ما هو الفن وما هو الجمال؟
تاريخ النشر: 02/02/12 | 8:16توقفت طويلا عند حديث الدكتور الصديق والأخ محمود أبو فنة في الأمسية الثقافية المشتركة في مرسم عين الغربال في كفر قرع، الشهر الماضي، والذي أكد فيه ضرورة الإهتمام بالفن في مجتمعاتنا. أعتقد أن كفرقرع تمتازُ حقا بوجود شريحة أكاديمية وشريحة متقفين ومواهب مختلفة واعدة وتشهد من فترة حراكا تقافيا مفرحا. وفيها عدد جيد من الفنانين التشكيليين ذوي المدارس الفنية المختلفة، أذكر منهم الفنانة التشكيلية رانية عقل، الفنان التشكيلي الخطاط محمد سعيد كلش، المصور الفنان رشيد بيدوسي ولا شك أن هناك فنانون آخرون لا أعرف أسماءه أو أعمالهم، فأرجو المعذرة.
ماهو الفن وما هو الجمال حقا ً ؟ سؤالان أشغلا عقلي كثيرا زَمَنا طويلا.
أذكرُ أنني قرأت ما كتبه مرة الشاعر الهندي الرائع، طاغور، عن الفن، فركَّزً على أنَّه جزء من النشاط الإنساني، لكن ليس ذلك النشاط الذي يشبع مِعَدَنا، بل ذُهننا وحياتنا الحسية ويهذب واقعنا.
فالفن هو نتاج عقل مُفكر ومحلق بالخيال، لكن ليس مجرد تهويمات خيالية، وكي يكون حقا كذلك، يجب، أو الأصحُّ القول، يُفتَرَضُ به أن يرتكِز َإلى واحِدةٍ من سِمات ِ العقل الجوهرية:
التخيُّل.
فالخيال، أو القدرة على التخيل المُفكِر والمُدقق، هو من ميزات العقل الإنساني.
لكن الخيال هو وليد واقع فعلي قائم أو محلوم به، هكذا يجدر بنا أن نعيه، فهو في حقيقته وليد عقل واع ومدرك لحقائق موجودات عالمنا. فليس ثمة خيال خارج واقعنا الأرضي إلاّ في الغيبيات المختلفة.
ما يمنح أيَّ عمل فني، رسما كان أو نحتا أو صورة، قيمة جمالية، شيئان:
– موضوعه والتخيُّل المُضمَّنُ فيه
– وما ينتج عنه من إيحاءات وتفاعلات في مخيَّلة الناظر.
وهذا التخيل المفترض أن يتوفر في المتلقي، المشاهد المُتأمل، أيضا، هو ما يمنح العمل الفني القدرة على حملنا على الجري وراء ما أراده الفنان أو التخمين أن هذا ما أراده.
ومن هنا تنبع أهمية وضرورة الحرص الدائم والهادف إلى تنمية ذوق جمالي عند كل من الفنان والمشاهد.
فهذا من شأنه أن يسهم في تنمية الحركة الفنية وازدهارها.
وكما يُشترط لتطوّر الكتابة الأدبية، بين أمور كثيرة، توفر علاقة جدلية ومتبادلة التأثيربين الكاتب والقارىْ، كذلك هو الأمر فيما يتعلق بهذه العلاقة بين الفنان التشكيلي والمتلقي.
***
تقنيات الفنون كاللون والخطوط والبؤرة الضوئية وكذلك الموضوعات تتجدَّدُ وتتبدَّلُ باستمرار، كما هي الحياة، لكن القدرة على التخيل شيء شبه ثابت نسبيا ولكن يتسع باستمرار، وهو في الحقيقة، مُتأثربالتجربة، المعرفة والإلمام الوافي بالتقنيات ومستجدات الحياة.
ما أردت قوله والتركيز عليه هو أن الفنان يلزم أن يوسع ثقافته الإنسانية، الموروثة والمستحدثة، ليوسِّع من فضاء خياله، وهذا ما يجمع بين الفن التشكيلي، على اختلاف تجلياته، والفنون الإنسانية الأخرى، كالموسيقى، الغناء، المسرح، حركة الرقص والشعر.
