ديوان زمان
تاريخ النشر: 24/01/12 | 10:16حري باجيالنا الفلسطينية الناشئة والصاعدة ان تتعرف على الحياة القروية الرعوية ، التي عاشها الآباء والأجداد في الزمان الغابر، حين كانوا يتعلمون ويدرسون في (الكتّاب) ويتجمعون في (الديوان) ،ويأكلون خبز الطابون المرصع بالزعتر والحبة السوداء (القزحة) .فكانت هناك مواسم للزرع والغمار والحصاد والدراس على البيادر ، وكذلك مواسم للافراح والاعراس على ضوء القمر ومصابيح الكاز والفوانيس و(اللوكس) قبل ربط قرانا بشبكة الكهرباء . وكانت الراديوهات قليلة جداً وغير متوفرة في جميع البيوت، وكان الرجال يجتمعون عند صاحب االراديو لسماع الأخبار والاستماع الى اغاني صباح وسميرة توفيق وفيروز وفايزة احمد واسمهان وليلى مراد ونجاة الصغيرة وشادية وهيام يونس وعبدو موسى وسلوى وعبد الوهاب وفريد الاطرش وغيرهم من المطربين القدامى والمخضرمين.
وفي هذه العجالة اود ان اتحدث عن (الديوان العربي) الذي كان بمثابة (برلمان) محلي ، حيث جرت العادة في قرانا العربية بالجليل والمثلث ان يلتقي رجال الحارة أو الحي في بيت شيخ العائلة أو الحمولة ، او من هو اكثر مالاً وجاهاً ووجاهة، وكان (الديوان) بيتاً رحباً واسعاً مفروشاً بالفراش العربي المصنوع من صوف النعاج . وفي هذا الملتقى الرجالي كان كبار السن ومشايخ القرية أو العائلة الواحدة يجتمعون ويلتفون حول (كانون النار)يدخنون النرجيلة ويحتسون القهوة (السادة) المهيلة والمعتقة ، ويشربون الشاي بالنعناع والميرامية والزوفا، ويأكلون ما لذ وطاب من الأطعمة الشعبية والحلويات (بيض القاضي “الزنقل” والبحتة والخبيصة ) . كما كانوا يتحدثون عن العلاقات والقضايا الاجتماعية ، ويتناقشون في أحوال وشؤون القرية وأخبار الساعة ، وأيضاً يتسامرون ويتبادلون في السهرات الليلية الأحاديث عن امور الزواج والمسائل الدينية ويروون الحكايات والنوادر والقصص الشعبية ، التي كانت تعرف بـ “الخراريف” مثل :”جبينة والغول ونص نصيص” ، وكانت الدواوين تشهد المناظرات والمبارزات الشعرية وحكايات أبو زيد الهلالي وعنترة بن شداد ونمر العدوان وغيرها الكثير.
ولشاعرنا الفلسطيني الشهيد (راشد حسين) قصيدة تتحدث عن (ديوان القرية) ، ويقول في خاتمتها:
وترف في الديوان أنفاس
السجائر كالسحاب
وصوت قهقة الشباب
والصالحون القانتون
الباحثون عن الثواب
وحديث نرجيلاتهم ،
يا للحديث المستطاب
ولربما طعن التفاؤل
خنجر مر السحاب
انذار دائرة الضرائب
للضرير “ابي رباب”
ومع التطور العاصف الذي طرأ على مبنى وهيكلية وحياة القرية العربية ،اندثرت (الدواوين) وتلاشت ، ولم يعد لها وجود في حياتنا الراهنة ، وأصبحت في أيامنا هذه بيوتاً للمسنين يقضون فيها أيام شيخوختهم وأوقات فراغهم في لعب “النرد” و”المنقلة” وسماع المحاضرات الطبية ، والقيام برحلات استجمامية وترويحية في ربوع هذا الوطن وخارجه، وفي النهاية يبقى (الديوان) صورة نوسطالجية من الماضي والزمن الجميل.
وصف دقيق ومشوّق لحياة الآباء والأجداد، كنتُ أتمنّى أن
تبقى قيم المحبّة والتكافل – وكلّ ما هو جميل في الماضي – سائدة
في أيّامنا وحياتنا العصريّة!