كيف تغلغل حبّ الكلمة إلى قلبي!
تاريخ النشر: 08/02/12 | 7:00تعود بي الذاكرة إلى الماضي، إلى سنوات عمري الغضّة التي شكّلت بداية حبّي وتعلّقي بالكلمة الجميلة المفيدة! أذكر تلك الأويقات العذبة، فمع انبلاج خيوط الفجر الأولى، ومع صياح الديك، اعتاد المرحوم والدي – طيّب الله ثراه – النهوض من نومه، فيبدأ يردّد الأدعية، ثم يتوضأ للصلاة، وما أن يسمع صوت المؤذن، حتى يهرع فيفرش سجادة الصلاة، ويشرع في تأدية صلاة الفجر، فأصغي بكلّ جوارحي– وأنا تحت اللحاف – لصوت أبي يتلو بخشوع ما تيسّر من آي الذكر الحكيم، فيمتلئ قلبي بحبّ الله وسحر آيات كتابه العزيز!
وأذكر، بعد أن تعلّمتُ القراءة والكتابة، دروس اللغة العربيّة الممتعة التي كنّا نتعلّم فيها النصوص النثريّة والشعريّة الجميلة!
في البداية كان المعلم يسجّل على اللوح بالطبشورة النصوص المدروسة، ثمّ يقرأها بصوته الجهوريّ قراءة معبّرة، بعدها يأتي دورنا لقراءتها بالتتابع، وبعد تلك القراءات يشرح المعلّم المفردات الصعبة والمعاني الغامضة، ثمّ يَطلبُ منّا نسخ تلك النصوص بأقلام الرصاص في الدفاتر، ويكلّفنا بحفظها عن ظهر قلب
والتدرّب على إلقائها بصورة جيّدة ومعبّرة ومؤثرة!
ولا أزال أتخيّل وأتصوّر قامة معلّمي “أبو حيدر” – له خالص الدعاء والوفاء – الممتلئة حيويّة وشبابًا، وصوته القويّ الرنّان بنبراته الجميلة الواضحة يتردد في أذني وهو يجلجل عاليًا يُلقي خطبة الحجّاج بن يوسف في الكوفة عندما ولاه عبد الملك العراق:
“أنا ابنُ جَـلاَ وطَلاَّعُ الـثّنايَـا مـَتى أَضَعِ العِمـَامَةَ تَعْرِفُوْني
يا أهل الكوفة، إني لأرى رُؤُوساً قد أينعت وحاق قِطَافُها، وإني لصاحبها…”
كذلك لا أنسى ذلك الإيقاع الصاخب، وتلك الموسيقية الرائعة المنبعثة من أبيات قصيدة المتنبي التي يمدح فيها بدر بن عمار الذي ضرب الأسد بالسوط عند بحيرة طبريا:
……..
أَمُعَفِّرَ اللَيثِ الهِزَبرِ بِسَوطِهِ – لِمَنِ اِدَّخَرتَ الصارِمَ المَصقولا
وَقَعَت عَلى الأُردُنِّ مِنهُ بَلِيَّةٌ – نُضِدَت بِها هامُ الرِفاقِ تُلولا
وَردٌ إِذا وَرَدَ البُحَيرَةَ شارِبًا – وَرَدَ الفُراتَ زَئيرُهُ وَالنيلا
مُتَخَضِّبٌ بِدَمِ الفَوارِسِ لابِسٌ – في غيلِهِ مِن لِبدَتَيهِ غيلا
………
تلك النصوص الجميلة التي سمعناها وحفظناها رسّخت في نفوسنا عشق اللغة العربيّة وحفّزتنا على طلب المزيد منها!
وأذكر تلك الفعاليّة المباركة التي قرّبتنا من روائع الشعر العربيّ، وعرفتنا بنماذج مختارة منه؛ فقد نهجت مدرستنا الابتدائيّة في كفر قرع عقد مباريات شعريّة بين الصفوف.
كانت المباراة تتمّ بين فريقين بحضور الطلاب والمعلمين، يبدأ أحد الطلاب من الفريق الأوّل بقراءة بيت من الشعر، فيردّ عليه طالب من الفريق الثاني ببيت شعر يبتدئ بحرف الروي لبيت الشعر الذي قرأه طالب الفريق الأوّل. وهكذا تستمرّ المباراة وسط حماس وتشجيع الطلاب والمعلمين حتى يعجز أحد الفريقين عن الردّ!
وكانت المدرسة توزّع الجوائز الرمزيّة على أعضاء الفريق الفائز – وهي عبارة عن أقلام رصاص أو دفاتر جديدة!!
