لا نرى مخالب للرئيس عباس.. والانتفاضة الثالثة قادمة.. وعملية خطف المستوطنين فضحت الجميع
تاريخ النشر: 21/06/14 | 14:09لم نعد نفهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ليس لانه يتحدث بلغة غريبة علينا، فلغته العربية لا باس بها، وهو المدرس السابق، لكننا نتحدث عن المفردات والجمل ومعانيها التي يستخدمها والتي ليس لها علاقة في نظرنا من قريب او بعيد بالهم الفلسطيني في الوطن تحت الاحتلال او في المنفى.
قبل يومين واما اجتماع وزراء خارجية الدول الاسلامية في جدة كرس عباس جلّ خطابه لادانة خطف ثلاثة مستوطنين اسرائيليين، وقال ان هذه العملية وليس الاحتلال وجرائمه، تدمر الشعب الفلسطيني ومشروعه الوطني، وامتدح التنسيق الامني مع اجهزة المخابرات الاسرائيلية، وقال انه في مصلحة الشعب الفلسطيني، وجدد التعهد بمنع حدوث انتفاضة ثالثة، ولا نعرف ما اذا كان وزراء الخارجية المسلمين صفقوا له، او استهجنوا اقواله، وايا كان رد فعلهم فانهم لا فائدة ترجى منهم وحكوماتهم.
الرئيس عباس نسي، او تناسى، انه يتحدث امام وزراء خارجية من دول اسلامية، وليس، امام الكنيست الاسرائيلي، او حتى الكونغرس الامريكي، وكان عليه ان يستغل هذه المناسبة للحديث عن معاناة شعبه تحت الاحتلال وليس عن معاناة الاسرائيليين المخطوفين واسرهم وجرائم قوات الامن الاسرائيلية على خطف اكثر من 500 انسان فلسطيني بريء والزج بهم في السجون في اطار بحثها المسعور عن المستوطنين الثلاثة المخطوفين.
***
والاغرب من كل هذا وذاك، ان الرئيس عباس، وفي تصريحات جديدة، ولكن امام مؤتمر لابناء “رام الله” هذه المرة، فاجأنا مرة اخرى بالقول انه اصبح للقيادة الفلسطينية “اسنان” و”مخالب” للدفاع عن الشعب الفلسطيني وتحرير ارضه بالعقل والحكمة، واظهر حرصا غير مسبوق على المستوطنين الثلاثة المخطوفين وتمنى عودتهم سالمين، ولكنه لم يترحم على ارواح الطفلين اللذين قتلتهما القوات الاسرائيلية وهي تداهم البيوت مثل الذئاب الجائعة المتعطشة للدماء في مدينة الخليل ومدن اخرى.
لا نرى “انيابا” ولا “اسنانا” للسلطة التي يتزعمها الرئيس عباس، رغم ان نظرنا سليم جدا، ولا نحتاج الى عدسات مكبرة، بل نرى استسلاما وخنوعا للاحتلال الاسرائيلي، وتعاونا “مجانيا” مع قواته الامنية لمطاردة الشرفاء، وتكسير ارادة الاسرى المضربين عن الطعام في سجون الاحتلال وهم بالآلاف.
المخالب والاسنان التي يتحدث عنها الرئيس عباس مخالب واسنان وهمية غير موجودة الا في مخيلته، ولا نرى قوات الامن الفلسطينية التي تدافع عن الشعب الفلسطيني بـ “العقل والحكمة” تمنع مداهمة بيت واحد او اعادة اعتقال العشرات من الذين افرجت عنهم السلطات الاسرائيلية في صفقة الافراج عن الجندي الاسرائيلي غلعاد شاليط.
واذا افترضنا جدلا ان هذه الاسنان والمخالب هي تلك التي تتمثل في حصول السيد عباس على عضوية فلسطين المراقبة في الجمعية العام للامم المتحدة، فليتفضل بالتوقيع على طلبات الانضمام الى المحكمة الجنائية الدولية مثلما طالبه ذراعه الايمن صائب عريقات، لمحاكمة مجرمي الحرب الاسرائيليين امامها، وهذه الخطوة لا تحتاج الى اسنان او مخالب او حتى اظافر.
خطف الشبان الثلاثة، وايا كانت الجهة التي تقف خلفه، الدولة الاسلامية او حماس، هز الدولة الاسرائيلية وجذورها الهشة، واصاب قادتها في مقتل، وبث الرعب في نفوس الاسرائيليين، وزاد من طول طوابيرهم امام السفارات الاجنبية بحثا عن مخرج.
قوات الامن الاسرائيلية التي قال قادتها انها تعرف كل مليمترا في الضفة الغربية وقطاع غزة ثبت عمليا انها “اكذوبة كبرى” لم يصدقها غير الرئيس عباس والمجموعة المحيطة به، فالخلية التي نفذت عملية الخطف فضحت اسطورتها الوهمية، وكسرت هيبتها المزعومة مثلما فضحت دموية قطاع عريض من الاسرائيليين خاصة الصفحة التي استقطبت عشرات الآلاف منهم على الفيسبوك، وتطالب باعدام عربي كل ساعة حتى يعود المخطوفون الاسرائيليون الثلاثة، هؤلاء هم الذين تسهر قوات الامن الفلسطينية على حمايتهم وارواحهم تحت مسمى التنسيق الامني.
اسرائيل تقيم حواجز عسكرية في كل شبر من الضفة الغربية المحتلة، وتطلق العنان لطائرات “الدورنز″ وتجند آلاف العملاء والعسس، وتدس فرق المستعربين في اوساط السكان، وتتبادل المعلومات والمهام مع قوات الامن “الفلسطينية”، ومع ذلك تنجح الخليه الخاطفة في اختراق كل هؤلاء وتصل الى الشبان الثلاثة، وتخفيهم في مكان لا يستطيع دود الارض معرفته ولاكثر من اسبوع، وحتى لو تم اكتشاف مكانهم من خلال تواطؤ قوات الامن “الفلسطينية” واطلاق سراحهم، فان حالة الرعب في اوساط الاسرائيليين والارتباك في صفوف قواتهم الامنية، والحرج الكبير الذي وقع فيه نتنياهو وجنرالاته، تكفي كلها لتأكيد نجاح عملية الخطف هذه، واعتبارها انجازا كبيرا لمن خططوا لها ونفذوها حسب ما تقوله ادبياتهم.
***
مرة اخرى نطالب الرئيس عباس بان يتحدث اللغة التي يفهمها الانسان الفلسطيني البسيط والمحاصر والمهان، او يلتزم الصمت وهذا هو الحد الادنى لان اللغة التي يتحدث فيها لا يفهمها الا الاسرائيليون وداعميهم، ولكنهم لا يحترموها، والقطط السمان من الفلسطينيين المنتفعين من السلام الاقتصادي الذي بذر بذوره توني بلير مبعوث اللجنة الرباعية، ومعروف من هو بلير ولا نحتاج الى الاسهاب اكثر.
اخيرا نطالب الرئيس عباس ان “يلجم” وزير خارجيته “المزمن” رياض المالكي، الذي يرش الملح على الجرح الفلسطيني الملتهب بتأكيده على معارضة اي انتفاضة ثالثة، وتهديده لحركة “حماس″ بالغاء المصالحة اذا ثبت وقوفها خلف عملية الخطف هذه، ويكرر استعداد السلطة للبحث عن الخطوفين، والمساعدة في العثور عليهم.
الشعب الفلسطيني، مثل كل الشعوب العربية، هو الذي يملك الاسنان والمخالب، وهو الذي سيدافع عن نفسه ويحرر ارضه ويقيم دولته، اما الرئيس عباس فاسنانه “لبنية” هذا اذا وجدت اساسا.
بقلم عبد الباري عطوان