حوسبة المستشفيات: قصة نجاح وحلم يتحقق
تاريخ النشر: 13/06/14 | 12:47عندما شرعنا قبل عدة سنوات بالعمل على حوسبة المستشفيات الحكومية وقلنا ان هذا المشروع يعتبر ثورة حقيقية في العمل الصحي، قال البعض انه هدر غير مبرر للمال في بلد يشكو من قلة الموارد، ولقد شارك عدد من الاداريين في وزارة الصحة والمستشفيات في تعزيز وجهة النظر هذه من خلال وضع العراقيل وعدم التعاون الكافي في تطبيق نظام الحوسبة ثم تعميمه.
ومرت عدة سنوات والعمل على حوسبة المستشفيات مستمر وتغيرت القناعات وازداد الحماس لمشروع الحوسبة، واصبحت معظم مستشفياتنا في الضفة كمرحلة اولى محوسبة ونأمل ان تكون المرحلة الثانية حوسبة مستشفيات قطاع غزة بعد ان عادت اللحمة الى شقي البلاد وانتهى الانقسام البغيض.
وبعد خمس سنوات من العمل لا بد من تقييم التجربة وكنت امل ولا زلت ان نسمع مع دائرة الاختصاص بالوزارة مثل هذا التقييم، وحتى ذلك الحين ومن خلال متابعتي الشخصية والاهداف التي وضعت للمشروع اجد نفسي راغبا” وقادرا” على طرح وجهة نظر علمية حول الموضوع ترد على من عارضوا فكرة الحوسبة وتثمن جهد من قاموا بالعمل ودعموا الانجاز.
تستقبل مستشفياتنا مابين 200 الى 500 مريض يوميا” في غوف الطواريء وما بين 500 الى الف عيادة خارجية وادخال ويعمل في اي مستشفى ما بين 200 الى 800 موظف لهم انظمة دوام مختلفة وحقوق مالية ومناوبات، وتتعامل صيدلية كل مستشفى مع ما يزيد على 500 صنف دوائي ومثلها من المستهلكات والمواد الطبية بالاضافة لمواد الاطعام والفحوصات المخبرية والصور الشعاعية والعمليات الصغرى والكبرى التي تجرى يوميا” في كل مستشفى. فهل من الممكن ادارة كل هذه العمليات يدويا” وبكفاءة مهما كان الجهد المبذول؟ واذا كان الجواب بنعم ، فما هو مستوى جودة الاداء في ادارة هذه العمليات؟.
لقد واجهت المستشفيات دائما” مشاكل كبيرة في التعامل السليم مع السجلات الطبية ومع رصد التأمين الصحي للمراجعين وفي مراقبة ومتابعة مخزون الادوية والمستلزمات الطبية كما كانت تبرز دائما” مشكلة رصد الدوام واحتساب العمل الاضافي للطواقم الطبية العاملة ولم يكن بالامكان توفير تقارير مالية واحصائيات طبية لعمل المستشفى ولقياس مؤشرات الاداء بسهولة في الوقت اللازم او عند الطلب.
لقد شكل نقص البيانات والتقارير الاحصائية مشكلة مزمنة للعاملين على مراقبة اداء اي مستشفى وفي الحصول على تقارير تفصيلية عن المرضى او عن الخدمات المقدمة وعن مخرجات الخدمات المقدمة ومنع هذا النقص القدرة على تحسين الخدمة المقدمة ومتابعة دقيقة لملفات المرضى والتوزيع الديمغرافي للامراض وللمراجعين.
كان تكدس الاوراق والملفات على مكاتب الاطباء والاداريين يشكل منظرا” عاديا” وظاهرة مزعجة للعاملين وللمراجعين وبخاصة عند فقدان ملف او اجزاء من ملف لمريض او مراجع، كما كان البحث عن ملف يشكل قلقا” يوميا” لكافة العاملين في اي مستشفى، اما عند وجود شبهة خطأ طبي فالامور كانت تصبح اكثر تعقيدا” وشفافية التحقيق اقل مصداقية.
لقد حققت حوسبة المستشفيات فوائد جمة انعكست بشكل مباشر على جودة الخدمة المقدمة للمريض وعلى قدرة العامل الصحي على الاداء الجيد كما انعكست ايجابا” على كلفة الخدمة المقدمة وعلى سرعة التعامل مع الحالات والتقارير وعلى القدرة على توفير بيانات احصائية دقيقة لكل مفردة من مفردات العمل في المستشفى المحوسب، فقلت كلفة الملف الالكتروني عن الورقي بنسبة العشر واصبحت حماية خصوصية المريض وملفه عالية جدا” وليست متاحة لكل من يرغب بالاطلاع على اي ملف الكتروني الا ضمن ضوابط على عكس الملف الورقي المتاح على الارف لكل من يرغب، وكنا نجد للمريض الواحد عدة ملفات واحيانا” باسماء مختلفة اما الان ومع الحوسبة فلكل مريض ملف واحد مطابق لرقمه الوطني الواحد.
لقد فتح نظام حوسبة المستشفيات وتوسعة تطبيقه ليشمل المراكز الصحية للرعاية الصحية الاولية وربطه بنظام التأمين الصحي والادارة المالية الافاق واسعة نحو تطوير جودة الخدمات المقدمة وضبط الانفاق واصدار التقارير المالية والادارية والفنية بشكل يومي او شهري او سنوي وعن اي فترة لازمة كما اصبح بالامكان مراقبة دقة البيانات المقدمة ووضع مؤشرات دقيقة للاداء وجودته ومراقبة تطور هذه المؤشرات.
ويبقى الطموح ان نصل الى منشأت صحية بلا اوراق وان يحمل كل مريض ملفه الصحي والتأميني على بطاقة واحدة ذكية ترافقه اينما ذهب وﹸتعرف به وبتاريخه المرضي اينما ذهب.
بقلم الدكتور فتحي ابومغلي