طبخة الشباب
تاريخ النشر: 31/01/12 | 0:00عادة سادت ثم بادت :
وهذه الطبخة ليست المتعارف عليها والمستقاة من مصدر طبخ أو طبيخ أنها كناية عن مبلغ من المال ما يعادل “طبخة” تقدم لشباب البلدة أو الحارة مقابل تنازلهم،وخاصة الأقارب منهم وأبناء العمومة بالذات، وسماحهم لابنة بلدهم الزواج خارج البلدة وبالتالي زفها إلى عريسها “الغريب”.وكان هذا المبلغ المجبي من أهل العريس يقدم كنقوط للعروس تعويضا مقابل النخوة التي أبداها شباب البلدة.
وجذور هذه الطبخة تمتد إلى المبدأ المتعارف عليه والذي يقول: “ابن العم ينزل عن ظهر الفرس” أي يحق لأبن العم أن يعترض على زواج ابنة عمه من غيره إذا كان راغبا الزواج منها، لدرجة أنه مسموح له وحسب العرف والعادات أن ينزلها عن ظهر فرسها وهي في طريقها إلى بيت الزوجية، ومنعا لحدوث ما لا تحمد عقباه مستقبلا، جرت العادة وحتى لسنوات عدة خلت أن يدعو من تطلب يد ابنته الأقارب إلى اجتماع تشاوي يسمى “مشورة” عندما يكون الطلب من خارج العائلة أو الحمولة، ويسألهم إن كان لأحدهم اعتراض على هذا الطلب، وهل من بينكم يريدها زوجة لأبنه أو لأخيه، فإذا كان الجواب ايجابيا رفض الطلب الخارجي، وزفت إلى قريبها والذي نسميه عادة “المتحري”.
ولطبخة الشباب هذه والتي نحن في صددها، قانونها أو عرفها الخاص بها، ومغادرة العروس لبيت أهلها ولبلدها منوط بتطبيق هذا العرف وبحذافيره، وأحيانا كانت تخضع للمساومة ولظروف أهل العريس المادية، وهي ليست واحدة في كل الحالات، من حيث المبلغ، ولكن تقديمها واجب ولا يمكن التهرب منها، ومن يحاول التهرب أو التملص من تقديمها يجد شباب البلدة وبتأييد ودعم الشيوخ وقد اعترضوا سبيل “الفاردة” وحاولوا دون مغادرة العروس لبيت أهلها ولبلدها، وفي حالات معينة كانت تحدث مشادات كلامية تتطور فيما بعد إلى تشابك بالأيدي والى طوشة وفي أواسط الخمسينيات من القرن الماضي كنت شاهدا أنا وزميل لي على منظر لن أنساه ما حييت، كنا في زيارة لإحدى قرانا في المثلث وفي ساعات الأصيل من ذلك اليوم، وإذ بسيارة معبأة بالرجال والعتاد من نوع العصي والنبابيت والحجارة والأدوات المعدنية المختلفة، رأينا حينذاك الشر في عيون الرجال، وعندما استفسرنا عن هذا الذي نراه، قيل لنا أنهم جاءوا “فزعة” لأبناء بلدتهم الذين كانوا قد سبقوهم وجاءوا من أجل أخذ عروسهم رافضين تقديم طبخة الشباب المتعارف عليها، وحجتهم في الرفض أن أهل قرية العروس كانوا قد تملصوا من تقديم هذه الطبخة لشباب بلدتنا عندما صاهرناهم وما معنى أن يطالبوا اليوم ما دمنا قد غضضنا النظر عنهم… لن نقدم هذه الطبخة وسنأخذ عروسنا بقوة السلاح، ولولا تدخل العقلاء وأهل الخير، لوقع ما لا تحمد عقباه، وأطلق سراح العروس دون أن يحصل شباب القرية على طبختهم….. وكانت هذه الحادثة آخر عهدي بهذه العادة التي طواها (على ما اعتقد)، التاريخ كما طوى قبلها عادات سادت ردحا من الزمن ثم بادت.
(باقة الغربية)
نحي كاتب المقال انه صديقي الشخصي وأقول لك اليوم لا يوجد ابن عم ولا خال بل يوجد العم سام الهدام