تحليل قصة قصيرة لزكريا تامر
تاريخ النشر: 22/06/14 | 12:30أجرى طلابي للقب الثاني امتحانًا في الأنواع الأدبية كان بين أسئلته أن يقرأوا نص الكاتب زكريا تامر، ويظهروا مدى توافق النص مع مقومات القصة القصيرة جدًا مع التطرق إلى فنية الصياغة. وقد اخترت لهم نص “انتظار امرأة” من مجموعته (الحصرم. إصدار رياض الريس- 2000- ص 55).
أحببت أن أطلع متابعيّ على إبداع طالبتين من طلابي، وهما معلمتان للغة العربية.
وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
القصة:
…………..
انتظار امرأة – زكريا تامر
ولد فارس الموّاز بدون رأس، فبكت أمه، وشهق الطبيب مذعورًا، والتصق أبوه بالحائط خجلاً، وتشتت الممرضات في أروقة المستشفى.
ولم يمت فارس كما توقع الأطباء، وعاش حياة طويلة لا يرى، ولا يسمع، ولا يتكلم، ولا يتذمر، ولا يشتغل، فحسده أناس كثيرون، وقالوا عنه إنه ربح أكثر مما خسر.
ولم يكفّ فارس عن انتظار امرأة تولد بغير رأس، حتى يتلاقيا، وينتجا نوعًا جديدًا من البشر آملاً ألا يطول انتظاره.
إجابة الطالبة إخلاص حيدر- عبلين
…………………………………….
زكريا تامر (المولود في دمشق عام 1931) شاعر القصة العربية القصيرة المميز، برز في كونه ساخطًا، لأنه يرى السواد القاتم في مجتمعنا، إنه يرنو إلى إصلاح الحال، وهيهات! يصبو الكاتب إلى الإطاحة بالظلم كي ينمو مجتمع جديد خالٍ من الشوائب.
من هنا فإننا نرى عالمه القصصي الخصيب عالمًا غضًا جميلاً لا يضاهي الواقع برغم أنه مصُوغ من مفرداته، ولا يحاكيه بالرغم من أنه يكشف لنا قوانينه الداخلية العميقة، تؤكد مفارقته لعالم الواقع ومرافقته الحميمة له في آن، فمن يتأمل قصصه بقدر من العمق يدرك أنه لا يتحدث فيها عن إنسان مجرد، وإنما عن الإنسان العربي، السوري غالبًا، وهو يعاني من الفقر المادي والمعنوي، وتعذبه أشواق مؤرقة إلى عالم نظيف وهادئ ومليء بالمنطق والعدالة يستوعب ملامح الحساسية الوليدة في وعاء فني يتواءم معها.
وقد يجيء الطرحُ السياسي من خلال قصتنا كلغة هامسة تُدين أحزاب التسلط، التي لا تقيم وزنا للإنسان واحتياجاته، حيث يُطلعنا على مأساة إنسان ولد دون رأس، فعاش سعيداً!!، ويتمنى هذا الشخص أن ينتج شعباً من السعداء بلا رؤوس!! وعاش حياة طويلة لا يرى، ولا يسمع…… ولا يتذمر، ولا يشتغل.
أجد ان في هذه القصة القصيرة جدًا “انتظار امرأة”- كما أصنّفها نوعًا أدبيًا له مكانته الادبية،حيث انها تعتمد عنصر التركيز والتكثيف، وسرعة التوصيل واللجوء الى ذهن المتلقي وذكائه ليعرف ما تم حذفه أو ما تم الإيماء به وإضماره، فالقارئ هنا مشارك يفسر النص من مرجعيته الثقافية والنفسية، تدخل القارئ إلى فضاء الشعر وإلى إيحاءات وتساؤلات وجو من تقنية المفارقة، التي تقوم بتضخيم كل شيء والمبالغة فيه، وتستخدم فكرة المسخ والتحول مع سائر الكائنات والجمادات- كما كان يحدث في الأساطير القديمة، وتنبني على المفارقة التي يحققها، وذلك في جمعها بين الخارق والمألوف وانطلاقها من الواقع، كما نجد فيها الاختلالات المتمثلة في الشخصيات غير السوية التي تصدر عنها أحداث وأمور غريبة تثير الدهشة والفزع.