كم كانت تلك المباريات ممتعة ومثريّة، ولا زلنا – طلاب المدرسة الأحياء! – نذكّرُ بعضَنا بها بفخر واعتزاز!
وكم شجّعتنا تلك المباريات على البحث والتنقيب والحفظ والتخطيط؛ حيث كنا نحرص على حفظ أكبر عدد من الأبيات الشعريّة التي تنتهي بنفس الحرف (الدال أو الضاد مثلا..) حتى يعجز الفريق المنافس عن الردّ بأبيات شعريّة كافية تبتدئ بذلك الحرف!
وأذكر كيف بدأنا نطالع الكتب الخارجيّة ودوافع ذلك:
في الصفين السابع والثامن من المرحلة الابتدائيّة أخذ معلّمو اللغة العربيّة يكلّفوننا كتابة موضوعات الإنشاء، وكنّا نتنافس في “تضمين” كتاباتنا بالجمل والعبارات والأقوال والأبيات الشعريّة التي اعتقدنا أنّها تضفي جمالا وعمقا للإنشاء، فتنال الحظوة والرضا من المعلّمين!
بدأنا نقرأ ونطالع في الكتب الأدبيّة وغير الأدبيّة – القليلة النادرة آنذاك – وننسخ منها ما يعجبنا من عبارات وأفكار..، وعند كتابتنا الإنشاء نقوم “بترصيع وتطعيم” موضوعاتنا بتلك العبارات والأفكار حتّى وإن جاءت مفتعلة ومقحمة!
وأذكر تجربة شخصيّة كان لها أثر كبير في حبّي للمطالعة والإقبال عليها:
كان الأستاذ المرحوم أبو حيدر يدرسّنا موضوع التاريخ في الصف الثامن، وقد
شدّنا بشرحه وعرضه لأحداث التاريخ وأبطاله، خاصّة عندما تناول أحداث الثورة الفرنسيّة ونابليون بونابرت وحروبه وخططه العسكريّة فيها.
ولما أحببتُ معرفة المزيد عن شخصيّة نابليون وسيرته ومعاركه، فقد أعارني الأستاذ أبو حيدر من مكتبته الخاصّة كتابّا عن نابليون.
وكم كانت سعادتي غامرة من استعارة ذلك الكتاب وقراءة جميع فصوله، ومشاهدة العديد من صور ذلك القائد العبقريّ!
يبدو، أنّ ما اختزنتْهُ ذاكرتي من هذه التجارب والفعاليات زرعت في نفسي الغضّة بدايةَ العشق للكلمة الجميلة والمفيدة والممتعة – المكتوبة والشفويّة – هذا العشق الذي ظلّ يلازمني ويرافقني حتّى يومنا هذا!
اقرا ايضاً في هذا السياق:*”من سيرتي الذاتيّة” د. محمود أبو فنه
بعد الحب والتقدير والاحترام لابي الغالي اود ان اقول ليتني مثلك يا ابي محبا للقراءة حبا جما وليت السبب في تغلغل حب القراءة الى قلبك منذ الصغر اصابنا.
اقولها وبصراحه كلماتك, سردك, تعابيرك, لغتك, شخصيتك, ثقافتك وتحصيلك, تربيتك, مفاهيمك ارائك ومبادءك هم السبب في تحفيزي انا على القراءه.
احب القراءه عامة والقراءة لك خاصة.
تحياتي لك يا ابي ولك منا جميعا امي واخوتي, زوجتي العزيزه يمنى والابناء يزن وناي دوام الصحه والتوفيق والمعنويات العاليه
تحية عطرة من الكرمل أقدمها للاستاذ الكريم د. محمود ابو فنة فأنا من متابعي كتاباتك وانتاجك الأدبي والحقيقة أني معجب بها جدا خاصة وأنك تتطرق إلى الماضي فمن نسى ماضيه لا حاضر له ولا مستقبل وعلينا ان لا ننسى الماضي بحلوه ومرّه .اما بالنسبة للمطالعة فهي غذاء الروح وهي المتعة الوحيدة التي لا زيف فيها فأنها تدوم عندما تتلاشى كل المتع الأخرى. امل ان تواصل في نشر أدبك الرائع لتمتع القراء..
استاذي واخي العزيز..حياك الباري وجمل ايامك بالسعادة والعطاء الكريم..
مقالتك جوهرية المضامين..تحثنا على المطالعة والقراءة العامة لاهمية الامر برقي
الامم والشعوب..
لي ملاحظة..نظرا لان السيرة الذاتية تعتبر جزء من تاريخ المجتمع يجب ذكر اسماء
المعلمين لتبقى ذكراهم واضحة لكل الاجيال..
