قراءة لـ مقبولة عبد الحليم الشاعرة المعاصرة
تاريخ النشر: 19/06/14 | 14:24زيتونة عملاقة متجذرة في البلاد المقدسة المباركة، شذا الأقحوان يهب من سفوح الجليل و أعالي التلال الخضراء، قطرة من مياه طبريا العذبة النقية، عبق الزعتر والميرمية والنعناع. نسيم البر و البحر حين يجتاح السهول والوهدان، تاركا آثار الوطنية والعزة والشموخ. تلك هي الشاعرة الراقية مقبولة عبد الحليم- شاعرة الجليل.
شاعرة عز نظيرها في زمن اختلط به الحابل بالنابل، وأصبح اللغو والهراء من مستلزمات بعض المجالس. شاعرة المبدأ والكلمة الصادقة، شاعرة التضحية والفداء. من يخوض غمار شعرها، يدرك بأنه أمام طود عظيم راسخ كرسوخ الشوامخ من الجبال. مكانتها محفوظة في قلوب قرائها و أعضاء صفحتها والمتصفحين. من النادر ان يجد المرء انسجاما ما بين الطلقة والكلمة، فكلمتها طلقة خارقة حارقة في وجه العتاة و في وجه الظلم والاستبداد.
تستثير الهمم و تحفز محبة الأرض في نفوس النشء، و كيف لا وهي وطن بحجم فلسطين، لا همّ لها إلا رؤية راية الوطن خفاقة عالية على أعلى ذرى. تكتب عن الانسان و الإنسانية و تنشر العدل والمساواة في كل أركان الكون، وتخص الأسرى بما تكتب، و تتماهى معهم و مع مطالبهم العادلة، ولا تفتأ تذكر الشهداء العظام الذين ضحوا بأعز ما يملكون في هذه الحياة.فالبلاد لا يحررها الا الشرفاء: فإن قضوا في سبيل الله فذلك ما يبغون، فقد طلّقوا الدنيا و لهوها و زينتها، وطمعوا بما عند الله تعالى.
كتبت للزهور والمروج الخضر والبحر والسهل. تتخذ من الحمائم رموزاً معبرة؛ هي من يبعث بالاشواق والحب للأسرى و يمسح جباههم السمراء بيد حانية. كتبت للقمر وناجته برقيق القول و جليل العبارة، و همست في اذن الربيع و شدت بأحلى الكلام و أبهى التعبيرات. ولا يفوتها تذكير الجيل المعاصر بمكنونات التراث الجميل الذي يحمل عبق الجدة، فلا تنفك تذكر الفخار و حوش الدار واللبنة البلدية والزيتون وشجرة الخروب والزنزلخت. أفبعد هذا التجذر والارتباط في الارض تجذر؟ ويعن في البال الدجاج البلدي و ” خم الدجاج ” و القمحات والتبن والصيصان البلدية. يا لها من صور بديعة تربطنا، و بقوة، بحياة البساطة والبركة واللقمة الهانئة.
تحمل الهمّ العربي و تعيشه و تشاطر أهله القسوة والمرارة و شظف العيش. فها هي تكتب عن معاناة الشعب السوري الشقيق مبتهلة الى المولى أن يفرج عنهم كربتهم. إنها تشعر بالبرد معهم إذ يفترشون الارض و يلتحفون السماء في ايام البرد القارس. و تكتب عن حرائر العراق وتفخر بهن: ماجدات عفيفات صابرات. وتحمل همّ الاقصى و تهيم في قدسيته و تعيش الاجواء الروحية فيه، وتكاد لا يهدأ لها بال، او يغمض لها جفن الا برؤيته محررا و حرا طليقا معافى مشافا.