فكلُّها نتاج عقلٍ مُتخيِّلٍ، متأمِّلٍ، واع ومُدرِك. وهو ما يجمع بينه وبين الرياضيات والفيزياء كذلك.
كلها في الأصل وليد خيال إنسانيٍّ حالم.
ولذا، كل هذه الفنون تزدهر وتنمو، كلما وفرنا لها بيئة حياتية حرة ومريحة.
أذكر في هذا الصدد ما قاله خطاط عربي، مؤخرا، أن الخط العربي ( الفني التشكيلي ) هو محاولة للخروج على التقليد والصنعة في الكتابة.
وهذ القول يوضح بجلاء مكثف ما أردت التنويه به والتركيز عليه في هذه العجالة القصيرة.
فالفن هو خلاف التقليد والصنعة. وهو شكل من أشكال التفاعل مع حياتنا الواقعية أو المحلومة والمتخيلة.
ومن هنا كانت قناعتي أنّ الفن، كمُنتـَج مُتخيَّل، لايمكن أن يُعَلمَ حقا ً، فما يُعَلـَّم هُوَ تقنياته، إتجاهاته وتاريخه، كلُّ هذا هُوَ ما يتعلمه الفنان، يكتسبه بالمدرسة والدراسة الذاتية.
وهو هنا كالشعر، يولد مع الإنسان، يهذَّب ويصقل بالمعرفة، التجربة والثقافة. إنَّه جزء من نفسية المرء ( أو المرأة )، مِرْآتهما ومكوناتهما النفسية، فهو خلاف الحرفة أو الصنعة التي تكتسب بالممارسة والمداومة.
فالفن في آخر كل مطاف هو نوع من الخلق، الإبداع.
وقد خلصتُ إلى كونها ( هذه الفنون ) تجليات متنوّعة للعقل الإنساني المتخيِّل وإلى أنَّ هذه الفنون وخاصة التشكيلية في آخر كل مطاف هي وليد هذا العقل المُتخيِّل.
وهذا العقل، حين نتأمَّلُه جيِّدا، يكون في تجلِّياته المختلفة والمتعدِّدة أحد اثنيْن:
فإمّا أن يكونَ وليدُهُ المُتخيَّل، على الغالب، فاِئقَ الجمال، باعثا على الدهشة، حتى العبادة، أو أن يكونَ الشيْ ونقيضه في آن، كأن يكون رحيما ً متسامحا ًوشديدَ القوة، خارِقَ البأس، مُخيفا ًفي بأسه ووعيده، كالغيبيات الما وراء أرضية.
والمُتـَخـَيـَّل ( كالأساطير والخرافات )، كلُّ متخيل جميل نسبيا، لأن الجمال متمنّى، شخصي و نسبيٌّ، وفيه بحث عن بديل لواقع غير مقبول، أو واقع محلوم به.
وكي أكون واضحا ً، سألجا إلى مِثال ِالقمر وَمَثل ٍشعبي عن القرد والغزال.
لاشكَّ في أنَّ ضوء القمر يسحرنا، يفتننا كثيرا وتبهرنا استدارته المضيئة، فنستعيرها لوصف وجه المحبوب، كما نتخيله أو كما نتمناه أن يكون.
والحقيقة الجافة الخالية من عاطفة مُتخيِّلة تعرِف أن القمر ليس مضيئا ً، فما نراه هو انعكاس إشعاعات الشمس على سطح القمر، أمّا هو فصخرة معتمة، باردة ولا أثر لحياة فيها. أما الإنسان القديم وما زلنا نحب الإحتفاظ بما ظنَّ، فرآه أحد النيِّرين اللذيْن ينيران وجودنا. كان منذ القدم ولا يزال ملهم الشعراء، الكتاب، المغنين وسيبقى وكان معبود ناس كثيرين.
