رؤية تحليلية من عمق التاريخ والجغرافية
تاريخ النشر: 07/02/12 | 22:29“زيارة بطريرك موسكو وعموم روسيا إلى سوريا رسالة محبة وتآخي ورسالة ضد لغة الحرب التي وصفها بوتين “الحرب الصليبية الغربية الحديثة للسيطرة على العالم العربي”
تأتي هذه الزيارة لأرفع شخصية دينية روسية هو البطريرك كيريل بطريرك موسكو وعموم روسيا الذي كان لي شرف التعرف عليه والحديث إليه في اجتماعات جمعتنا في مؤتمرات مع رئاسة وأعضاء الجمعية الإمبراطورية الروسية الفلسطينية حيث كان آنذاك البطريرك كيريل نائبا لغبطة المرحوم البطريرك السابق لموسكو وعموم روسيا الكسيي الثاني ، وحافظ على الحضور الدائم لندوات ومداولات واجتماعات الجمعية معبرا عن رؤية ومكانة الجمعية لدى الكنيسة الروسية ودور هذه الجمعية الأقدم في روسيا والتي تأسست عام 1882 وترأسها شقيق القيصر الروسي الكسندر الثالث سيرجي الكسندروفيتش رومانوف .والتي كان لها الدور الكبير في روسيا وفلسطين القرن التاسع عشر في بلدان الشام سوريا ولبنان والمشرق العربي ، وبناء جسور العلاقات الدينية والاقتصادية بل والسياسية مع الدول العربية والإسلامية حيث انضم الى هذه الجمعية خيرة العقول الروسية المختصين بشؤون الشرق والعالم الإسلامي والمسيحي الشرقي العربي، لمنافسة الغرب المسيحي الكاثوليكي البروتستانتي الذي راى بالعرب والمشرق مجموعة من الكفار المحمديين دون رؤية العرب المسيحيين كمصدر ومنبع المسيحية كما هو الحال في الكنيسة الأرثوذكسية الروسية السلافية التي وقفت حتى في ايام الحروب الصليبية القرن العاشر مع المسلمين والمسيحييين الشرقيين ضد التدخل الأجنبي الصليبي الغربي في فلسطين والمشرق السوري . لقد نشطت هذه الجمعية الامبراطورية الارثوذكسية الفلسطينية جنبا الى جنب مع العديد من الجمعيات العلمية مثل الجمعية الجغرافية ، والتاريخية وشركات الملاحة الروسية ووزارة الخارجية الروسية وغيرها من المؤسسات الروسية لتامين مصالح روسيا ضد طموحات الهيمنة الاستعمارية الغربية على مقدرات والثروات العربية في ظل سقوط الهيمنة الإمبراطورية العثمانية على مقدرات العرب في دولة الباب العالي ، التي سيطرت على صدور العرب وأفقرتهم وجعلت بغداد عاصمة العلوم العربية وفلسطين قرى تابعة فقيرة جرداء من العلم والشعر والطب والأدب وأنستهم حتى لغتهم العربية لغة القران الكريم بجعل الأمية والجهل و”التنبلة ” في المدن العربية والقرى في الألوية العربية عنوانا للعرب تحت اسم “دار الإسلام “.
لقد أكد غبطة البطريرك كيريل أثناء زيارته إلى سوريا ان سوريا نموذجا للتآخي المسيحي الإسلامي اذ ان هذه الزيارة تأتي في ظل الأزمة السورية وفي ظل قرارات مصيرية اتخذتها الجامعة العربية بحق سوريا التي تحاول حل أزمتها بعيدا عن التدخل الخارجي من أطراف عربية وأمريكية وغربية وبعد استعمال روسيا والصين حق النقض الفيتو ضد قرار طرحته الدول الغربية في مجلس الأمن لإدانة سوريا . وأثناء الزيارة لغبطة البطريرك التي تزامنت مع قرار الجامعة العربية ضد سوريا وأعرب البطريرك عن سعادته بزيارة سوريا مهد الحضارات وقال بطريرك روسيا إن سوريا تصلح ان تكون نموذجا للتآخي المسيحي الإسلامي ونموذجا لكل العالم . وقال البطريرك ان سوريا هي التي تحل مشاكلها بنفسها ودعا الله ان يحمي سوريا من الشر وان يعم السلام في سوريا . والتقى البطريرك مع وزير الأوقاف السوري ومفتي الديار السورية ترسيخا لأهداف هذه الزيارة ومفهوم التآخي والحوار الحضاري بين الشعوب العربية والشعب الروسي وبين أتباع الأديان المختلفة الإسلام والمسيحية.
