سلطان
تاريخ النشر: 22/06/14 | 10:43اعترف بأنني لست قارئًا عاديًا، عندما ينتهي من الكتاب الذي بين يديه يغلقه ويعيده إلى مكانه في المكتبة. لا. إنني ولله الحمد اقرأ بشغف الكاتب الذي يكتب. هكذا اصبحت مع الوقت وكم تحسرت على كتب قرأتها في مكتبات عامة لم أستطع أن أجلبها معي وأحتفظ بها. فما كنت أدونه على الدفاتر لم يكن ليروي ظمأي الشديد.
في احيانًا كثيرة ألقي نظرة على الدفاتر المكدسة والمليئة بجمل وحكم وقصص كنت أداب على نسخها من كتب قرأتها. هذه عادتي في القراءة. أن اسطر، وأن اضع خطًا تحت الجملة التي تلفتني.
ذات مرة عندما كنت اقلب صفحات دفاتري الغنية بالجمل والعبارات والقصص القيمة وقع نظري على قصة بديعة رواها الدكتور “مصطفى محمود” في كتابه (رأيت الله) وهي قصة حقيقية ألا وهي قصة الأسد “سلطان” الذي اغتال مدربه المدعو “محمد الحلو” وقتله غدرًا في احد عروض السرك بالقاهرة. وما نشرته الصحف بعد ذلك من انتحار الأسد في قفصه بحديقة الحيوان واضعًا نهاية عجيبة لفاجعة مثيرة من فواجع هذا الزمان.
وأن اكثر ما استوقفني في قصة “سلطان” هو ذلك الشعور بالندم ووخزات الضمير التي اوصلت هذا (الحيوان) إلى وضع حد لحياته عن طريق اضرابه عن الطعام وانطوائه على نفسه وعضه لجسده حتى نزف ومات واضعًا بذلك خاتمة حزينة لقصة ندم من نوع فريد.. ندم (حيوان) أعجم وملك نبيل من ملوك الغابة عرف معنى الوفاء واصاب منه حظًا لن يصبه الآدميون أنفسهم.
فأن في هذه القصة درس بليغ يعطيه (حيوان) للآدمية التي تقتل وتأكل لحوم الملايين كل يوم من دون أن تشعر ولو بوخزة صغيرة من وخزات الضمير الذي لم يعد موجود في زماننا هذا سوى في كتب قواعد اللغة العربية.
محمود عبد السلام ياسين