تزوّج دَوْمَةْ فإنَّها كبيرةُ الحَوْمَة
تاريخ النشر: 01/02/12 | 14:55درس في الجمال العربي: بين المرأة العبلاء والمرأة الزّلاء
من ذكرياتي مع أصدقائي في الجامعة
علّمني في سنوات الزمن الجميل بروفيسور شديدُ الشكيمة يُدعى م. ش. كان في بداية الفصل يتهافت على الالتحاق بدرسه ومحاضرته أكثر من أربعين طالباً، حتى إذا سمعوا الدرس وعرفوا المطلوب منهم لم يرجعوا ، وهكذا دخلت في ذلك العام غرفة الصف فلم أجد إلاّ اثنين أو على الأصح فتاة هندية غير جميلة وصديقي حسن الطيب من جلجولية، وأبا الرائد زيدان من كفر مندا، فيدخل البروفيسور ويبتسم ابتسامة خاصة قائلاً :هكذا أفضل !
وما زلتُ أذكر درساً علمنا إيّاه، وأتحدث عنه في كل محفل ، كطرفة مفيدة للسامعين، وها قد حان الأوان لأتحف بقجة وقراءها الأعزاء أحبابي، بهذه الطرفة، ليتندروا فيما بينهم. وكان إذا انتهى درسه، صحبته الى المقهى الجامعي نشرب القهوة ونفتح محاضرة أخرى.
والقصة تقول إن أعرابية أحبت أن توصي ولدها ، وتختار له زوجة المستقبل الجميلة، وكانت مقاييس الجمال مختلفة كلياً عن يومنا هذا. فقالت هذه الأعرابية جملتها المشهورة:
“ تزوّج دَوْمة فإنها كبيرة الحَوْمة، فما تسمع فيها للائمٍ لوْمَة ”
وأخذ البروفيسور يسأل والابتسامة في عينيه : ” ما قصدها بكبيرة الحومة” ، وقد ظننتُ للوهلة الأولى أنَّ الحومة مأخوذة مما يحوم حول الإنسان فتكون كبيرة الأهل كثيرتهم يعني كما نقول : ” لها عزوة”، وقد تكون أُخذت من حوّامة الماء والبحر، ولكنني لم أتكلم وتكلم أبو الرائد الذي سمعني أقول شيئاً وأتردد فيه فقاله هو، حيث قال : إن دوْمَة لها قبيلة كبيرة وتود هذه الأعرابية مصاهرتهم، فضحك البروفيسور حتى استلقى على قفاه ، وقال لا، وضحكت لا لسبب أعرفه إلا أن أبا الرائد قد وقع في الفخ، فاستدرك البروفيسور قائلاً : ” إن إدريس ( أنا) يعرف الإجابة الصحيحة ولكنه يخجل من قولها. ” ولم أكن والله العظيم أعرف الإجابة، ولا في أحلامي السعيدة، ولكن المحبة من عند الله ، أو كما يقولون ” طِلْعتْ لك طِلْعتْ لك” فقد كان يعرف مدى إلمامي بالعربية الكلاسيكية وترجمتها. ولكن لماذا أخجل من الإجابة الصحيحة، هنا أدركت الإجابة!!! ثم صرّح لنا عمّا أعجب الأعرابية بزوجة ابنها أنها كبيرة الحوْمَة أي كبيرة العجيزة. الأمر الذي قد يكون سبباً لرفض العريس هذه الأيام، حيث يشترط أن يكون عودها عوداً فرنساوياً ، وتكون هيفاء الخصر رشيقة القوام.
“أعوذ بالله من زلاءَ ضاوية”
وقد كانت البدانة دائما من أهم مقاييس الجمال العربي فقد كانت المرأة العبلاء هي المرأة الجميلة في نظر العرب، والعبلاء هي من كان أعلاها خفيفا وأسفلها كثيبا (مثل كثبان الرمل)،وكانوا يتعوذون بالله من الزّلاء أي خفيفة الشحم. وقد قال الشاعر:
“أعوذ بالله من زلاءَ ضاوية” . كأن ثوبيها عُلّقا علي عود .
كما وصف العرب البدينة بخرساء الأساور ، لأن البدانة تمتد الي الرسغ فتمنع ارتطام الأساور فتصبح خرساء.
