أمسية شعرية حول ديوان حنان خوري بالكرمل
تاريخ النشر: 11/06/14 | 23:41أقام المنتدى الثقافي في جاليري البادية-عسفيا الكرمل أمسية شعرية، احتفاءً بديوان “حِينَ يُجَنُّ الحَنين”- حنان جريس خوري، في نهاية أيار/مايو2014، وسط عدد من الأدباء والشعراء والأصدقاء، وقد تولى عرافة الأمسية الأستاذ رشدي الماضي، ومداخلة كل من الكاتب والمؤرخ الأستاذ إسكندر عمل، حول دَور الفرح في ديوانها، ومداخلة الأستاذ فتحي الفوراني حول مواكبته مشوارها الشعري، من لحظة ميلادها شعريا حتى إصدار ديوانها الأول، وقد تخللت المداخلات هذه قراءات شعرية بصوت حنان خوري، للقصائد: “رَقصٌ في ذاكِرَتي”، “حُرَّةٌ أَنا”، و”ڤِيا دِيلّا روسّا الحزين”، ومن ثم كانت مداخلات من الحضور والتقاط الصور التذكارية.
جاء في كلمة رشدي الماضي: المركزية في “دولة الثقافة” تحتّم علينا أن نُحدث منعطفًا في المشهد الثقافيّ، لكسرٍ إيجابي ّلهذه المركزيّة، وفتح الأبواب لاقتحام فرسان الانفجار الإبداعيّ.
حنان فارستي القادمة على صهوة الشعر، لقد قرأت قاموسك شعرًا مفتوحًا على أسئلة الحياة، يجري بسيولة تعبيريّة هامسة، صوتها وشوشة الإنسان للإنسان، شعرًا يَجري ويُغري القارئ أن يجري معه، فيضًا رهين المشاعر والحواسّ. شاعرتي الفارسة دخلته مفرداتٍ نابضةً، ركضتُ بين السطور، لا لأسرق عفة النصّ، بل لأفكّ كيمياء عبارات شاردة، من زمن إبداع سقط من زمن الإبداع. ألم أقُل لك: “أنتِ وُلدتِ وفي فمك ملعقة من الشعر؟” اِمضي شاعرةً كي نمضي كذلك نحن معك.
وفي مداخلة الأستاذ إسكندر عمل بعنوان “الفرح في جنون حنين حنان”:
قبل أن أبدأ كلمتي في هذه النّدوة الأدبيّة المخصّصة للديوان الأول للشّاعرة حنان جريس خوري “حين يُجنُّ الحنين”، أودّ أن أشير إلى أنّ وصالي الأول مع بدايات حنان الشّعريّة كان في جريدة الشّعب “الاتّحاد”، في بداية التّسعينيات من القرن الماضي، وكنت محرّرًا لصفحتي الطّالب و “قوس قُزح”، وكانت تأتي إلى مكاتب التّحرير في شارع الحريري، حيث كنّا نناقش محاولاتها الشّعريّة، ثمّ كنت أنشرها في صفحة قوس قُزح.
هنا لا بدّ من التّأكيد على حقيقة، وهي أنّ التّوقف عن الحديث عن دور “الاتّحاد” كمدرسة تخرّج منها الشعراء والأدباء من الرّعيل الأول بعد النّكبة فقط، كتوفيق زيّاد، وسميح القاسم، ومحمود درويش، وسميح صبّاغ، وإميل حبيبي، ومحمد علي طه، وفتحي فوراني، وحنّا أبو حنّا، وغيرهم من المبدعين الّذين نفخر بهم، هو ظلم للاتّحاد ولعشرات الكتّاب والشّعراء، الّذين بدؤوا مسيراتهم الإبداعيّة على صفحاتها بعد هؤلاء الأدباء الأفذاذ، ولاقوا كل دعم وتشجيع من محرّريها. حنان واحدة من كثيرات وكثيرين بدؤوا في صفحة الطّالب وهم في الصّفوف الابتدائيّة، أو في قوس قزح في الصّفوف الثّانويّة، ثمّ أكملوا الطّريق في الصّفحات الأدبيّة الأخرى في “الاتّحاد”، كميسون أسدي، ورجاء بكريّة، وصفاء نعامنة، ودريد زرقاوي، ود. جريس خوري، وآخرين كثيرين واكبت انتاجهم الأدبي وهم في أول الطّريق.
قرأت الدّيوان وشدّني الفرح الّذي فيه، في الكلمات والعبارات والمعاني والصّور الشّعريّة والموسيقى، فقرّرت أن أتتبّع هذا الفرح بكل أشكاله. الفرح أصبح عملة نادرة في هذا الزّمن، وفي هذه الظّروف الّتي نعيشها ونعايشها. فلا يمرّ يوم الّا ويتناقص الرّفاه في “دولة الرّفاه”، فمن أين سيأتي الفرح، والغلاء يستفحش، والبطالة تتفاقم، والحرب سيف مُصَلّت على رقاب العباد. لكن رغم كل ما ذكرت أبت حنان إلّا أن تكون فرحة تارة، أو هازمة للحزن حينًا، أو متمرّدة على مسبّبات الألم والمعاناة دومًا، فالحبّ فرح، والنّغم العذب والأغنية والمنى والبشائر والدّمعة، آخر دمعة فرح.
من تاريخ منهار ومن بردٍ وليل صواعقَ ارتقت، وحلمت وأصرّت أن تكبر وتكبر، “حتّى يموج الفرح ويترقرق”. رغم الجراح والضّياع والإعصار غنّت للشّمس للحرّيّة، والحبّ تدفّقَ من شعرها وقلبها أَنهارَ أمنيات. الأمل بالفرح عند حنان لا يقاوَم، فهو لا بدّ قادم، وستدخله من بوابة القمر، رغم غدر الحبيب والزّمان والسّفر، تخاف أن يحرقها فرح الكلمات الّذي غرقت به وتلاطمت أمواجه، لكنّها تستدرك وتتحدّى:
“لا…. تقهرني قيود، ولا تحجبني عن المحال دمعة، فخطوي نار نار وَورود، ومن دمعيَ تولد شموس وآفاق ووعود”.
حتّى بعد الطّوفان، وكم من طوفان يغمر حياتنا، أتت غصنًا أخضر يبشّر بنهار جديد، وفجر جديد، وفرحٍ فرحٍ أكيد: “سأقطف نهارًا من القلب المجرّح/ وأحرق ليلًا بفجرٍ يتفتّح، ويأكل العناصر والأشياء سأفرح/ أنا سأفرح.” لا تنسى حنان وطنها وإن نسيته الأحلام، فهي تبشّره بحياة عذبة، وفجر منبلج، وألحان خضراء:
“إليك الحياة فلتفرح ولتفرح يا وطن الأحلام المنسيّة”.
في قصيدة “حرّة أنا” لا تذكر لفظ الفرح، ولكنّ الفرح يحلّق في أجواء القصيدة، وتبدو حنان فراشة أو نحلة أو بلبلًا مغرّدًا يأبى القيود. حنان تحلم بغدٍ يزرع في دربها فرح الحياة، وحتّى في ليلها تغزو النّجوم لتصل إلى الفرح، وهو قادم لا محالة. الصّور الشّعريّة والأبيات تقفز فرحة سلسة عذبة، ينساب القارئ، السّامع، معها، لا يعتريه ملل ولا يشعر بثقل.