استعان كاتبنا زكريا تامر بهذه التقنية حتى صارت ركنًا أساسًا لا يفارق أعماله القصصية، فهو يضخم الشخوص والأحداث ويمزج الواقع بالخيال، ويمسخ الإنسان إلى حيوان أو نبات “بدون رأس…. ولم يمت ” أو جماد ويؤنسن-إن صح التعبير- الحيوان والنبات والجماد، ويأتي بنماذج بشرية مختلة ومشوهة تأتي بالغرائب “والتصق أبوه بالحائط خجلاً، وتشتت الممرضات في أروقة المستشفى”.
كذلك اعتمد الثنائيات التي تدخل القارئ إلى الاغتراب والتوتر، ولد فارس الموّاز بدون رأس…. ولم يمت فارس كما توقع الأطباء…. عاش حياة طويلة، ربح أكثر مما خسر، فالقصة برموزها تحول الانتباه عن جريان المحكي، وتخلق انزياحًا، وتدعو إلى الانشغال بهذه الرموز والصور. وبالالي فهو تعبير عن الحياة المعاصرة وعصر العولمة السريع، عصر الماديات وتناقل الرسائل السريعة بما قل ودل من الكلام الموجز المعبر، والاقتصاد في القول، واعتماد الايحاءات.
أرى ان القصة القصيرة جدا وليدة القصة القصيرة والقصيدة، فهي عالم بحد ذاته، له مواصفاته ومقوماته الخاصة به. له مميزاته رغم انها (القصة القصيرة جدًا) تتقاطع بعض خصائصها مع الأجناس الأدبية الأخرى.
يبرز في قصة تامر الحدث والفعل: ولد.. فبكت.. في الموقف، فرأينا الاقتصاد في قليل الأقل من الكلمات والدلالات والموحيات ومعها المفاجأة التي تصل الى حد الاثارة وتحفيز مخيلة القارئ وهواجسه تجاه ما يقرأ ويتفاعل معه وينفعل به. وبذلك يتم توسع آفاق التخيلات والأفكار التي تثير الوازع التفكير الاستنتاجي الناقد، والتصريح الإبداعي- “فحسده أناس كثيرون، وقالوا عنه إنه ربح أكثر مما خسر”.
أجد توظيفًا لحركية الأفعال في الإيقاع السردي، وخاصة ما يكون منها في تتابع الزمن الماضي (ولد.. فبكت..وشهق والتصق وتشتت)، لكن الفعل قد يخرج عن معناه الحقيقي إلى استعارات أو إيقاعات، فهذا ما نجده في الشعر، كما نجد أسلوب التعبير عن البوح بشفافية، أو الوقوف ضد ما يؤلم بتصوير عاطفي من الشعر أيضًا.
ثمة تقنيات متنوعة في النص كاعتماد الرموز والتناصات وبث السخرية (انتظار امرأة تولد بغير رأس) والتشخيص والمجازات، وتجنب التطويل في الوصف الذي يثير التشويق لدى القارئ. فقد وجدت النص هنا يكتب بطريقة تمزج بين السرد والشعر، وبين الوضوح والغموض، منفتحًا على لغات الشعر والموسيقى والحلم واللون، ويفتح الطريق اأام انفراج المعاني وتعددها وانبثاق لذة القراءة وقلقها من خلال خرق المألوف وإثارة عنصر الدهشة الجميلة السريعة:
“وعاش حياة طويلة لا يرى، ولا يسمع، ولا يتكلم، ولا يتذمر، ولا يشتغل، فحسده أناس كثيرون، وقالوا عنه إنه ربح أكثر مما خسر.”
تخلّل القصة عنصر الفانتازيا (التي تعني العجائبية أو الخيال المصور- كما ذكر معجم مصطلحات الأدب)، حيث وجدنا في القصة تقنية وطريقة في الحكي يختلط فيها المحال بالممكن، والواقعي بالخيالي، والخارق بالمألوف، وذلك بطريقة مقلقة تجعل المتلقي يتردد في تفسير الأحداث. والفانتازيا في الحقيقة لا تفارق الواقع، إذ إنها تنطلق منه وتجعله مطية لها لا لمحاكاته أو تأكيده، بل لتفجيره وهتكه وإبراز تناقضاته: “ولا يتكلم، ولا يتذمر.. فحسده أناس كثيرون، وقالوا عنه إنه ربح أكثر مما خسر،…عن انتظار امرأة تولد بغير رأس، حتى يتلاقيا.
