لا كانَ غيْرُكَ مُلْهِمي

تاريخ النشر: 05/02/12 | 5:01

” أذكر كان يومها نهارا غير عادي، أحد الأيام الأخيرة لشهر كانون ثاني عام 2003، كان دافئا ومُشمِساً، خرجتُ يومها إلى حاكورتي الصغيرة، أمتع النفس بألق الشمس ودفئها، وفجأةً رأيت صقرا هو أشبه بالنسر – كما بدا لي تلك الساعة – رأيته يحلقُ راقصا في فضاء الحاكورة، فشبه لي أنه يرقب وقفتي وتحركي المتأمل، حسبته روح أبي، ولدِ جبال الأوراس في شرق الجزائر، مسقط رأسه، فوجدتُني أسأله بصوتٍ مسموع :من أين جئت، تراك روح أبي ؟ وعُدْت إلى البيت أكتب. وقد كتبت هذه القصيدة أياما معدوداتٍ قبل إصابتي بالشلل النصفي أو ما أسميته لاحقا بخيانة الجسد. فكانت آخر قصيدة كتبتها قبل مرضي. أشعر أنَّها تعكسُ نفسيتي والحنين الذي كان يملأني في بحثي الدائم عن وجه أبي الراحل وأنظر إلى معشوقتي فاطمة خائفا من أن أصبح صريعا وأنا لا أزال قوي إرادة الحياة ” .

مـِن ْ أيـْن َ جـِئـْت َ وَمـَن ْ تـَكـون ْ ،

يـا مـُدْهـِشـا ً يـَسـْبـي الـْعـُيـون ْ !

أي ُّ الـرِّيـاح ِ أتـَت ْ

بـِك َ ، أي ُّ روح ٍ تـَسـْكـُنـُك ْ ؟

كـَم ْ أغـْبـِطـُك ْ !

مـُتـَفـَرِّدا ً فـي كـِبـْرِيـائـِك َ ،

سـابـِحـا ًتـَخـْتـال ُ تـيـهـا ،

فـي فـَضـاء ٍ لا يـُحـَدُّ ، بلا ضـِفـاف ْ .

أتـُراك َ آت ٍ مـِن ْ بـَعـيد ٍ مـِن ْ بـَعـيـد ْ ؟

مـا الـسـِّر ُ فـيـك َ

تـَغـيـب ُ أحـْيـانـا ً طـَويـلا ً

ثـُم َّ تـَرْجـِع ُ مـِن ْ جـَديـد ْ !

مـُتـَجـَلـِّيـا ً طـَلـِقـا ً تـُأرْجـِحـُك َ الـْنـُسـَيـْمـات ُ الـْلـِطـاف ْ !

مـِن ْ أيـْن َ جـِئـْت َ وَمـَن ْ تـَكـون ْ ؟

يـا أيـُّهـا الـنـَّسـْر ُ الـْمـُحـَلـِّق ُ فـي الـْمـَدى

يـا مـُدْهـِشـا ً فـي سـِرِّه ِ

يـا جـارِحـا ً حـَتـّى الـْجـُنـون ْ !

أتـُراك َ روح ُ أبـي تـُطـِل ُّ عـَلـَي َّ مـِن ْ ” أوراسـِهـا ”

زَهـْوا ً أم ٍ انـَّك َ طـَيـْفـُه ُ ؟

أتـُراه ُ فـي عـَيـْنـَيـْك َ سـِر ُّ تـَالـُّقـِك ؟

أم ْ سـَيـْفـُه ُ ؟

حـَلـِّق ْ سـُمـُوّا ً فـي الـْمـَدى ،

نـَفـْسـي مـَعـَك ْ ،

فـَأنـا امـْتـِداد ُ أبـي الـّذي ،

هـُو َ فـيـك َ سـِر ُّ الـرّيـح ِ تـَسـْكـُن ُ أضـْلـُعـَك ْ !

أرضـي سـَمـاءُك َ والـسـَّماء ُ هـِي َ امـْتـِدادي

فـي اشـْتـِعـال ِ الـْوَجـْد ِ

حـيـن َ عـُيـون ُ فـاطـِمـَتـي الـْحـَيـِيـَّة ِ

تـَشـْتـَهـي فـي عـُنـْفـُوانـي مـَصـْرَعـَك ْ !

بـي مـِثـْل ُ مـا بـِك َ يـا عـَشـيـق َ الـْغـَيـْم ِ يـا

سـِر َّ الـتـَّلاقـُح ِ بـَيـْن َ نـار ِ الـْعـِشـْق ِ تـَكـْويـنـي

وَذَوْب ِ الـطـَّل ِّ يـَمـْسـَح ُ ، بـَلـْسـَمـا ً ،

مـا أوْجـَعـَك ْ .

مـِن ْ أيـْن َ جـِئـْت َ ومـَن ْ تـَكـون ْ ؟

يـا أيـُّهـا الـنـَّسـْر ُ الـْمـُحـَلـِّق ُ فـي دَمـي

لا كـان َ غـَيـْرُك َ مـُلـْهـِمـي

يـا مـُدْهـِشـا ً فـي سـِرِّه ِ ، يـا جـارِحـا ً حـَتـّى الـْجـُنـون ْ !

تعليق واحد

  1. عزيزي الشاعر والاديب ابراهيم مالك المحترم..حياك الباري وجمل ايامك بالسعادة

    والعطاء الكريم..

    الشعر مراّة الشاعر..النسر المحلق في الفضاء.. يرمز الى الطموح العالية التي يتمتع

    بها شخص شاعرنا الكريم..ويدل على ارادة بليغة للحياة الكريمة..

    اسلوبك بالكتابة جميل وشيق للغاية..شعرك جذاب يمتع القاريء..مقالاتك لوحات جوهرية.

    اسال الله ان ينعم عليك بالصحة..وان يطيل عمرك وعمر قلمك..

    بوركت..جزاك الله كل الخيرات ومزيدا من العطاء الخالد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة