جنى المنى
تاريخ النشر: 27/10/10 | 13:39أهدي جميع زوار موقع بقجة الأعزاء كلمات صاغها قلمي, تكون فيها المنفعة للجميع…..
( جنى المنى )
واسترقت جنى الأنظار تصوبها بخفية نحو أمها:
( يا الله , كيف هو وجه أمي, رسمته أوجاع الفقر بألوانها الشاحبة وتركت دموع همنا أوهام مجاريها على وجنتيها لتذكر كم بكت, مسكينة هي أمي, غبار القهر متربص في يديها النحيلتين يحاكي مرار شقائها..)..
وصحت من غفلتها فزعة حين علا صوت أمها:
– شو هي جنى وين سارحة مالك, بتطلعي علي هيك…
– ها, لللع ولا إشي سلامتك يمّا هيني قايمة أساعدك…
وراحت تعاون أمها في أعمالها التي ملت نفسها من روتنيتها, راحت تعمل وفكرها لا يكف عن التفكير, لا بد أن أنفض الشقاء عن عيني أمي, ماذا عساني أفعل, واسترقت النظر لأمها من جديد فتراءت لها أنهر سيالة تلوح من بعيد تشق الطريق من جديد في وجه أنهكه الألم…
وفيما الشمس قد اتقدت حرا تعاقب الناس على آثامهم, سارت جنى مثقلة بأكياس قد طلبتها أمها, وحبيبات العرق تجتاح ثناياها تترقر ق عنوة في محياها, تابعت المسير, لكنها توقفت فجأة, وشدت الخطى بالاتجاه الآخر..
وهناك تراصت كتل بشرية جنبا إلى جنب تلوح بصراخ الأشواق للقادمين من بعيد, وصلت السفينة , فتهافت الناس يدوسون أقدام بعضهم يتسابقون ليلفعوا بأحضانهم أحباء عادوا بعد غياب..
اقتربت جنى من أحدهم راحت تشد بقميصه حتى يسمعها :
(إيش في, مين هذوله الناس..)
فأجابها دون أن يعيرها أدنى التفاتة:
– انت بتعرفيش, هذوله حبايبنا بروحوا على أسبانيا بيشتغلوا وبجيبولنا معاهم حياة أحسن…
شدت جنى خطاها وبريق يتلألأ في مآقيها عن عزم يراودها.. وصلت البيت ناولت أمها ما طلبته ودست نفسها في هيكل غرفة , جلست سويعات ترتب شتات أفكارها تجمع الكلمات لتبادر أمها بأمر لا يفارق أحلامها.. وبعد أن استقرت على الأمر حاكت أمها وأخبرتها بعزمها على الرحيل..
– يا بنتي أنا مستحيل أسمحلك, أولا انت بنت كيف بدك تسافري لحالك وثانيا أنا المعيلة وواجب علي أنا أهتم لأمركم انت واخواتك.,.
– يمّا انت مش شايفة حالك الهم ماكل منك كل مطرح, أنا كبيرة وبعرف أدير بالي على حالي, أنا بعرف قديش بتعاني كل يوم خاصة انك الأم والأب بعد موتة أبونا, يمّا انا الكبيرة في خواتي وشايفة قديش الكل بعاني, لازم أروح , وبوعدكم بحياة أحسن…
ومن بحيرات الدموع اقتنصت كلمات الوداع, يلوح لها قلبها بمزيج من مرار:
-ديري بالك على حالك يا بنتي, ديري بالك على حالك….
وأجهشت في البكاء, تتبع السفينة بعيون رقراقة, حتى اختفت خلف الجبال…
جلست جنى وحيدة تمسح دموع الفراق , تمسك بأقصوصة صورة كانت لعائلتها, تحاكيها بخفقات حزينة قوية,أعدكم بالرغد, أعدكم بالسعادة, وفيما هي على هذه الحال استوقفتها حركات أقدام تدنو منها, رفعت رأسها فإذا بهما شابان نحيلان يتغامزان, اقتربا منها:
شو اسمك يا حلو؟؟
لم تعرهما انتباها, نفضت نفسها معلنة نهاية المسرحية, فأمسكا بيدها يشدانها اليهما, وحاولا العبث معها, رمقتهما بنظرة عنيفة تضمر لهما شرا إن لم يتركاها, وفي الحال تكللت أجسادهما ببرد الخوف وفرا فزعين:
– هاي مش النوعية الي بدنا اياها…
وصفرت السفينة معلنة خط النهاية, وبدأ الركاب يتهافتون نزولا, وقفت جنى والناس يلاطمونها أمواجا وهي شاردة لا تعلم وجهتها التالية, تنظر حولها والخوف قابع بين عينيها, خوف من مجهول لا تعيه..