ان هذه الزيارة التاريخية لا يمكن للمراقب السياسي إلا ان يعتبرها زيارة للحفاظ على السلم الأهلي في سوريا والمنطقة العربية التي تشهد أحداثا دامية تغذيها الآلة العسكرية السياسية الإعلامية المخابراتية الغربية يطلق عليها بعض الإعلاميين “الربيع العربي” علما ان مقتل اكثر من مليون مواطن عراقي واكثر من 150 ألف ليبي وآلاف من اليمنيين والسوريين والفلسطينيين يدل بشكل لا يقبل الشك أن هذه التسمية لا يمكن ان تتلاءم مع الربيع الذي يأتي بالورود والزهور لمجتمعات ترغب بالتحرر النهائي والكامل والشامل من كل أشكال الاستعباد الاستعماري الحديث وأتباعه من النظام العشائري والقبلي المتوحش الذي يسيطر بشكل كامل على ثروات القطب او الجزء العربي من هذا العالم ، الذي يكدس الأموال والثروات الخيالية في بنوك أمريكا وأوروبا هذه الأموال التي تغذي صناعة الأسلحة الفتاكة التي يقتل بسلاحها أبناء بعض الدول العربية وأولها فلسطين والعراق وسوريا وليبيا . وبعض هذه الأموال تم تجميدها من قبل امريكا والغرب الذي وقف موقفا معارضا لقبول فلسطين كعضو في منظمة اليونسكو ، وتجميد الأموال الأمريكية جاء فقط بسبب قبول فلسطين لمنظمة اليونسكو
ان من يعرف روسيا وتاريخ روسيا يدرك ان هذه الزيارة التاريخية لاكبر شخصية دينية ارثوذكسية يمثل الكنيسة الارثوذكسية في العالم يدرك ان روسيا لا تقف مكتوفة الايدي فيما تشهده الاحداث المفصلية والتاريخية في مطقتنا ومحاولة الغرب الاطلسي للسيطرة الكاملة على منطقة الشرق الاوسط . فاثناء الحرب العالمية الثانية ضد النازية الهتلرية قام ستالين الشيوعي الملحد بالتوجه الى الكنيسة بنداء لتحالف وخروج البطريرك الروسي لتجنيد الشعب الروسي وناشدة الشعب الروسي للتجند ضد الحرب الهتلرية وهذا ما فعله البطريرك في تللك اللحظات العصيبة من تاريخ روسيا والهجوم الغربي الالماني والتواطئ الغربي في بداية الحرب التي اعلنها هتلر ضد الاتحاد السوفيتي و الشعوب الروسي السلافي .
حروب القرن الحادي عشر الصليبية في فلسطين
والرئيس بوتين والحرب الصليبية ضد ليبيا وزيارة البطريرك الروسي في القرن الواحد والعشرين الى سوريا
واليوم جاءت الزيارة البطريركية الروسية للرد على الحملة الصليبية الغربية على حد تعبير الرئيس الروسي بوتين في وصفه لحرب الاطلسي ضد ليبيا .
لقد تابعت بعض تعليقات الإعلاميين العرب حول موقف روسيا وارتباك السياسة الروسية تجاه الثورات العربية وما كتبه الأستاذ الجامعي خليل حسين قي صحيفة “الأيام” الفلسطينية يوم 12-11-2011 من الجامعة اللبنانية وما جاء في موقع فلسطيني حول “الخبر العربي في الإعلام الروسي المرئي ” الذي كتبه د.خالد ممدوح العزي الذي أنهى عرضه الإخباري عن الإعلام الروسي والأحداث العربية الأخيرة في جزء من الدول العربية وبالتحديد الدول التي تحكمها أنظمة جمهورية وليست الأنظمة الملكية المشيخية الاماراتية العشائرية بجملة تدل على جهل مطبق بشؤون روسيا حين كتب في مقالته المنشورة في موقع فلسطيني ومهما حاولت روسيا من أي عرقلة لقرارات مجلس الأمن بحق النظام السوري لا تستطيع تلميعه أمام العالم لان نظام الأسد فقد الشرعية الدولية والشعبية إلى غير رجعة وعلى روسيا أن تقر بخطئها الفادح في حمايتها للأنظمة الدكتاتورية وتخليها عن شعوب هذه الأنظمة التي يترتب على روسيا لاحقا الاعتذار لهذه الشعوب،لان مصلحتها الدائمة مع الشعوب وليس مع مجموعة من المافيا التي تتعامل مع مافيا. .