” إن من البيان لسحرا، وإن من الشعر لحكمة”. إن كتبت الشعر، فقد نالت مرادها من القول، و إن كتبت نثرا، حققت مبتغاها كذلك. فهي تتفقد أبناء الحي والجيران والقربى لتشاطرهم أفراحهم. فتبعث بتهنئة رقيقة لهذا، و كلام طيب رقيق لذاك. ولا تنسى مشاطرة الزملاء من الشعراء إذ يتم تكريمهم. و تصر على حضور تكريم أحد الشعراء ” رجب الجوابرة- مخيم العروب ” و تفرح لفرحه و لسان الحال يقول:” كلما نبتت ريشة على جناحي النسور الصغيرة، فرحت بذلك النسور العملاقة “. لا تحرم الناس فضل عقلها و علمها و معرفتها، فهي الضيف و صاحب البيت في المركز الثقافي العريق. هناك تسكب ما في الجعبة بكل ثقة و ثبات و رباطة جأش. فهذه قصيدة ” مدد مدد ” التي تعتبر من المذهبات النفيسة، او إحدى معلقات العصر الحالي، لما تضمنته من بلاغة و صور بيانية و حسن سبك و جمال تعبير، و فوق هذا جمال الأداء بصوت ملائكي أخّاذ ينعش القلب و يرد الروح جمالا و ترجيعا.
ثكلته امه من لا تهزه كلمات الشاعرة العملاقة مقبولة عبد الحليم. يحار المرء من أي كوكب هبطت، و لأي برج تنسب. أهي تماهت في الشعر، أم الشعر تماهى فيها؟ لست أدري. قمة من قمم ” كفر مندا “، فالقاصي والداني يشير اليها بالبنان. تحترم الصغير والكبير، و لا تتوانى في مد يد المساعدة لمن يطلبها. فالكل يتسابق لقراءة ما ينشر لها من حسن القول. فعلى سبيل السرد لا الحصر، فقد زهت و تاهت مجلة ” أدب و أدباء ” بنشرها لبعض روائع شاعرتنا الفاضلة.
هي شاعرة بدرجة ” فارسة “. تمتطي الخيول المطهمة وتطوع أعنتها حسب المراد. شاعرة لا فض فوها ولا حرمنا الله من كلامها الرائع والراقي. فإن طلبتَ الشعر الوطني، وجدته بين ثنايا اشعارها، وإن طلبتَ الربيع و أزهاره، لم يخب ظنك و حدسك، و إن خطرَ ببالك شعر التراث والتقاليد الجميلة، عثرتَ على ذلك في اواني الفخار التقليدية، و تحتَ اشجار الخروب والزنزلت. لا بوركتْ أمسية شعرية لستِ فيها شاعرتنا الرائعة، مقبولة عبد الحليم، شاعرة الجليل.
يونس عودة
قليلة هي الكلمات التي تقال في حق استاذة و شاعرة عملاقة بقيمة و قامة مقبولة عبد الحليم. هي شاعرة الصدق و الكلمة الامينة، و هي التي تسمو بالكلمات لتاخذ القارئ فوق الغمام، لتريه من الابداع اللغوي ما يعجز عنه كثيرون. هي ابنة البلد الاصيلة و المؤصلة و صاحبة الواجب التي لا تنفك تسأل عن الجيران و الأصحاب اطمئنانا. و تشارك في الافراح و الاتراح، و تقول كلاما وطنيا رائعا. انسانة شريفة و تحب ارضها و تدافع عنها بكلمات قوية. هي بمثابة وطن برمته يدب على قدمين، و هي النجاح والأمل، و هي زروع البلاد و ثمارها اليانعة، وهي اشجار السنديان والصنوبر والزيتون. سلمت ايتها الشاعرة المتألقة و سلم يراعك الفياض.
الشكر الكبير للأديب الراقي يونس عودة الذي القى الضوء على جوانبًا كثيرة من أدبي وشخصيتي بكل صدق وموضوعية هكذا رأيت هذه القراءة التي أسعدتني جدًا …
ومن ثم لموقع بقجة الذي دومًا يشجع الأدب والأدباء شكرًا من القلب وقوافل ورد !