وكان من بين المارة امرأة خطت الخمسينات رسومها في جنبات محياها, رأتها من بعيد فعلمت في قرارة نفسها أنها وجه جديد وقرأت ذعرها المنصّب في عينيها اقتربت منها وحيتها:
– أنت قادمة جديدة, وهيتك بدك معونة, متخفيش انا معاونة عاملات جدد هون وعندي راح تلاقي الي بدك اياه..(وربتت على كتفها برأفة الأم الحنون وابتسامة طيبة لم تفارق شفتاها)
فاجتاحت السكينة قلبها واطمأنت نفسها لها, وهمست روحها تراتيلا تناجي فيها رب الكون أن يوفقها..
– آه يا خالتي, هاي وصلتي,وسردت لها الحكاية…
ومع استيقاظة الشمس لتدق جرس يوم جديد, باشرت جنى حياتها الجديدة والحجة عزة تؤازرها خطوة خطوة, وبدأت تعتاد عملها في بيع أسلال القش اليدوية, اعتادت الضجيج المترنح في كل مكان والناس حيث لا يكفون عن الحركة, لكنها بين هذا وذاك ضعفت شوقا لحضن لفعته عثرات الزمن لكنه بلا أبواب موصدة, اشتاقت لأمها , لأخواتها, اشتاقت للراحة… تاقت نفسها لضعف أنوثتها الذي تخلت عنه لتجابه معترضيها في الطرقات, تدافع بوهن قوتها عن كرامة فتوتها حتى لا تكون صيدا سهلا, تاقت لتعود الأنثى الناعمة الغارقة في أحلام شباب نضر.. فتقهقرت نفسها وساد الصمت أنفاسها وراحت تبكي بشدة..
عندها دقت كلمات أمها مدارك عقلها(ديري بالك على حالك, ديري بالك..), فعاد العزم مسرعا يطرد الحزن الكئيب عن قلبها ليأخذ مكانه..( أنا هنا لأكد , أنا هنا لأعود لغوالي قلبي بحياة أحسن, أنوثتي تركتها هناك, ويجب أن أثابر لأعود وأستردها…)
ومرت الشهور , شهر تلو الآخر, وجنى تقضي ليلها تكدس أموال جنتها بعرق الجبين, وكلما زادت, علت الإشراقة في ثناياها أكثر وزاد جهدها أضعافا…
ومع استيقاظة الشمس لتدق جرس يوم جديد, وضبت أغراضها ,أمسكت بأموال كدستها والفرحة تغمر قلبها وطبعت فوقها قبلة, راحت تحث الخطى, وتهافت الناس صعودا, وتهافتت هي معهم, وصفرت السفينة معلنة خط البداية, وقفت تلوح للحجة عزة بالوداع, وعينيها تسابق أمواجا خلفتها سفينة جاثمة فوقها, تنظر لبلاد وقفت باستحياء خلف الجبال, وقلبها يخافق, عدت يا أمي, عدت بحياة أحسن….
ما شاء الله تبارك الرحمن
ابدع قلمك ايا غاليه..ما اروع كلماتك واحنها…باركك المولى اتحفينا بالمزيد
صباح الخير ما اجملها من كلمات ما اجمل بان تعود لاحبائك مع امل جديد هذه قصه رائعه جميله عندما قراتها تذكرت ما تعلمته من الغربه .
علمتني الغربة أننا نملك أشياء كثيرة لكننا لا ندرك قيمتها
علمتني الغربة أن أكتم ألمي بداخلي وإن كانت ستفضحه عيوني فلعل الإنسان الذي آلمني في تللك اللحظة ليس هو الانسان الذي عرفته سنينا”.
علمتني الغربة الكثير والكثير وكان من بين ما علمتني أنها أخبرتني من أنا ..
علمتني الغربة وما اقساه من تعليم.
علمتني ان الانسان (في الوقت الحالي) لا يهمه الا مصلحته
علمتني ان الموت ألف مرة فوق ترابك يا كفر قرع اهون من التفكير بالخروج خارجك..
فإن الغربة في كل حرف منها حرقة قلب مشتاق
وحنين … وألم … وعذاب
الغربة كربة كما يقال ولكن فيها يتعلم الإنسان المحال
و يقدر قيمة تراب أرضه ..
علمتني الغربة وما اقساه من تعليم
ان تحس بانك وحيد في وسط الكل فيه يرغبك ولكن كل لمصلحته
علمتني الاعتماد على النفس علمتني معنى المسؤولية بمعنى الكلمه علمتني معنى الامومه وغلاوة الضنى علمتني وعلمتني وعلمتني
كل هذا لا يساوي دمعة عين من امي لفراقي..ولا يساوي المي ولا من صديق/ه او عزيز على قلبي والله الدنيا والحياة مدرسي كبيري .
بعرف هاض في عكا