تعميم سياسة الفوضى الخلاقة عربياً
تاريخ النشر: 31/01/12 | 11:17بات من الواضح جداً أن المخطط الغربي الاستعماري للمنطقة العربية بوراثة المشروع القومي العربي المنهار،والعمل على وأد هذا المشروع الى غير رجعة قد بدأ يؤتي أكله، في حالة من التزاوج غير المسبوق بين دعاة الفوضى الخلاقة والبترودولار الخليجي،حيث التقى الطرفان على هدف يخدم مصالحهما معاً،المصالح الغربية والاستعمارية في تقسيم وتجزئة وتذرير وتفكيك الجغرافيا العربية واعادة تركيبها خدمة للأهداف الأمريكية والغربية في المنطقة بالسيطرة على مواردها وثرواتها،وبالمقابل حماية الأنظمة الخليجية القبلية والعشائرية والاثيوقراطية من عمليات التغير التي قد تطالها بفعل ثورات الربيع العربي،والتي يبدو ان تلك الانظمة ومعها أمريكا والغرب الاستعماري وبقايا أنظمة القمع والفساد الهالكة قد نجحوا في “خصيها” وحرفها عن أهدافها،حيث جرى توظيف الاخوان المسلمين والورقة الإيرانية من أجل القيام بهذه المهمة،فالاخوان المسلمين بعد الصفقة التي عقدوها مع الامريكان مقابل الاعتراف بدورهم وحكمهم،وكما كشفت عنه اللقاءات والاتصالات الأمريكية- الاخونجية،أبدوا موافقتهم على الاستمرار في اتفاقية كامب ديفيد مع اسرائيل وتوسيع التطبيع معها عبر القناة القطرية،وخصوصا ان الناطق الرسمي باسم هذه الجماعة رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري حمد بن جاسم،أنجز هذا الملف،حيث توصل الى اتفاق مع حماس بمغادرة الساحة السورية مقابل مبالغ مالية ضخمه،وكذلك تخلي حماس عن العمل المقاوم والتحول الى حركة سياسية تعتمد خيار الكفاح الشعبي السلمي،ولعل تصريحات رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل تندرج في هذا الاطار،وكذلك دعم اخونجية مصر لنظام العسكر في قمع قوى المعارضة بمختلف الوان طيفها السياسي الليبرالي والعلماني والقومي والتقدمي،المطالبة بتسليم العسكر للسلطة الى المدنيين،يندرج في هذا الاطار والسياق أيضاً،وكذلك استخدام الغرب فزاعة الورقة الايرانية بأن ايران تسعى للسيطرة على دول الخليج،حيث جرى توظيف الدين والقوى الإخوانجية من أجل تسعير حدة الخلافات المذهبية والعقائدية ونقل الصراع من مستوى الدول الى المستوى الشعبي، سنة وشيعة مسلمين واقباط وغيرها ،وحرف الصراع عن وجهته،بدلا من الصراع عربي- إسرائيلي،يصبح عربي- فارسي،من أجل ادخال المنطقة بكاملها في اتون الحروب المذهبية والعقائدية والطائفية،وخلق كيانات اجتماعية هشة مرتبطة باحلاف أمنية مع الغرب وأمريكيا وتقاد سياسيا واقتصاديا من قبل المركز الراسمالي العالمي مباشرة،وبحيث يصبح زعماء تلك الدول مجرد أرقام ودمى يجري تحريكها والتحكم بها بالريموت كونترال،ومن هنا وجدنا أمريكا توقع اتفاقيات مع السعودية ودولة الامارات العربية لتزويدها بأحدث الطائرات المقاتلة من أجل أن تكون جاهزة في أي حرب قد تقرر اسرائيل وأمريكا والغرب شنها على ايران،وإنقاذ أمريكا من أزمتها الاقتصادية المتصاعدة.
وما يجري الآن في العراق بعد انسحاب القوات الأمريكية منها من تفجيرات،تقوم بها قوى متطرفة متسلحة ومتذرعة ومتمسحة بالدين والمذهبية والطائفية،هو بدعم وتغذية من الأمريكان،من أجل منع إقامة حكومية مركزية موحدة في العراق،والعمل على إستعادة وعودة الجيش الأمريكي ولوبشكل جزئي لفرض سيطرته على العراق،وخصوصاً أن كل الحكومات العراقية المتعاقبة والقائمة على أسس مذهبية وطائفية لم تفلح في انتشال العراق من المستنقع الذي أدخلته أمريكا فيه،وهذه السياسة جرى ويجري تعميمها على كامل المنطقة العربية،حيث حركت أمريكا والغرب أدواتهما في عملية ثأرية من النظام السوري،الذي رفض الشروط والاملاءات الأمريكية،بفك تحالفاته مع ايران وقوى المقاومة اللبنانية والفلسطينية،والذي نجا اكثر من مرة من الطوق والأفخاخ التي نصبتها له أمريكا والغرب،حيث لم تفلح عمليات الحصار الاقتصادي والمالي والمقاطعة الدبلوماسية،وكذلك الاتهامات باغتيال الحريري في تطويع النظام وتغيير مواقفه.