والمثل الشعبي المتداول وعند أكثر من شعب:
” القِرد في عيني أمِّه ِغزال “.
لِنتأمَّل هذا المثل، فهو يستند إلى تخيُّلين مُتنافرين، نقيضين، جمال الغزال وقبح القِرْد، لكنه تنافر يجمعه تخيُّل ثالث، هو وليد تجربة حياتية:
القرد، مثل كل مولود، في عيني أمِّه كالغزال جميل.
فالقبح، في هذا المثل، يستحيل جمالا ً، لحظة تتبدل زاوية النظر، زاوية تُحدِّدُ من الناظر ومن المنظور، لحظة تنتقل وجهة النظر من العام إلى الخاص ويطغى الفرح بالنظر إلى المولود. والمولود قد يكون إنسانا ُ، الذات المتجدِّدَة، وقد يكون حيواناُ، غرسة، زهرة، فكرة أو حدثا مرتقبا.
وكلُّ مولود ٍ هو جميل، سيان كان.
هذا المثل الشعبي البسيط يعكس كل جمالية الإستعارة الشاعرية، إيحاءاتها وإحالاتها، كثيفة التخيُّل.
العنصر الجمالي بتجلياته المختلفة يمكن القول، هو غالبا ما نشهده في الفن التشكيلي والشعر وغيره من الفنون.
وفي هذا السياق أود أن أؤكد أن الجمال ، أي جمال ، هو مسألة نسبية . وأعترف أن فهمي له هو خلاف ما تتحدث عنه بعض المدارس الأكاديمية. وفهمي للجمال الإنساني يتجاوز التبسيط في النظر إليه ووصفه ، فما يعنيني هو ديمومة النظر إليه .
فالجمال في نظري هو سمة إنسانية. إنسانية المرء أو المرأة هو مقياس جمالها . وطالما أن الجمال سمة إنسانية والعمل الذهني أو الجسدي، شرط أن يكون نافعا للمجتمع ، فالجمال يكون أولا وقبل كل شيْ في العمل أو الفعل.
هذا ما أردت قوله في قصيدتي المنشورة هذا الأسبوع في موقع بقجة :
هي تذكُّر فعلا لواقعة رأيتها . فلعبة الإكس كانت منتشرة في قريتي وربما قرى أخرى. حين تذكرت تلك الإنسانة واللعبة لاحقا، أشغلني معنى كلمة إكس. فكان جوابي بعد تفكير متأن أن إكس في الرياضيات تعني المجهول. والمجهول هو الحياة. فتلك الإنسانة الرائعة، في نظري، كانت تمارس لعبة الحياة. وهنا حضرني سيزيف الأسطورة اليونانية القديمة. سيزيف حكمت عليه الآلهة برفع صخرة من أسفل الوادي إلى قمة الجبل، وكلما يصل القمة تقع الصخرة إلى الأسفل من جديد، فيعاود حملها لنقلها إلى القمة. كان سيزيف دائم العذاب كالكثيرين الكثيرين من بني البشر. يعيش حياة عذاب دائم وبلا أمل حقيقي. وقد رأيت في دفعها الدائم للحجر متجاوزة الحواجز الوهمية في الحياة وباللعب مع أترابها، ناس حياتها، بحثا عن تجدد دائم هو ما جعلني أصفها بالإنسانة الرائعة، إذ رأيت فيها أربع سمات جميلة:
ألبساطة والفتنة ( حافية القدمين وسوداء الجديلة )
مُشاركة أترابها لُعبة الحياة
دَفع حجر اللعبة الدائم إلى أمام تجاوز ما يعترضها من حواجز وهمية
فالجمال في محصلة كل شيء هو العمل الذهني أو الجسدي. والثقافة الحقة بكل تجلياتها المختلفة يجمل بها أن تنمي هذا الفهم الجمالي.
وفي الختام يحضرني قول عظيم لعمق معناه للخليفة العطيم عمر بن الخطاب، قال:
” أرى الرجل فيعجبني ، أسأل هل له من حرفة ؟ إن قالوا لا سقط من عيني !” .
