الشعب السوري ضحية النظام والعرب
تاريخ النشر: 22/01/12 | 15:15من المؤكد ان النظام السوري يواجه عزلتين، عربية ودولية، وحصارا اقتصاديا خانقا، وانتفاضة شعبية لم تنجح حلوله الامنية الدموية في قمعها طوال الاشهر العشرة الماضية، ولكن من المؤكد ايضا ان اوضاع خصومه ليست وردية على الاطلاق، الامر الذي قد يدفعه الى الشعور ببعض الاطمئنان ولا نقول الاسترخاء لان الضغوط الهادفة الى تغييره ستستمر، وربما تتضاعف في العام الجديد.
الجامعة العربية التي تقود العمل العربي للتغيير الديمقراطي في سورية تعيش مرحلة من الارتباك بعد ان نجح النظام في فرض شروطه عليها، وتعديل بروتوكولاتها، واحتواء مهمة المراقبين التي راهنت على رفضه لها، ومن المفارقة ان اللعنات تنصب عليها من المتظاهرين في الداخل والخارج، ويتعاطى النظام معها ومراقبيها بنوع من الريبة والشك.
وزراء الخارجية العرب جعلوا من فريق المراقبين ‘حصان طروادة’ الذي سيمكنهم من اقتحام قلاع النظام السوري، وتحطيم اسوار ممانعته ومناوراته، وعندما فتح النظام قلاعه لهم بالحد الادنى من المقاومة، وبدأ المراقبون يقدمون صورة عن الواقع على الارض مغايرة ‘شيئا ما’ للصورة النمطية السائدة في الفضائيات، بدأت عمليات التشكيك في بعثة المراقبين، ونبش ماضي رئيسها السوداني علي الدابي، وسجله الحافل في انتهاك حقوق اهالي دارفور والمشاركة في ثورة الانقاذ السودانية التي قادها العسكر برئاسة الجنرال عمر البشير.
الجنرال الدابي ليس سويديا، وهو مثل الغالبية الساحقة من زملائه الجنرالات العرب ينتمي الى مؤسسات اغتصبت السلطة عبر الانقلابات العسكرية، ثم انه لم يكن خيارا امريكيا او امميا، وانما خيارا عربيا محضا، ومن قبل لجنة وزراء الخارجية التابعة للجامعة والمتخصصة بالشأن السوري، فاذا كان هذا الخيار خاطئا، فاللوم يجب ان لا يقع على الرجل ولا على دولته، وانما على الذين اختاروه لهذه المهمة.
لجنة المراقبين ذهبت الى حمص وحماة، ومعظم النقاط الساخنة في سورية، والتقت بالمواطنين، او من اتيح لها الالتقاء بهم، فلماذا كل هذا الهجوم الذي تتعرض له ورئيسها وهي ما زالت في بداية مهمتها، فالمنطق يقول بحتمية الانتظار حتى تكمل جولاتها، وتقدم تقريرها الى وزراء الخارجية العرب، ثم بعد ذلك يمكن التطرق لمسألة نزاهتها من عدمه، اما استباق الامور واطلاق الاحكام المتسرعة والادانات المسبقة، بل والمطالبة بسحبها فهذا اسلوب غير علمي على الاطلاق.
كتبنا، وكتب الكثيرون، عن رفض النظام السوري السماح للمراقبين، او رجال الاعلام، بالاطلاع على سير الاوضاع في البلاد، وعندما ذهبت هذه اللجنة الى هناك، بعد مراوغات ومماطلات من السلطات، تصور البعض خاصة من بعض الثائرين ضد النظام في الداخل، ان مهمة هذه اللجنة ليس تقصي الحقائق، وانما اطاحة النظام وحماية المواطنين من بطشه. فكيف يتأتى لها ذلك وعدد طاقمها لا يزيد عن ستين شخصا، ومعظمهم من المتقاعدين؟!
‘ ‘ ‘
من الواضح ان النظام الرسمي العربي، والقديم منه على وجه الخصوص، ارتكب جريمة كبرى في حق الشعب السوري وانتفاضته، عندما صعد آمال السوريين في قرب الخلاص من نظامهم، ورفع من سقف توقعاتهم، ثم تمخض جبلهم عن فأر صغير اسمه فريق المراقبين البائس الذي نراه حاليا في حال من الضياع.
تركيا، الدولة المجاورة، والاكثر تأثيرا في الملف السوري بحكم الموقع ومناطق النفوذ، في حلب خاصة، ادركت فضيلة الصمت في الفترة الاخيرة وفوائدها، فمن كان يتابع تصريحات السيد رجب طيب اردوغان رئيس وزرائها، وحماسة احمد داوود اوغلو وزير خارجيتها ومشاركاته الدؤوبة في اجتماعات وزراء الخارجية العرب، يتبلور لديه انطباع بان الازمة السورية لن تستمر لتسعة اشهر ولا تسعة اسابيع.
وفي الوقت الذي يبدو فيه النظام السوري متماسكا، ولو الى حين، وتتجاوز نسبة تأييده 55’ في اوساط السوريين في الداخل، حسب استطلاع اجرته مؤسسة قطر (Qatar Foundation) وهي برئاسة الشيخة موزة حرم امير البلاد، اي لا يمكن اتهامها بمحاباة النظام، تعاني المعارضة السورية من انقسامات حادة في صفوفها، فبعد اقل من 24 ساعة على توقيع اتفاق توحيدها او ابرز فصيلين فيها، اي المجلس الوطني وهيئة التنسيق الوطنية ظهرت خلافات حادة بين الجانبين من جهة وداخل المجلس الوطني نفسه من جهة اخرى، بسبب تباين وجهات النظر حول مسألة ‘التدخل الاجنبي’. فهناك جماعات في المجلس تعترض على نص في الوثيقة يعارض هذا التدخل، لانها تريده، وتتطلع الى تكرار السيناريو الليبي في سورية.