إن الارتباك الروسي تجاه اثورات العربية المزعوم في بعض مقالات المحللين والمراقبين العرب حول الموقف الروسي يتجاهل ان روسيا لا يرى حق النقض الفيتو الروسي الصيني الذي منع الغرب وامريكا واسرائيل من الانقضاض على فريستهم القادمة سوريا ومن ثم ايران . وروسيا التي لا يمكن فصل سياسته في سوريا وليبيا عن فلسطين وسياستها تجاه صراع فلسطين من احل الحياة ايضا امام لغة الموت التي يستقبل فيها الغرب المتواطئ مع امريكا ، فهي التي حافظت ولا زالت تحافظ على حقوق الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية . وكان هذا في موافقة روسيا الغير مشروط لقبول فلسطين في منظمة اليونسكو . وفي ليبيا وغير ليبيا لم يكن هناك أي غموض في الموقف الروسي والخط الواضح الذي اتخذته روسيا في كل الأحداث التي مرت بها الدول العربية بدءا من تونس مرورا بمصر وليبيا وسوريا هو عدم التدخل الخارجي لتأخذ الشعوب العربية أنظمة و معارضة وتقرر مصيرها بيدها بدون تدخل خارجي ، ودون تدخل الأسلحة الفتاكة للدول الغربية التي لا تصل إلا لتسليح إسرائيل ودول حلف الناتو في الشرق ونقصد تركيا التي نصبت رادرارت لمراقبة الحدود الروسية الإيرانية السورية ، ولا يصل هذا السلاح الا لقاعدة امريكا في قطر التي ساهمت في “تحرير” ليبيا وحماية الديموقراطية” العشائرية” المنتقاة ليس عشوائيا على الطريقة القطرية التي تحالفت مع الناتو في قصف المدن الليبية وتدميرها لحماية “المدنيين ” من أصدقاء ورفاق نظام الطاغية بالأمس القريب الذين فجأة وبقدرة قادر تحولوا إلى التحالف مع فكر الشيوخ والأمراء والسلاطين الديمقراطيين القطريين الذين لا يورثون حكم ممالكهم و مشيخاتهم وأماراتهم لأحفاد أحفادهم ، وغيرهم من الديمقراطيين الأطلسيين الذين نشروا الحرية والديموقراطية في العراق بالقوة وجعلوه دويلات ديموقراطية أثنية عرقية متعددة على طريقة سايكس بيكو ؟!! .
ولم يقم الموقف الروسي على التدخل لا لفظيا او فعليا في شؤون الدول العربية الداخلية التزاما بالمواثيق الدولية والتزاما بمصالح روسيا التي من واجب القيادة الروسية الحفاظ عليها استراتيجيا وتكتيكيا برؤية ثاقبة بعيدة المدى أدت في النهاية إلى إفلاس و قرب انهيار الإمبراطورية الأمريكية .
وفي ليبيا حين اختطف الغرب قرارا دوليا جاء مضمونه واضحا وضوح الشمس هو” الحظر الجوي ” وليس القصف الجوي الأطلسي مما حدا بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالوقوف ووصف هذه الحرب دون لف او دوران ب”الصليبية” تعبيرا عن غضب روسيا ضد “الغرب الصليبي ” الذي لم يتدخل لصالح الشعب الليبي المعارضة او ما يسمى ب”الثوار “المسلحين او لحماية المدنيين الليبيين الذي قتل منهم أكثر من 150 ألف ليبي خلال ثلاثة شهور فقط ، هذا الأطلسي الذي كان له العلاقات الحميمة مؤخرا مع العقيد القذافي “مجرم الحرب ” كم وصفته وسائل الإعلام الغربية والقطرية
سقوط الإمبراطوريات والسياسة الروسية .
لقد تعرضت روسيا إلى غزو فرنسي عام 1805 مباشرة بعد ان جرب نابليون حظه عند اسوار عكا وعاد خائبا يجرجر اذيال الهزيمة من بلاد الشام وفلسطين ليعود ويغير وجهته الى العدو الشمالي الروسي الغني الواسع الأطراف طمعا بالسيطرة على هذا البلد للسيطرة العالمية وبناء حلما الإمبراطورية الفرنسية راسما خطوط حضارته فوق كل الحضارات ، هذه الحلم الإمبراطوري الذي تنافس للسيطرة على الشرق العربي وعلى روسيا الشاسعة مع الحلم والأطماع الانجلوساكسونية المتمثل بامبراطورية انكلترا التي لا “تغيب عنها الشمس “
بقلم :بروفيسور عمر محاميد , عضو الجمعية الإمبراطورية الأرثوذكسية الفلسطينية