بعض من التجربة…
تاريخ النشر: 27/01/12 | 7:16أعني بتجربتي، في الأساس، تجربة الكتابة ألأدبية وخاصة كتابة القصيدة الحديثة. بدأتُ هذه التجربة الواعية والمصمِّمَة في بداية التسعينات من القرن الماضي، بدأتها في الواقع متأخرا نسبيا وإن كنت بدأت ُكتابة الشعر الموزون والمقفى في مرحلة مبكرة. وكانت لي تجارب كتابية في حقل الشعر منذ بدايات الشباب، لكنها وللحقيقة لم تكن مرضية لي، أعتبرها فجَّةً نوعا ما فلم أحتفظ ولو ببعض منها. وكان ديواني الشعري الأول ” في انتظارأن تأتي ” يُبقي الإنطباع وكأنه باكورة بداياتي المتأخرة.
وقد أقنعتني هذه التجربة أنَّ كتابة الشعر لا تعرف جيلا محدَّدا، فقد تكون ولادة ُ التفتح الشعري مبكرة وقد تكون متأخرة وبعد تراكم خبرة حياتية ونضج معرفي، يسهم في تطوير فلسفة حياتية، هي من أكثر ما يحتاجه الشاعر في تطور شاعريته وانطلاقها.
***
كانت تلك تجربة ًتتميَّزُ في البداية ببعض الخجل، لكن سرعان ما واتتني الجرأة والثقة بالنفس، ورحت تدريجيا أنسلخ عن الحياة السياسية، لا أتنكَّر لها، ولكن أكرس معظم قراءاتي وكتاباتي لقراءة وكتابة الشعر أو النصوص الجميلة. وبدأتُ أكوِّنُ لنفسي معشوقة مُتخيَّلة، هي فاطمة، ومشروعا شعريا، أعطيه جلَّ عقلي وذاكرتي وحبي.
وأكسبتني معارفي الواسعة نسبيا، التي اكتسبتها بالقراءة والمطالعة والعمل في الصحافة، أكسبتني قناعة متراكمة بضرورة بناء شخصيتي الشعرية الخاصة بي وتطوير ذاتي بصورة مستقلة، فلا أقلد أحدا، أيا كان، وممارسة التجريب دائما، كأنّ ما أكتبه نصوصٌ متنوعة لقصيدة واحدة، أستفيد من تجارب الآخرين ولكن أحرص على تنمية تجربتي الخاصة بي. وبات بمرور الوقت وتعـَمـُّق ِالتجربة أكثر وضوحا لي أنني لن أستطيع أن أكون ذاتي الخاصة والمستقلة، إلاّ إذا طورت شيئا غير مألوف من حيث المضمون، الأسلوب، الفكرة، السياق واتخيل المجدد، فاللامألوف هو غالبا ما يكون الحديث الجديد.
وانطلاقا من هذا الفهم المُدرِكِ لحقيقة ما أريد، هربت من الشبلونات الشعرية التقليدية والتي أكثر ما تتجلَّى في الأوزان الشعرية المتوارثة والمنقولة وموسيقاها المكرَّرة.
شهِدَتْ هذه التجربة بدايات توهجها قبل المرض في شباط 2003 ولكن عَرِفتْ انطلاقتها الحقيقية بعد المرض.
وهي، أيْ فترة ما بعد المرض، فترة زمنية من عمري تميَّزتْ بتكريس كتابة القصيدة المتحررة من التفعيلة والوزن الأحمدي بصورة عامة ومتحررة من الشعارات الشعبوية، التي كانت تميِّز أكثر شعرنا في الفترة بين الخمسينات والثمانينات. ورحت أركز على القصيدة المشحونة بالتأمُّل والإيحاءات والاستعارات الجمالية المختلفة وبالمتخيَّل العقلي. فبات العقل، لا القلب، هو الذي يتحكَّم بالمُتخيل والصور الإيحائية في شعري.
***
وحين أتحدث عن الإختزال أسوق عددا محدودا من الأمثلة من شعري القديم نسبيا، كذلك الشعر الجديد نسبيا.
قصيدتي الأولى، التي سأذكرها هنا، سبق وظهرت في مجموعتي الشعرية الثانية، وهي عن المرأة التي أحب.
تتشكل القصيدة المذكورة من أربع فقرات قصيرة. ولو طُلِب اليوم مني إعادة نشرها لاستغنيت عن فقرتين من القصيدة ولا أظن أنها ستفقد بذلك شيئا من جماليتها (في نظري) ونشرتها مجددا متضمنة الفقرتين الثانية والثالثة فقط وهما:
المرأةُ التي أحِب
أحبُّ فيها جَسَدا ً
يشعل روحي ومضُهُ
وكم أحب
لو أنَّ روحي نبضُهُ .
المرأة التي أحِب
مِشكاةُ نورٍ
نِصفِيَ المُضاء
وكم أحِب
لو أنَّ عتمتي
بوهج نصفها تُضاء .
كان يجمل بي أن أكتفي بهاتين الفقرتين .
وأما القصيدة الأخرى فهي من قصائدي الأخيرة، سبق ونشرتها مؤخراً.وهي تتشكل من ثلاث فقرات قصيرة أيضا. ظهرت في مجموعتي الشعرية ( الخامسة ) وعنوان القصيدة
” ياعود الرمان”،
كتبتها أول مرة، فكانت تتشكل من ثلاث فقرات ولكن نشرتها بفقرتين، استغنيت عن الفقرة الثالثة.