وقد وصف العرب المرأة الجميلة ب ” البهكنة ” أي السمينة المكتنزة
الناعمة جميلة الوجه، عظيمة العجيزة. ذات الحور التي اتسع سواد عينيها كأعين الظباء.
وذات العينين السوداوين، الهدباء، طويلة أهداب العينين. والشعر الأسود الطويل.
وقد اشتهر اسم البهكنة من معلقة طرفة بن العبد الذي يقول:
” وتقصير يوم الدّجن والدّجن معجب
ببهكنةٍ تحت الخباءِ المعمّدِ “
فالفتاة التي يشتهيها طرفة بن العبد يجب أن تتوفر فيها شروط ثلاث: الأول أن تكون بهكنة (سمينة) والثاني أن يلتقي بها في يوم ماطر، والثالث أن يلتقي بها تحت الخباء المعمد.
وقال الأعشى :
” غرّاءُ فرعاء مصقولٌ عوارضها تمشي الهوينا، كما يمشي الوجي الوحلُ “
وقال عمر بن ربيعة:
” لها من الريمِ عيناهُ ولفتتهُ ونجوهُ السّابقُ المختالُ إذْ صهلا”
ونجد أن امرأ القيس مثلاً من أكثر الشعراء الجاهليين تفصيلاً لصورة المرأة ، الجسدية في شعره فهي متعطرة ، يتضوع ريحها الذي هو مثل ريح الصبا ، وهي مهفهفة بيضاء ، ليست عظيمة البطن ، وهو عيب في المرأة ، وهي بِكر يشوب لونها الأبيض صُفرة ، ثم يصف خدها بأنه طويل سهل ، ثم عينيها بأنها مثل عيون البقر الوحشي ، وعنقها مثل عنق الرئم ، وشعرها أسود فاحم ، وخصرها لطيف دقيق , ثقيلة الأرداف.
والفراعنة اهتموا بالعيون الكحيلة، واستعملوا كحل كليوبترا،أكثر من غيرهم ويعتبرون عيني المرأة مقياسا للجمال والسحر..
أما الهنود فهم كالعرب يحبون المرأة السمينة، ولديهم مثل شهير يقول: ” “المرأة السمينة لحاف للشتاء“.
جمال الروح
والحقيقة أن جمال الروح هو في عيني المرأة وابتسامتها، وأخلاقها، ودينها، ولذلك قالوا ” … فاظفر بذات الدين تربت يداكَ”
ففي استطاعة الإنسان أن يشتري الجمال الجسدي، ولكن القلب الوفي،والنفس الطاهرة، والعقل الكبير، فهذه سلع لا تشترى.
وجمال الجسد يذوي بتقدم السن ، أما جمال الروح فهو الشئ الوحيد الذي لا يستطيع الزمن أن ينال منه. أو كما يقول عبدالوهاب في أغنيته ” عاشق الروح” ” وعشق الروح مالوش آخر، لكن عشق الجسد فاني” .
وكلما ارتفع مستوي الهرمون الأنثوي الاستروجين في الجسم ازدادت جاذبية المرأة في أعين الرجل.. والصفات التي ينجذب اليها الرجل هي المرأة ” الباربي” : عينان واسعتان وشفتان ممتلئتان و.. خصر نحيل، والسيقان الطويلة والصدر الكبير ، والشعر الطويل .
يقول ” فيكتور هوجو” الشاعر الفرنسي العظيم: ” الجمال هو قبس من نور الله.. أرسله إلى الأرض ليعلم الناس الحق.. ويهذب نفوسهم.. ويطبع قلوبهم بطابع الحب والشعور.. من يحب الجمال يرى النور” وقال” شكسبير” شاعر الإنجليز والكاتب المشهور: ” ليس الجمال في حاجة إلى تدليل أو تبيان.. ألا تراه يأخذ بمجامع القلوب.. ويخطف الأبصار..؟ إن الجمال الصحيح نور..أو قبس من نور الله.. وضوء من أضواء الطبيعة”..