اخي العزيز..ارفع اليك اجمل ايات الحب والتقدير..وفقك الله بمشروعك والى الامام..
تحيه للكاتب ابا سامي
تذكرني بزوجه الحجاج هند بنت النعمان بن بشيرالأنصارية حين قالت تلك الابيات ولم تدري بأن الحجاج كان خلفها
وما هندُ إلا مهرةٌ عربيةٌ سـليلة أفـراسٍ تحلَّلها بَغْلُ
فإن ولدت فحلاً فلله درها وإن ولدت بغلاً فجاء به البغلُ
تحياتي ومودتي على هذه الكتابه الرائعه , حلقه من حلقات سيرتي الذاتيه
ورحم الله الاستاذ والمربي الفاضل ابو حيدر طيب الله ثراه
تحيه للدكتور محمود ابو فنه…نعجز دائما امامك في التعبير عن ابداعك وعملك ومكانتك…ارجوا لك دوام الصحه والارتقاء…
أخي وصديقي الدكتور محمود أبو فنة ،
قرأت أمس مساء ما كتبت في مقالتك الثانية من السيرة الذاتية واليوم صباحا أفقت باكرا لأكتب إليك ما يدور في خلدي .
أعجبني في المقالة أسلوبك في السرد البسيط والصادق ورأيت فيه ما اصطلح عليه كثيرون: السهل الممتنع .
لفت انتباهي في المقالة المذكورة ثلاثة عناصر تتشكل منها ، وهي في نظري أهم عناصر يلزم مراعاتها عند كتاب هذا الجنس من السيرة الذاتية ، فهي تشكل توثيقا هاما لمرحلة عاشتها مجتمعاتنا في مرحلة سابقة وتجمع بين الخاص – الشخصي – والعام – المجتمعي . وتتضمن تقديرا صادقا وضروريا للمعلم – أبي حيدر _ في تنمية مواهب . كما تتضمن وصفا لمسار البحث عن كيفية تعزيز الموروث الثقافي واكتساب حب القراءة والكتابة والمعرفة . آمل مواصلتك ما ابتدأتَ به وأرجو لك كل توفيق وسعادة . ابراهيم مالك
الابن الغالي الحبيب المحامي هاني أبو يزن
كم أنا فخور بك وبأخوتك وبجميع الأحفاد والحفيدات.
ما أسعدنا – أنا وأمّكم الوفيّة – ونحن نراكم تتحلّون بالأخلاق
الحميدة، وتنجحون في حياتكم الاجتماعيّة والمهنيّة، وتبنون
الأسر السعيدة المتحابّة، وترعون الأبناء الرائعين الواعدين.
لكَ، لأخوتك، وللزوجة الفاضلة أمّكم – أم سامي، ولجميع أفراد
أسركم الغالين الأعزّاء:
خالص المحبّة والوفاء والتقدير.
أخي الكريم ابن الكرمل الأشم أبو جلاء.
أحيّيك على مشاركتك الرقيقة التي تؤكّد أنّنا
نشترك في إعلاء قيم التنوير والانفتاح والتجدّد.
وشكرًا من القلب لحسن ظنّكم وثقتكم، وآمل أن
يوفّقني الله في مواصلة مسيرة العطاء.
أخي الحبيب المحامي جمال أبو فنه
بوركتَ على ردّك الداعم، وملاحظاتك القيّمة.
لكّ ولجميع أفراد أسرتك الكريمة خالص محبّتي
وتقديري.
عزيزي المحامي رياض مصاروة
لك باقات عطرة من المودّة والتقدير
على تفاعلك الدائم والرائع لما أنشره
من نصوص، وعلى ما تطرحه من أفكار
وقيم بنّاءة.
مودّتي واحترامي
الناشطة الراقية بروين محاميد
جزيل الشكر لكلماتك اللطيفة المشجّعة.
لك خالص التقدير والاحترام
أخي وصديقي العزيز إبراهيم مالك الأديب الملتزم والمنتمي.
تعقيبك الراقي الحصيف يمنحني المزيد من الثقة والدعم لمواصلة
كتابة فصول سيرتي الذاتيّة، واللهَ أسأل أن يوفّقني في مسعاي.
لكَ، ولجميع أفراد أسرتك الكريمة وافر المحبّة والتقدير.
[…] الذاتيّة” د. محمود أبو فنه العناية الإلهيّة تحرسك! كيف تغلغل حبّ الكلمة إلى قلبي! منكما رضعتُ المبادئ […]
[…] وحاسمة “من سيرتي الذاتيّة” العناية الإلهيّة تحرسك! كيف تغلغل حبّ الكلمة إلى قلبي! اقرأ أيضاً في […]