ومن هنا جرى توظيف الحركة الشعبية المطالبة بالاصلاح والتغيير في سوريا،لأهداف وأجندات ليس لها علاقة بالإصلاحات والتغيير،حيث أن الهدف بات واضحاً ومكشوفاً،وهو تطويع الحلقة السورية،من أجل إضعاف ايران وتوجيه ضربه عسكرية لها،وإنهاء حزب الله والقوى المقاومة الأخرى فلسطينياً وعربياً،وبما يمكن من بقاء اسرائيل كقوى إقليمية وحيدة في المنطقة،وبما يدخل سوريا في فوضى خلاقة،وحروب مذهبية وطائفية،وهذا الدور أنيط بقطر أيضاً،حيث سطت على الجامعة العربية ووظفتها لجهة فرض عقوبات اقتصادية على سوريا،وضغطت لإرسال بعثة مراقبين عرب الى سوريا،كمقدمة لتدويل الأزمة،مع الإيعاز الى قوى مشبوهة بتفجير وتصعيد الوضع الداخلي عبر التفجيرات والاغتيالات في فترة وجود المراقبين،وبما يدفع لجهة اتهام النظام،بمنع المراقبين من القيام بمهامهم،وبالتالي السماح بالتدخل الأجنبي في سوريا، تحت ذريعة ويافطة حماية “المدنيين”،والعمل على ايجاد نظام جديد بنكهة وحلة أمريكية،يوافق على التطبيع مع اسرائيل والاعتراف بوجودها ومصالحها في المنطقة،وقد عبرت ما يسمى بقوى المعارضة الخارجية السورية عن هذا الموقف صراحة وبدون أي مواربة أو خجل،تصريحات برهان غليون وغيره.
وما جرى ويجري حالياً في ليبيا،حيث أن ما يسمى بقوى الثوار،والتي استقدمت القوى الأجنبية للسيطرة على ثروات ليبيا وبالذات النفطية منها،تتصارع وتتنازع وتقتل على الحكم،بأفق قبلي وعشائري،ودون القدرة على إقامة حكومية مركزية موحدة،وبما يجعل الأمور في ليبيا تتجه إما الى النموذج الصومالي (عصابات ومليشيات”،أو النموذج العراقي حكومة غير قادرة على اتخاذ قرارات،وما ينطبق على العراق وسوريا وليبيا، ينسحب على السودان،حيث جرى إقامة دولة”جنوب السودان” والتي شكل قيامها قاعدة متقدمة لأمريكا واسرائيل في القرن الأفريقي وتهديد مباشر للأمن القومي المصري،والتي قال رئيسها سلفا كير أثناء زيارته الأخيرة لإسرائيل،أنه لولا الدعم الإسرائيلي لما قامت دولة جنوب السودان،من أجل تفتيت وحدة السودان الجغرافية،وتقسيمه الى ثلاث دول والسيطرة على خيراته وثرواته،وكذلك اليمن حيث يجري إدخاله في حروب قبلية ومذهبية وعقائدية وجهوية،وكذلك تفكيك جغرافيته وإعادة تركيبها قبلياً وجهوياً.
أما في مصر فإننا سنشهد بعد حالة الفوضى السائدة الآن ،قيام أمريكا وأوروبا الغربية،بتحريك وتسعير الخلافات الطائفية،لجهة خلق دولة قبطية في مصر،وهناك سعي أمريكا لصبغ الأنظمة القائمة بالصبغة الدينية ونزع الصفة القومية والعروبية عنها،من أجل ضمان استمرار الحروب الداخلية المذهبية والعقائدية والطائفية،وكذلك تفسيخ وهتك النسيج المجتمعي .
نعم نحن أمام مخاطرحقيقية وجدية على وجود الأمة،والثورات العربية يجري “خصيها” واستغلالها وحرفها عن أهدافها،وبالتالي بدون أن تعي كل القوى العربية المتنورة والمؤمنة بالقومية والعروبة والوحدة،طبيعة المخاطر المحدقة بالأمة،فإن أوضاع هذه الأمة تتجه نحو المزيد من الشرذمة والتفكك،وإطباق سياسة الفوضى الخلاقة على كامل جغرافيتها المستهدفة لجهة خلق سايكس- بيكو جديد على اساس تقسيمات جديدة للوطن العربي وفق وحسب الثروات والموارد.
من نسرين عبد النبي
حلوة هاي الصحفية ، من وين هاي
صعبة والله الحياة
من وين هاي الكاتبة