًا ضدَّهُ أقذرَ الشَّتائم والعبارات السوقيَّة النابية (بشكل ٍ شخصي). ولكن جميع ما كتبَ لا يُؤَثِّرَ سلبيًّا على انطلاقةِ كاتبنا الأدبيَّةِ والثقافيَّة وتحليقهِ في أجواءِ عالم الكتابةِ والفنِّ والإبداع. والمهمُّ في نهايةِ المطاف هو العطاء والمستوى الإبداعي وليسَ ما يسطِّرُهُ ويبتدعُهُ المشعوذون والحاقدون والمُغرضون.
– وأخيرًا: إنَّ هذه الرواية تحتاجُ إلى وقفةٍ أخرى طويلةٍ وإلى دراسةٍ عميقةٍ شاملةٍ لنعطيها حقها ونعطي الكاتب والأديب الصديق “صبحي خميس” ما يستحقّ.
..ولا أريدُ الإطالة- وأخيرًا وليسَ آخرًا نهنِّىءُ الكاتبَ المبدع صبحي خميس بروايته “يلاَّ نغنِّي” ونتمنَّى أن يتحفنا دائمًا بالمزيد من الإصداراتِ والرِّوايات والكتب الأدبيَّة الجديدة.
حاتم جوعية