لماذا غاب النقد من حياتنا؟

تاريخ النشر: 05/02/12 | 10:01

في اطار السجال والنقاش الثقافي تطرح مسالة في غاية الاهمية، وهي غياب النقد من حياتنا الثقافية والسياسية والاجتماعية ،كاحد اعراض الازمة الراهنة التي تعيشها شعوبنا ومجتمعاتنا العربية ،فهنالك من يريد الاستعاضة عن النقد البناء وثقافة الحوارالهادف والنقاش الفكري الحضاري بالمهاترات والتجريح المرفوض ،حتى ان الشتيمة غدت بديلا عن الحجة ،ونهش لحوم الناس بديلا لمواجهة مواقفهم ، وبكلمات اخرى تجري محاولات مسمومة لتلويث حياتنا العامة وضرب نسيجنا الاجتماعي .

ان النقد لا يشمل الادب فقط، ولا يعني باي حال التجريح والتصفيق المنافق الكاذب والمصطنع ،وانما النقد يعني الكشف الموضوعي عن الايجابي والسلبي والمساهمة في اضاءة الواقع والفكر والثقافة والدعوة الى التفكير الحر والمستقل والموضوعي ،الهادف للحقيقة والصالح العام .

لقد شهدت حياتنا الثقافية العربية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي حركة نقدية جادة وفاعلة مطعمة بالقيم الثورية والوطنية والدمقراطية والجمالية الروحية ،وهذه الحركة ساهمت في صياغة الذوق الفني والجمالي الشعبي وتوجيه الحركة الثقافية العربية ،وطنيا ودمقراطيا ،وعرفنا الكثير من الوجوه النقدية المغامرة الساطعة التي كان لها دور واضح وبارز في انعاش وتطور النقد والذائقة الجمالية منها طه حسين ومحمد مندور وغالي شكري وحسين مروة ومحمود امين العالم وعبد العظيم انيس ورجاء وفريدة النقاش ومحمد دكروب وفيصل دراج وهشام شرابي وادوارد سعيد وغيرهم كثيرون .

برائي المتواضع ،ان اهم اسباب غياب النقد من حياتنا هي :انعدام الحرية والدمقراطية عدا عن سيطرة ثقافية العولمة الاستهلاكية وانتشار النزعات الفردية والذاتية والنرجسية المريضة واضمحلال القيم الانسانية العليا والتوجهات النقدية العقلانية ،وكذلك تراجع المعارك الادبية والثقافية والمطارحات القلمية والسجالات الفكرية بين النخب والاوساط الاكاديمية والمثقفة. بالاضافة الى تصاعد القمع والكبت والارهاب الفكري الديني ضد المثقفين والمفكرين والمبدعين العرب.

ما من شك ان الاصولية ،باسم الدفاع عن الهوية والاصالة ، قامت باكبر عملية اغتيال للنقد وتدمير للتراث العربي الاسلامي عندما اعطت حق الفتوى في العلم والثقافة والادب ،وانطلاقا من بيانات “الازهر “النقدي فان علينا ان نرمي بكل تراثنا النقدي العربي الى مزبلة التاريخ ،في حين ان تراثنا الفلسفي كان يتداول من دون التهديد بسيف الحسبة ومن دون تكفير المرتد .

لذلك فان حياتنا ومجتمعنا وثقافتنا المعاصرة بحاجة ماسة الى النقد الشجاع والمسؤول والموضوعي الواعي الذي يعتمد التحليل والاستنتاج العقلي ،النقد القادر على رسم المعالم الحقيقية للمستقبل والنهضة العلمية الحديثة ،واحياء المشروع القومي الحضاري، بالاضافة الى اغناء تراثنا الفكري والفلسفي والثقافي وتذويت القيم العليا ،العقلانية والنقدية ،التي حملتها ثقافتنا العربية الاسلامية .

تعليق واحد

  1. بالفعل ..يطرح المفكر الاستاذ شاكر مسألة مهمه للغايه تتعلق بالتقد وخاصة النقد الذاتي وهنا اود ان اقتبس من اديب العصر الاستاذ كاظم مواشي ما يلي :”،فمن حقنا نحن البشر ان نختلف على الهدف وعلى الوسيلة ويعيش كل منا وفقا لمبادئة ووفقا لما اكتسب من معلومات ويصلي اذا اراد كما يشاء ،وكل ما هو من حقنا ان نطلبه من الانسان ان يكون ايجابيا وليس سلبيا وليس لنا امر باموره الخاصة ،اما اذا شاءت ظروفه ان يكون سلبيا فعلى الدعاة ورجال الفكر ان يقاوموه ويرشدوه الى الخير والايجاب بالتحفيز وبالتشجيع وان استقام وصلى فلنفسه وان اساء فليس له الا العقاب او العلاج.واخيرا فان من التقوى عدم التدخل في امور لا تمس بنا. والله وليّ الجميع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة