تهمنا لغتنا ولكن تهمنا الحقيقة كذلك
تاريخ النشر: 19/06/14 | 10:56أعيد نشر هذا المقال بعد أن لاحظت كثرة القدح في أوضاعنا التعليمية والثقافية المحلية، وثمة من يبالغ في عرض الصورة السلبية لمجتمعنا، وكأننا لم نتقدم أية خطوة. وفي مثل هذا إجحاف لآلاف الناجحين والمتقدمين من أبناء مجتمعنا في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة.
ونحن أحوج ما نكون إلى قول الحقيقة وأن نصدق فيما نذهب إليه، فالحق أحق.
من هنا:
********
أجرت مجلة “سطور” المصرية حوارًا مع أحد أدبائنا من الناصرة (نيسان 1997).
وقد وردت فيه ملاحظات لا بد من بيان عدم الدقة فيها.
يقول الأستاذ (ج):
“فالجو الثقافي لدينا في الداخل مأساوي للغاية، فإذا سألت عن نجيب محفوظ لا يعرفونه، يوسف إدريس لا يعرفونه إن كان سوريًا أم مصريًـا.. أتحدث عن الشعب البسيط. من محمد زفزاف؟ من سعد الله ونوس؟ الله أعلم.. كأن هؤلاء من أهل القمر”.
**
لا أدري لماذا يقتصر علينا هذا ” الجهل ” نحن العرب في إسرائيل، وقد وضعت لفظة “الجهل” بين مزدوجتين، لأن هناك الكثيرين من رجال العلم والحاسوب والمواضيع التخصصية من بيننا- ممن لا يرون أية ضرورة في التعرف إلى الأسماء المذكورة كلها أو بعضها، ولو انتبه الأستاذ (ج) لألفى في نفس العدد من “سطور” (ص 11) مقالة للقاصة المصرية سلوى بكر تنعى الوضع العربي كذلك في مصر، فتقول: “بالأمس19/03/1997 وبينما كان الأديب جمال الغيطاني يتحدث في التلفزيون المصري جرى التعريف به كتابةً أسفل صورته على أنه الشاعر جميل الغيطاني، وهذا جرى على الملأ وبالحروف الواضحة من التلفزيون المصري، ولم يتم على لسان أحد من السابلة أو هوام العوام – بلغة ابن إياس- وقبل ذلك بفترة أجمع عدد كبير من طلاب جامعة القاهرة في استطلاع استبياني على أن نجيب محفوظ أهم ناقد في مصر”.
فلماذا يبغي (ج) إظهارنا وكأننا شواذ، أو أن لنا موقعًا مأسويًا خاصًا؟
مرة أخرى أحيل الكاتب إلى نفس العدد من “سطور” (ص 38) ليقرأ مقالة “التعليم في الوطن العربي” حيث سيتبين له أن النسبة العامة للأمية في الوطن العربي 43 %، وفي مصر بالذات تتجاوز الستين بالمائة، فهل تصل النسبة العامة للأمية بيننا من الجليل حتى النقب إلى خُمس ذلك؟!
واستمرارًا لهذا الإظهار المشوه لواقعنا، وكأننا نستحق البكاء علينا والرثاء لنا من دون عرب الله أجمعين- يقول الكاتب:
” أنا ادرّس في الجامعة، ومن بين ما أدرسه طرق تحليل النص، يقول لي الطلاب: نريد أن تقرأ لنا محمود درويش، فأقرأ لهم قصيدة له، وأفاجأ بأنهم يعجزون عن تحليلها.
لماذا؟ لأنهم لم يعتادوا تحليل النص الشعري. لأنهم لم يعتادوا قراءة اللغة العربية” … هكذا !!!.
أفلا يلاحظ صديقنا أن في قوله هذا غمطًا للكثيرين من طلابنا وخريجينا الممتازين؟ فهو لم يستثن أحدًا حتى طلابه في شفاعمرو الذين دعاني هو لحضور درس لسماعهم وللتمتع بمحاوراتهم، دعاني مفاخرًا بهم، وبعطائه لهم.
يمضي الأستاذ في بلوغ المبالغة فيقول:
“إن الصوت العربي يكاد يختفي. لا أحد يستطيع أن يتكلم اللغة العربية الفصحى أو حتى اللهجة المحلية، فالشباب يتكلمون العبرية…..”
**
إنني أعي أن الكاتب يقرع ناقوس الخطر، أو أنه يدعو للحفاظ على هويتنا وذاتنا العربية ذات الجذور والامتدادات…. إنه يخاف أن نتلاشى وأن نتهشم، فلا بأس أن يذود ما وسعته الحيلة وأسعفه الرأي، فله التحية على حرصه، فنحن جميعًا نخشى ما لا تحمد عقباه، ونحن جميعًا نرى ضعفًا في تحصيل العربية وآدابها.
ولكن ليتمّ ذلك بصورة معقولة وحقيقية، فلا تستبدّنّ بنا الحماسة فنجانف الموضوعية، وخاصة في حضرة أهلنا في العالم العربي الذين ما زالوا يسألوننا عن بدهيات وأوليات لا تشي بأنهم على صلة بينة بنا وبقضايانا.
حري بنا ألا نهول أمامهم في عرض حالنا، وكأننا ننتظر الخلاص منهم ومن أدبائهم.
والحق من وراء القصد.
* *بتصرف من مقالة بالعنوان نفسه وردت في كتابي “تمرة وجمرة”. ط2. باقة الغربية: مطبعة الهدى- 2005.
ب.فاروق مواسي