وكان أبو الرائد يجلس الى جانبي دائماً ، فكنا نستمتع أيّما استمتاع في هذا الدرس. أما في درس الدكتورة المملة فقد كنا نكتب الواحد للآخر قصصاً وطرائف، وفي إحداها كتبتُ له: ” يوجد في بلدنا موظف بريد يدعى أبو العبد، وكان يصل البريد وهو ما زال مبتسماً من سهرة وسكرة ليلة البارحة، حتى إذا جاءته إمرأة عجوز لتأخذ معاشها من التأمين … الى أن أصل ذروة القصة فلا يتمالك أبو الرائد نفسه ويأخذ في القهقهة بصوت عالٍ مما يلفت انتباه المحاضرة… فيقول لها : عفواً قرأت شيئاً عجيباً، فتقول: أليس الشيطان الذي بجانبك هو الذي كتبه!!!
ولكنني كنتُ قد (لخمتها) بقصائدي التي كنت أنشرها في الإتحاد عام 76،وسألت بإعجاب، أهذا أنت حقاً؟!
وخلاصة القول أن الجمال مسألة نسبية، تختلف من شعب لآخر ومن زمن لآخر، ومن شخص لآخر، فقد تجد شخصاً مولعاً بزوجته ، وتتساءل ما الذي يجده فيها حتى يحبها كل هذا الحب ، ولا تجد الجواب إلا المحبة من الله وتدعو لهما بالتوفيق، وتجد آخر يحب كل النساء ويجد في كل واحدة ما تشتهيه نفسه،وتجد عينيه زائغتين دائم التلفت لا يستطيع الاّ النظر الى حيث قطوف الجمال. فتقول لله في خلقه شؤون. وللحديث بقية ممتعة فانتظرونا.
تحياتي لك اخ سامي وكلام استاذك صحيح فالناس في الماضي لم يتزوجوا نحيفه” لمسلغه”فهي لا تصلح للزواج لعدم قدرتها على تحمل مشاق العمل بعد الزواج من انجاب وعمل في الحقول وغيرها وانا في صغري اذكر انني ذهبت برفقة امي لحفلة زفاف وكانت العروس نحيفه وصعب تزويجها الا ان اهلها استبدلوها بدل لاخيها والعروس الثانيه كانت سمينه وكانت جميع النساء تقول ما شاءالله هاي العرايس يا بلا وكانت اغاني النساء للعروس السمينه اكثر من النحيفه فكل شيئ كان يطابق السمينه لا النحيفه
ان الله جميل ويحب الجمال تحياتي لك د. سامي من القلب في مقالاتك الرائعه نوع من الابداع مما يشدني دائما لقرائتها اكثر من مره والسبب انك تضع حقائق من الماضي على صفحات هذا الموقع وما يسعني الا اشكرك جزيل الشكر وستبقى عنواني الادبي والشعري الى الابد
مع احترامي وتقديري
قاسم محاميد
استاذي الكريم..حياك الباري وجمل ايامك بالكرامة والعطاء..
اسلوبك في الكتابة شيق وجذاب به متعة وطيبة..مذكراتك مواضيع هادفة..
جمال الروح غاية منشودة..الجمال قبس من نور الله..وجمال الجسد صورة محبوبة.
ارفع اليك اسمى ايات الود الجمبل ..لك كل الاحترام والتقدير على عطائك المتواصل..
بوركت..جزاك الله كل الخيرات والبركة..
” ذكريات عبرت أفق خيالي وجلت لي ذكر أيام الخوالي ”
” قد يكون الغيب حلوا إنما الحاضر أحلى ”
فكل شيء تجيء به يا دكتور يكون بمثابة لوحة فنية متكاملة وأعتبرها نصوصا أدبية , نثرية وشعرية يمكن للقارئ ألتعلم منها , دمت بخير
أشكركم جميعاً ، وآمل أن أكون قد زدتُ شيئاً في باب الإمتاع والمؤآنسة في هذا الشتاء المبارك.
من يضن أن المرأة النحيفة لاتصلح لمهام البيت وواجباتها كزوجة فهو أحمق محدود التفكير ولا فأنا لا أرى فرق بين السمينة والنحيفة في تحمل مسؤوليات الزواج ولربما النحيفة تكون أكثر رشاقة وأكثر تحمل وصبراً لمسؤلية الأسرة عكس البدينة التي تعرف شيئين إثنين الأكل والنوم والكسل وحتى وإن كانت نشيطة فجسدها لا يسمح لها بأن تنشط