الشخصيات أو أبطال (تامر) عامة ذوو طباع حادة وغريبة: “والتصق ابوه في الحائط خجلاً”، أو هم ذوو صفات باردة أو جامدة لا حياة فيها، وسلوكهم غالباً مستهجن وغير مفهوم للوهلة الأولى، وربما كان غير منطقي البتة: “ولم يكفّ فارس عن انتظار امرأة تولد بغير رأس”، وبعض هذه الشخصيات يدخل الحدث فلا يغيِّر الحدث فيه شيئاً، وبعضها يدخله فيَغَيَّر ويُغيِّر الحدث معه، بل قد يصنع انعطافة مفاجئة فيه. لذا فالشخصيات (التامرية) شخصيات فنية ورامزة وغير نمطية. وإذا كان بعض أبطال هذا الكاتب يظهرون وهم في أزمة، فلأن وضع البطل في الأزمة هو الوسيلة الأنجع لرسم الملامح، والطريق الأقصر لإبراز الأفكار والنموذج المختار من أدب (زكريا تامر).
معرفة مظاهر السرد (التامري) يمكن أن تتم من خلال فحص ثلاثة عناصر هامة، هي:
_ الإيقاع الموسيقي، لا يرى، ولا يسمع، ولا يتكلم، ولا يتذمر، ولا يشتغل.
– السخرية، فحسده أناس كثيرون، وقالوا عنه إنه ربح.
– الشخصية القصصية، ” ولد فارس الموّاز… والتصق أبوه.. وتشتت الممرضات.. عن انتظار امرأة تولد بغير رأس، حتى يتلاقيا، وينتجا نوعًا جديدًا من البشر آملاً ألا يطول انتظاره”.
مع الإشارة الباكرة إلى أن هذه العناصر قد نجدها في قصة واحدة جميعاً، وقد نجد واحداً منها أو اثنين، وقد يغيب واحد أو اثنان. هذا السرد مثال على سرْد مُفْعَم بالمعاني، وأدب ضاجٍّ بالرموز والدلالات والإشْكالات أيضاً، وهذا سرٌّ من أسرار العظمة والخلود في الآداب.
أخيرًا، فإن النص “انتظار امرأة” الذي أراه ضمن هي القصة القصيرة جدًا يتجلى كومضة خاطفة للفكر السريع، حيث ظهرت القفلة المحكمة للقصة تنطوي على سخرية مبطنة من تلك السلطة الغاشمة، ففيها يكمن التنوير النهائي للقصة، وهي الّلمسة الأخيرة التي تمنح الكشف عن الشخصية، أو السلوك، أو المعنى. وفيها الشك أن فضاء هذه القصة التي تفضح أداء سلطة غاشمة مجهولة توزع الهواء على الناس على هواها، وتتحدى طبيعة الخلق وإرادة الخالق، كما أن القفلة المحكمة للقصة تنطوي على مفاجأة قد تثير السخرية أو الابتسام أو الارتياح أو حتى القلق والتساؤل حول انتظار امرأة تولد بغير رأس، حتى يتلاقيا، وينتجا نوعًا جديدًا من البشر آملاً ألا يطول انتظاره”.
اعتمد الكاتب على الاقتصاد اللغوي ليوحي ويرمز إلى ما هو غير مصرح به خلال استخدام الكلمات والأفعال، حيث يؤدي ذلك إلى الانتقال السريع في عصر السرعة وعصر التكنولوجيا الذي نفتقد فيه إلى التعايش عن قرب مع الشعور والتعاطف مع ذاتنا ومع غيرنا، وذلك جرّاء التقنيات الحديثة التي احتلت فكرنا وقيّدت قراءاتنا. إنها صورة واقعية عن النفس البشرية التي تولد وتنشأ في المجتمع العربي المتأزم الذي تخنقه التناقضات والفروقات الاجتماعية، هذا المجتمع الذي يحيا في عصر العولمة الآلي التكنولوجي الذي طمس معالم الروح الانسانية ليرفع من شأن الماديات، من خلال العرض الموجز المختزل للواقع الأليم؛ ذلك لأن الادب عملية انعكاسية للحاضر والواقع الذي نعيشه، وفق الظروف المتاحة التي يشعر بها الكاتب، ويدوّنها في قصصه من خلال اإبداع التفكيري في كتابة القصة القصيرة جدًا، فنراه يسعى ببراعة إلى الكشف عن تطويع المادَّة القصصيَّة لإمكاناته التَّعبيريَّة الخلاَّقة، وفي تعريته أبعاد القبيح السُّلطوي ممثلة بالدِّين، والجنس، والسِّياسة، التي دعا القاصُّ إلى الاجتراء عليها، كمحظوراتٍ تعمل على تقزيم الإنسان، وعلى منعه أخذ دوره الصَّحيح في الحياة.
