الشاعر أحمد دحبور العاشق الأبدي لـ "حيفا"
تاريخ النشر: 18/02/12 | 10:18أحمد دحبور من ينابيع الشعر الفلسطيني المعاصر المقاوم وأحد أعمدة الحركة الثقافية الفلسطينية الراهنة، فهو شاعر وناقد وباحث وموسوعي وقارئ جاد وسياسي ومثقف واسع الإطلاع ، وصاحب مواقف سياسية وفكرية تقدمية واضحة.
جاء أحمد دحبور إلى الدنيا في عروس الكرمل حيفا في 21 نيسان من العام 1946 وغادرها في العام 1948 مع اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا وشردوا من أرضهم ووطنهم ، وشب وكبر في مخيم حمص في سوريا وعاش فيه إحدى وعشرين سنة، وكان لحياة المخيم بكل ما يمثله من فقر وفاقه وحرمان وبؤس وضياع، تأثير في تكوينه النفسي والاجتماعي والسياسي والشعري. وكان أحمد من أوائل العائدين إلى الوطن المحرر بعد اتفاقات “أوسلو” وأول ما قام فيه زيارة حيفاه التي بقيت ماثلة أمام عينيه ولم تبرحهما بالمرة .
عمل أحمد دحبور كمحرر سياسي في (وكالة وفا) فرع سورية ، وكمحرر أدبي ، ومديراً لتحرير مجلة “لوتس” حتى عام 1988، كما عمل مديراً عاماً لدائرة الثقافة في “م . ت. ف “، ورئيس تحرير مجلة “بيادر ” التي كانت تصدرها الدائرة .
نظم أحمد دحبور الشعر مبكراً ونشر بواكير قصائده في مجلة”الآداب” اللبنانية، وفي العام أصدر مجموعته الشعرية الأولى “الضواري وعيون الأطفال” التي تنضح بالهموم الشعرية الإنسانية وتفوح منها رائحة خليل حاوي.
وفي عام 1971 أصدر مجموعته الثانية “حكاية الولد الفلسطيني” التي أكدت انحيازه السياسي للثورة وطنياً وطبقياً ، وجسدت الحالة الفلسطينية في مخيمات اللجوء والتشرد ، والهموم والمواجع السياسية ، وعبرّت عن موقف المجتمع من المرأة. ثم جاءت مجموعته “طائر الوحدات” لتحكي المعاناة الفلسطينية وتطرح الاسئلة المريرة حول المراحل التي مرت فيها الحركة الوطنية الفلسطينية.وبعد ذلك “بغير هذا جئت”(1977) ،و”اختلاط الليل والنهار” (1979) ،و”أحد وعشرون بحراً” (1980) ،و”شهادة بالأصابع الخمس (1982)،”هكذا بيروت”(1990).
عاصر أحمد دحبور المأساة الفلسطينية وعاش رحلة العذاب والتشرد الفلسطيني بكل خلجة شعورية من خلجات قلبه ، وتقطع ألماً ومرارة، ونما في داخله الشعور الوطني والروح القتالية، فأسهم بقلمه وفكره في النضال الوطني التحرري وفي الثورة الفلسطينية ، وشكلت قصائده سلاحاً ثورياً وزاداً روحياً للمقاتلين والمدافعين عن أشرف وأقدس قضية.
أحمد دحبور يكتب ليس حباً في الكتابة فحسب وإنما يؤمن بالكتاية كرسالة وإلتزام للدفاع والذود عن قضايا شعبه الوطنية والطبقية وسلاح ثقافي بتار في معارك التحرير والإستقلال، وهو كشاعر ثوري وتقدمي ملتزم يرى في القصيدة جسداً كاملاً ومزيجاً بين لغة الحلم ولغة الواقع.
وفي أشعاره يبرز أحمد دحبور بطاقة هوية انتمائه الطبقي والإنساني والحزبي وانتصاره للفقراء والجماهير الكادحة ..فيقول:
يجيء المخيم في أول الليل أو آخر الليل
أين التقيتك منة قبل سيدتي
أين الأهل ؟
فلسطين قائمة ما أقامت فلسطين
والفقراء فلسطين
والأنبياء فلسطين
والمقبلون
وانفقت حزني على الذكريات فضاق المخيم
وسعت بقلبي فجاءت قوافل مسبية تترسم دربي
وأطلب يحيى
فيختلط الحزن بالبرق
أين التقيتك من قبل سيدتي
فضت عن حاجة الحزن
فأتسعت في الخلية عيناي
حزب محبي فلسطين والكرة البشرية
باللهجة العربية
هل كنت في ذلك العرس سيدتي؟
وفي قصائده تمتزج الموسيقى الهادئة مع الألفاظ المنتقاة والمعاني العميقة والمنسابة:
آن للمخيم الهوان أن يغور
آن للأرض التي ضبتها تموت أن تدور
آن لي ..وآن..
هكذا إنتزعت بندقية من أسرها فأنتزعتني من مخيم الهوان من رآني سيداً لغبطتي وقهري.
إن إبداع أحمد دحبور تعود إلى تجاربه الحياتية الغنية التي اتسمت به شخصيته الأدبية ، فحياة التشرد والغربة والبعد عن الوطن عمّقت تفاعله مع الحياة وأمدته بإحساس قوي ورؤية صادقة لها ، وبنفس تواقة للصدق والمحبة العارمة والعشق الدائم للوطن ولحيفا وبحرها وللمخيم والإنسانية المعذبة.
والخلاصة ، أحمد دحبور شاعر أصيل ملتزم يتصف شعره بالصفاء والعذوبة والصدق وبالحب العميق للإنسان فوق كل أرض ، وتمجيد الإرادة الفلسطينية الحقيقية والروح الوثابة الطموحة الباحثة عن الخبز والفرح والمتعطشة للحرية والمستقبل المشرق.