***
كتب إليَّ الشاعرالصديق الفلسطيني المقيم في برلين، أحمد بهجت، وقد قرأ عددا من قصائدي الأخيرة، كتب في ختام رسالة قصيرة جدا:
” ولكن أحيانا وليس دائما أشعر أنه يمكن تكثيف القصيدة وإزالة الإيضاحات والتحديدات التي فيها “.
وكتب مؤخرا دراسة عن ديواني ( المجموعة الشعرية السادسة – رؤيا ) مشيرا إلى ما في تلك القصيدة من إيحاءات جمالية وألمح إلى إمكانية اختزال قصيدة ” يا عود الرمان ” ، اختزالها أكثر لتصبح بيتا واحدا، هو:
” يا عود الرمان المورق
كم تبهرني فيك رقة حبيبي ..”
أفرح من كل ملاحظة أو فكرة ناقدة تسهم في تعميق تجربتي، وهو ما أحاول، جاهدا قدر الإمكان، الإستفادة منه ما طال بي العمر وقدرت على الكتابة مستقبلاً.
وأعتقد أن هذه التجربة، ضرورة الإختزال الموحي والمكثف، سيظهر واضحا في مجموعة قصائد كتبتها مؤخرا وستتضمنها مجموعتي الشعرية الثامنة التي صدرت هي والمجموعة السابعة قبل عامين تقريبا.
***
مجموعتي الشعرية التاسعة التي صدرت مؤخرا وكذلك مجموعتي العاشرة التي رأت النور أيضا، توخيت أن تكونا قمة التجريب في السعي لكتابة نص شعري، يعكس فهمي للحياة، رؤيتي للإختزال والإيحاء، لقد علمتني التجربة الكتابية أن القصيدة الحديثة يجمل بها أن تتسم بالتكثيف، شِدَّة الإيحاء، شفافية الترميز, عدم الغرق في التعمية، فضلا عن الإجادة في توظيف الإستعارة والتلميح الأسطوري.
وعلمتني هذه التجربة ضرورة أن يسعى الشاعر دائما لتوسيع مخزونه الثقافي والمعرفي وفهم ما يدور حوله وتكوين فهم عقلاني للحياة والتسلح بفكر منسجم مع هذا الفهم.
*من كتاب سيصدر قريبا أتناول فيه تجربتي الكتابية .
لن ينتهي الجمال الذي زرعتهُ أناملكَ فوقَ ترابِ سطورنا
أنا والشِعرُ بإنتظارِ جديدكَ يا من باتتْ كلماتكَ كنجمة تركتُ نفسها برحلةِ تيه في ثنايا أيامنا بتيهجَ أرواحنا وتُسقينا من الكلامِ شهدهُ!!
مِني أنا بكلْ محبةٍ مودةٍ وإحترام
عزيزي الشاعر والاديب..حياك الباري وكحل دروبك بالسعادة والعطاء الخالد..
لا شك ان تجربتك الشعرية غنية.. سطرتها بعدة دواوين شعرية .
وانا اطالع قصائدك دخلت لنشوة لطيفة ومسرة بهيجة..اسلوبك بنظم القصائد
جميل ..الكلمات رقيقة ..الافكار حلوة ..هيام عشقي من الحب الكبير..
عزيزي الاديب ..انك انسان كريم ….تتمتع بسلوكيات عظيمة من التواضع والعطاء
الوفير..انت شمعة ذهبية تضيء دروبنا نحو الرقي الثقافي..
لك مني خالص الحب والمودة والتقدير.
الاديب والشاعر ابراهيم مالك ، ادامك الله ، وحفظك لمحبيك، ودمت مدادا للقلم.
الأديب، الشّاعر العظيم الأُستاذ إبراهيم مالك:
الكتابة وَالتّجربة الشّعريّة وَالأدبيّة هي ظاهرة إنسانيّة، وَمُمارسة يوميّة يستغلّها الشّاعر والكاتب للتّعبير عن أمنيّاته الخاصّة والتفاعُل مع الواقع وفي توقه لإفراغ مكنوناته الذاتية وبهذا فالعالم يتشكّل من حولنا بسحر كبير بحيث صار كلّ شيء داخلًا في بعضه. ويكون بينه وبين أصدقائه في كلّ مكان مسافة من الإحتشاد المهوّلة تنحت ذاتها بسحر شرقيّ اسمهُ مسافة لولادة روح أخرى.
أعجبني سردك لهذِهِ التّجربة الكتابية العظيمة فللجمالِ مرادِفاتٌ نَلمَحُها صدفة فتَصيرُ يَقينًا
لكَ تحيّة تشقّ المسافات وتطوى لها الأرض
ولِروحك ياسَمينَة تشعرُكَ براحة تامّة وَسَعادة غامرة ولتتحسّن صحتكَ العامّة ولتكون أكثر إشراقًا وَلَمعانًا
وعيك الفكري وخبرتك العميقة المدى تغذي عقولنا وتغني تجاربنا..فضلا عن انها تمنحنا بعدا اضافيا لمعالم الشعر والادب. دامت كلماتك وابداعك….وننتظر كتابك القادم بصبر نافذ…
[…] الاول:بعض من التجربة… اقرأ أيضاً في […]
[…] الاول:بعض من التجربة… قليل من تجربة كتابة الشعر *توطئة* إعتراف ما أجمل ذاك […]