[…] ايضاً:ما هو الفن وما هو الجمال؟ اقرأ أيضاً في […]
استاذي الكاتب والاديب ..حياك الباري وجمل ايامك العطاء الكريم.
مقالتك جوهرية المضامين..كتبت باسلوب راقي وجذاب..
تحية شكر وثناء لشخصك الكريم المعطاء..انك علم وقبطان اصيل لمراكبنا الادبية..
بك وامثالك ترقى نهضتنا الثقافية في مجتمعنا…اننا على قناعة ان مجتمعنا بحاجة ماسة
الى نهضة ثقافية..بحيث تصبح الثقافة جزء من حياتنا اليومية..وخاصة بمجال القراءة
والمطالعة العامة..
اتمنى لك دوام الصحة والعافية..ودوام العطاء الخالد..لك في قلوبنا كل الحب والتقدير
بوركت..جزاك الله كل الخيرات والبركة..
تحيه للكاتب
في هذا السياق ” القِرد في عيني أمِّه ِغزال “.
فتاة قالت لسوداني : يا اسود.ماذا رد عليها؟؟؟؟
بنوع من السخريه فأنظروا بما جاوبها :
تقولين أســـود ؟؟؟
تقولين أســـود ؟؟؟
وكل من يزور الكعبة يقبل لوني بانحناء
السواد هو صندوق سر لرحلات الفضاء
لولا السواد ما سطع نجم ولا ظهر بدر في السماء
السواد هو لون بلال المؤذن لخير الأنبياء
لولا السواد لا سكون ولا سكينة بل تعب وابتلاء
والسواد فيه التهجد والقيام والسجود والرجاء
فيه الركوع والخشوع والتضرع لاستجابة الدعاء
عن الرسول ( صلعم ) ” لا فرق بين عربي ولا اعجمي الا بالتقوى ”
وايضا : يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى ان يكونوا خيرا منهم ,ولا نساء من نساء عسى ان يكن خيرا منهن , ولا تلمزوا انفسكم * , ولا تنابزوا بالألقاب * , بئس الإسم الفسوق بعد الإيمان * ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون
اما :التخيل طريق للجذب وهو أقوى من الأرادة ركزعلى ماتريد بلخيال فالنجاح في الخيال
والسعادة في الخيال
أينشتاين يقول : التخيل أهم من المعرفة ! فما هو التخيل ؟التخيل عبارة عن تدفق موجات من الأفكار التي يمكنك رؤيتها أو سماعها أو استشعارها أو
تذوقها فنحن نتفاعل عقليا مع كل شيء عبر الصور.. والصور ليست فقط بصرية ولكنها قد تكون رائحة أو ملمسا أو “مذاقا” أو “صوتا”، بل هي تعبير داخلي عن تجاربك أو أوهامك.. إنه أحد الأساليب التي يقوم من خلالها مخك بتشفير وتخزين المعلومات والتعبير عنها، وهو الأداة التي تتفاعل بها عقولنا مع أجسادنا.
من هنا احييك ايها الشاعر والاديب على ابداعك وتخيلك , , وعلى ما يبدو من خلال الصوره المرفقه للمقال لك وللاديب د-ابو فنه انكما في ذروة الابداع والانسجام الفكري تحياتي ومودتي للجميع
أخي وصديقي في الإنسانيّة الأديب المفكّر إبراهيم مالك
مقالتك تفتح الباب على مصراعيه حول قضايا جوهريّة مثل:
– ما هي مقوّمات الفن الناجح بأنواعه المختلفة؟
– كيف يؤدّي الفن الرسالة المتوخّاه منه؟ وهل له رسالة واحدة محدّدة؟
– ما دور المتلقّي للفن ليتمّ التواصل والتفاعل بين المبدع وبينه؟
– كيف نرقى بذائقة المتلقّي للفن؟
أتمنّى لك موفور الصحة ودوام العطاء.
أخوك أبو سامي