الدكتور برهان غليون رئيس المجلس الوطني الذي وقع الوثيقة، واتخذ موقفا مشرفا بمعارضته تدخل حلف الناتو لادراكه مدى خطورة ذلك على سورية المستقبل من ناحية، وانعدام المقارنة بين النموذجين الليبي والسوري من ناحية اخرى، يتعرض لانتقادات حادة من بعض زملائه او شركائه في المجلس، الذين ينسون ان هذه الوثيقة جاءت بطلب من الجامعة العربية ولجنة وزراء خارجيتها المكلفة بمتابعة الشأن السوري.
الشعب السوري يبدو ضحية ‘لعبة امم’ جديدة يدفع ثمنها غاليا من دمه وامنه واستقراره، فهذا الشعب الذي صمد طوال الاشهر الماضية في مواجهة اكبر آلة قمعية في المنطقة، وقدم اكثر من خمسة آلاف شهيد وما زال من اجل كرامته وحريته لا يستحق مثل هذه المعاملة، سواء من النظام او من اشقائه العرب الذين تخلوا عنه، او جيرانه الاتراك الذين انكفأوا داخليا بعد ان استخدم النظام اوراق ضغطه بفاعلية عندما حرك ملف التمرد الكردي من ناحية وفرض رسوما جمركية تصل الى 30′ على البضائع التركية والغى اتفاق التجارة الحرة وتسهيلاتها بين البلدين.
النظام السوري يشعر بسعادة غامرة من جراء هذه الانتصارات، ولكنها تظل انتصارات مؤقتة وقصيرة المدى، فالحصار الخانق بدأ يعطي ثماره المرة، ليس فقط على الداخل السوري، وانما على الجارة والداعم الاكبر اي ايران، وتوقيع الرئيس اوباما قرارا بفرض حظر على المصرف المركزي الايراني، وعقوبات على اي دولة او شركة تتعامل معه في موازاة توقعات بفرض اوروبا حظرا على الصادرات النفطية الايرانية، كل هذا بمثابة اعلان حرب، وتكرار سيناريو العراق الذي ادى الى استنزاف الشعب العراقي وتجويعه لاكثر من 13 عاما، مما دفع العراقيين، بمن في ذلك نسبة كبيرة من مؤيدي النظام للبحث عن بديل طلبا للخلاص في ظل تجاهل الجيران لمعاناتهم، عربا كانوا او ايرانيين او اتراكا.
‘ ‘ ‘
المحزن ان الجناح المؤيد للحلول الدموية الامنية داخله بات يروج بان الازمة على وشك الانتهاء، وان المظاهرات والاحتجاجات باتت مقتصرة على منطقة حمص فقط، ولذلك لا بد من الاستمرار في نهج القتل نفسه، وعدم تقديم اي اصلاحات حقيقية في الوقت الراهن، وهذا استنتاج ساذج ومدمر في الوقت نفسه، ويكشف عن قراءة قاصرة للوضعين الداخلي والدولي.
الجامعة العربية قدمت طوق النجاة من خلال مبادرتها وبروتوكول مراقبيها، وهي مبادرة اغضبت معظم المعارضين لانها لم تطالب باسقاط النظام مثلما كانوا يأملون، وانما بحقن الدماء والحوار وسحب الدبابات من الشوارع والافراج عن المعتقلين، وعدم تطبيق النظام لها وفورا قد يؤدي الى تدويل الازمة، ودول الجامعة، خاصة المتشددة في معارضتها للنظام، الساعية من اجل اسقاطه، خوفا من تداعيات نجاته عليها وامنها مستقبلا، تملك المال، بل الكثير منه، وتستطيع ‘شراء’ التدخل الدولي مثلما فعلت في ليبيا. وتستطيع في الوقت نفسه تمويل وتسليح جماعات جاهزة لتفجير نفسها، وحرب طائفية شرسة قد تزعزع استقرار البلد لسنوات وربما لعقود قادمة.
نكتب بتعقل، وبعيدا عن المقالات الانفعالية والنارية، لاننا نحب سورية ولا نريدها ان تنجرف الى حمام دم، ولكننا لا يمكن ان ننسى او نتناسى الكم الهائل من الاذلال والهوان الذي الحقه النظام بهذا الشعب صاحب الدور المشرف في التاريخين العربي والاسلامي، فهذا الاذلال لا يجب ان يتوقف فقط، وانما يجب محاسبة كل من مارسه بسادية طوال العقود الماضية.
المنطقة مرشحة لحروب دموية، اهلية او اقليمية، وسورية قد تكون في قلبها، او محور احد فصولها، فمثلما يتحدث النظام عن مؤامرات خارجية، عليه ان يتقدم بمبادرات لمواجهتها بالتنازل للشعب السوري، او الشق الذي تمسك بالهدوء حتى الآن، ومن المؤسف ان المبادرة الوحيدة التي يطرحها النظام حتى الآن هي القتل والمزيد منه.
بقلم عبد الباري عطوان