مكابرة أم غطرسة!!
تاريخ النشر: 02/06/14 | 10:08صديقي عادل شاب جامعي يحمل شهادة م.أ (ماستر) في الفلسفة وعلم الاجتماع ويقول أن الدكتوراة في جيبه الصغير، وفي الجلسات الخاصة والعامة ومن خلال حديثه المتواصل والذي يكون له دائماً فيه حصة الأسد، يعطي فيه لنفسه الألقاب المثالية وبدون حساب: فهو مرة تقدّمي، ليبرالي، وأخرى اشتراكي مدافع عن الطبقة العامة الكادحة وأحياناً إنساني عالمي أي أنه محسوب على العالم الرحب الواسع… وهو أعزب كذلك رغم المعجبات ربات الخدور والجمال وما أكثرهن في رأيه… وصديقي هذا قدم إلى بلدنا مع أسرته الصغيرة من إحدى القرى المهجرّة، أي أنه لاجىء كما كان يحلو للبعض تسمية من هجروا قراهم باللاجئين، وذات صباح جميل من شهر آذار، شهر الجمال والحب والأزهار أفاق صديقي وهو يزّف للبشرية قرارا حاسماً اتخذّه: لقد قرّر نهائياً وبدون رجعة تطليق العزوبة والدخول إلى قلعة الحياة الزوجية، أعمل عقله وسخر كل مؤهلاته في رسم صورة سعيدة الحظ شريكة حياته العتيدة، وكان تفكيرٌ عميق استنزف الساعات الطوال وتمخضّ التفكير المتواصل عن فكرة ليبرالية اشتراكية تقدّمية، وهي أن لا مناص من مصاهرة إحدى عائلات القرية العريقة، الكبيرة والكريمة جداً، ذات الجاه والصيت، ذات الحسب والنسب والشهرة والعدد.
وبعد أن رسم الإطار العام بقي عليه تعيين الموقع فاستعان بذوي الخبرة في هذا الشأن، وبدأت عملية التنقيب والبحث، فوُجدت ضالته وأوكلت مهمة التوجه بطلب المصاهرة إلى “الواسطة” أو “الجاهة” كما نسميها عادةً، وتوجهّت “الجاهة” مزودة من قبل صديقي عادل بعبارات الإطراء والمديح والإجلال والإكبار، تُهدى إلى العم المُتخيّل، أي والد المطلوبة يدها، كمقدمة الطلب بالمصاهرة، ولكن، وعلى غير ما تشتهي سفينة أحلام صديقنا الوردية الزاهية، فقد هبّت رياح قوية عاتية “والجاهة” في أول مشوارها وكادت أن تُغرق جميع من أشترك في تسيير دفّة السفينة، فما أن سمع الأب بأمر الطلب حتى ثارت ثائرته، وأرغى وازبد وتناثر الزبد ذات اليمين وذات اليسار، وأحدث دوّياً رددت صداه المنازل المجاورة. ويحاول أحدهم، وهو من أقاربه، وبرفقٍ إخماد هذه الثورة المُضرية، ولكن هيهات فأنى للعاصفة الهوجاء أن تخمد، فقد زادت أواراً واشتعالاً ليجد في المترفق متنفسّاً ليصرخ في وجهه قائلا: ولكن كيف قبلتم لأنفسكم وساطة كهذه؟! ماذا أصابكم؟! “انقطعت الرجال” لأصاهر مثل هذا “المقطوع من شجرة”؟! ليس عندي بنات لهذا الصنف من الرجال، لا أصل ولا فصل. أين أنا منه ومن عائلته، أخرجوا من هنا غير مطرودين!! وساد صمت عميق قطعته طرقة الباب القوية التي خلفتّها الواسطة ورائها.
الأستاذ حسني بيادسه
* هذه الخاطرة والتي دونتها قبل ما يقارب الأربعين عاماً، أي عام 1964 تحت عنوان “تيه” حدثت بالفعل، وهي تعكس وضعاً اجتماعياً ساد في تلك الفترة.