لذا أجمل حديثي بأن النوع الادبي “قصة قصيرة جدًا ” أن الكاتب يبث ما يختلج في صدره بما فرضت عليه الظروف الحياتية الراهنة.
أخلص إلى القول:
لا شك أن القصة رمزية.. تحمل في طياتها رسالة تشاؤمية هادفة تريد إيصال الأفكار لقارئها، من خلال مدلولاتها المؤلمة لواقع الانسان الذي يعيش بلا رأس مفكر وبلا ذهن مبدع، وبأسلوب السخرية الظاهرة: يمكن له أن يعيش بنوع من السعادة، لأن الهَم كبير، ويحتار ويتعب فيه ذو الرأي الرشيد، فالشخص ذو النقص العقلي والقدرة التفكيرية البناءة المحدودة يعيش طيلة الدهر دون أن يشعر بالألم النفسي الذي يشعره العاقل الرشيد البالغ، إذ أنه يتفانى ويموت تدريجيًا جرّاء الاضطهاد الفكري والسياسي والاجتماعي والأخلاقي والديني الذي غزا بيوتنا من خلال وسائل القمع الوطني والاستعماري لذاتنا ولوطننا، كذلك من خلال تصوير الاحتلال القامع الذي نقل فيروس العنصرية وسياسة التمييز بين شرائح المجتمع العربي الساذج.
فارس المواز: للاسم دلالة ورمز للمواطن العربي الذي يريدونه بلا تفكير بلا رأي لا يستطيع ان يغير الواقع، فارس “بطل”، وأي فارس هذا، وقد ولد بلا رأس رغم كل هذا يعيش…(كما تريد ذلك منا الأنظمة والحكام العربية) هذا الحاضر المرتبط بعمله (موّاز)، أما المستقبل فلن يأتي، ولا ينتظر من أبنائه إلا من يولد مثله بلا رأس وعيون وتفكير.. لا يرى لا يسمع لا يتكلم فهو يبحث عن امرأة مثله مشوهة (حاضر مشوه…ومستقبل مشوه) ليلتقيا ولينجبا وليسيرا على طريق الإذلال شأن من سبقوا ومن سيلحقون!
وأما عن الناس الذين يحسدونه على هذا التشويه الفكري فهم المثقفون والسياسيون والمطاردون من قبل الأنظمة العربية التي تلاحقهم المخابرات والذين يقبعون في السجون….الذين يسبحون ضد التيار!
أسأل الله ان يغير الحال للأحسن وأن يعزنا جميعًا.
إجابة الطالبــة- سينا مخلوف- قلنسوة
**************
ليس ثمة ما يغري بالكتابة مثل نص إبداعي قادر على أن يقارب الواقع ليفارقه، يستند إليه ليتجاوزه، في لغة تبدو فيها القصيدة أوسع أفقًا من سمائها، والقصة ذاتها أرحب دلالة من واقعها، وهذا بالطبع لا يتوفر إلا في القليل الاستثنائي من الإبداع، ومن غير شك فإن زكريا تامر الطائر الذي انطلق من دمشق ليعانق الإنسانية، يعد واحدًا ممن ينتمون إلى هذا القليل الاستثنائي، لما فيه من جدة وأصالة وتفرد وإصرار على التجديد.
يطرح زكريا تامر في قصة “انتظار امرأة” مشكلة إنسان يولد دون رأس، وهو يفتح أمامنا سؤالًا على مصراعيه: من هو هذا الإنسان؟ هل هو مجرد إنسان عادي؟ أو أنه هوية للإنسان في العام الجديد الذي لا يقيم وزنًا لرؤى الإنسان وأحلامه؟
في عالم زكريا تامر القصصي يزداد الواقع البسيط غنى وتعقيدًا، ويبلغ في كثير من الأحيان حدًا من التكثيف يجعل النص السردي لا يتجاوز أسطرًا معدودة، مما ينتج قصة قصيرة جدًا قادرة على أن تمزج الحلم بالواقع، والأسطورة بالحياة، والأصيل بالمعاصر، مما يجعل الخوض في هذا النوع من القصص مغامرة محببة، إضافة إلى أنني، شخصيًا، أميل إلى هذا النوع الأدبي القادر على حمل الهموم المختلفة من اجتماعية ووطنية وقومية وإنسانية.
من خلال التعمق والاكتناه في ثنايا الكلمات يجيء الطرحُ السياسي عبرَ لغة هامسة تُدين أحزاب التسلط، التي لا تقيم وزنًا للإنسان واحتياجاته.
في قصة “انتظار امرأة”، يُطلعنا زكريا على مأساة إنسان ولد دون رأس، فعاش سعيدًا!!، ويتمنى هذا الشخص أن ينتج شعبًا من السعداء بلا رؤوس!!
يتناول الطرحُ السياسي قضية آنيةً يتفق عليها الجميع، مثل قضية المعاناة المستمرة والمستبدة، ولعل هذا ما يقصد به زكريا في عنونة القصة “انتظار امرأة” أنه يبحث عن الخلاص، ولكن أي خلاص هذا الذي يعيد الكرّة.
فارس الموّاز- وللاسم دلالة رمز للمواطن العربي الذي يريدونه بلا تفكير بلا رأي لا يستطيع ان يغير الواقع، ففارس هو موّاز وفارس معًا، ولد بلا رأس رغم كل هذا يعيش (كما تريد ذلك منا الأنظمة العربية) هذا هو الحاضر.
أما المستقبل فلن يأتي ولا ينتظر من أبنائه إلا من يولد مثله بلا رأس وعيون وتفكير..لا يرى لا يسمع لا يتكلم، فقمع الفكر والوعي قبل أن يولد يؤكده فارس الموّاز الذي وُلد بدون رأس.
فهو يبحث عن امراة مثله مشوهة (حاضر مشوه…ومستقبل مشوه) ليلتقيا!
تقع المقاومة في هذا التصور في أسر الهزيمة النفسية، بحيث لا تستشعر معاني العزة والكرامة والحق والعدل، فأن تولد المقاومة بدون رأسٍ فذلك يعني أن يتم اختراق بناها الفكرية والأيدولوجية، والعبث بثوابتها، ووضع سقف لتطلعاتها وآمالها.
قدم زكريا في هذه القصة صورة تقرع أذهاننا، وذلك إذ افترضت شكلًا آخر من التعامل مع عناصر النثر الحكائي من زمن ومكان وشخصيات، وتعاملت مع لغة الحكاية بشكل أكثر تكثيفًا وإصرارًا على الطاقة الفعلية للجملة.
من هنا فإن القصة استطاعت أن تقول الكثير، وأن تحمل العديد من الرؤى والدلالات المباشرة المفتوحة على دلالات أكثر اتساعًا.
لا بد أن نقرر أن الصعوبة ظاهرة في النص، فالكاتب زكريّا حمّل نصّه كل تلك الشروط- “الفكرة، والحدث من خلال التقاط لحظة الومضة، والشخصية، والمكان، والزمان، والعقدة الدرامية، ثم تصاعدها للوصول بها إلى الحلّ.. ويقدح شرارة المفاجأة والإبهار والدهشة في مخيّلة المتلقّي، إضافة إلى الجمل الوصفية، والكلمات الرشيقة، واختيار المواضيع التي تهمّ المتلقّي، إلى ما هنالك من شروط إضافية محببة ومشوِّقة” كل ذلك في جمل قليلة، ومضغوطة لا تسمح باستئصال كلمة واحدة، وإلا تفكك النص، وأصبح خبرًا غريبًا.
نرى أنَّ القصة شفافة وعميقة في ذات الوقت، وبها همّ الحياة السياسية الاجتماعيّة ومفارقاتها، وُلد،التصق، عاش….
هذه الإيحاءات والرمزية المشوقة، التي ترسخ في النَّفس معنى الحياة حيث استخدام المقابلة في العنوان، “انتظار” وفي نهاية القصة ظهرت كلمة “انتظار”- الأمر الذي يجعلنا نرى أنفسنا في حالة حصار، فالنص محاصر كحصار الوطن وحصار العقل، وقد أدى توظيف الأفعال في حركية درامية إلى تفاعل يجول بحركة دائرية، مما يضفي جوًا قصصيًا مكثفًا بالمعنى، بالإضافة الى خلق جو مفعم بالعواطف المتباينة التي سرعان ما تستقطب موقف المتلقي.
عرض: ب. فاروق مواسي
شكرا جزيلا هذه كانت اسألتي وانتم اجبتموها
السلام عليكم لديا بحث حول تحليل نص قصصي لزكريا تامر في ادب الطفل اجو المساعدة
???
تحليل عميق ودقيق. كل الشكر