أن تكون معارضا
تاريخ النشر: 06/11/10 | 5:52بقلم – فضل احمد مرة – كفرقرع
نعيش في زمن ضيّقت فيه السلطات، بشتى أشكالها وعلى مختلف منزلاتها، على حريات الأفراد في المجتمع ومن قول الكلمة بحرية دونما فرض التضييق والخناق على صاحبها، وأنزلت شتى أنواع التنكيل على كل من سوّلت له نفسه أن يغني خارج السرب.
هذه الحالة تراها قد استشرت في شتى مناحي الحياة، إن كانت السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية. كما ترى أنّها قد أصبحت عرفًا في مختلف مرافق الحياة. خذ مثلا، الأسلوب الذي يتعامل فيه الأب مع أبناءه في البيت، أذ أنّه يزرع فيهم منذ الصغر بذور الطاعة بمهنية متناهية النظير كما أنّه يصل بهم في مرحلة معينة إلى قناعة تبلغ حتى الإيمان المطلق انه السلطة العليا التي لا تُناقش ولا تُحاسب وأنّ قوله هو القول الفصل وأن لا مبدل لكلماته.
كذلك الأمر لو نظرنا إلى المعلم في المدرسة، فهو يمثل بالنسبة للطالب السلطة والمرجعية التي لا يمكن مناقشتها أو معارضتها، فإن سوّلت لك نفسك فالويل كل الويل إذ يبدأ التهديد والوعيد وكلنا يعرف ما الورقة التى يلوّح بها الأستاذ.
أما على المستوى السياسي للأمة، فحدث ولا حرج. فما زالت الأمة تعاني من نير طغيان حكامها الذين نهشوا عظامها وتركوها تترنح تحت حمى الاستبداد الذي لم يُبق للفرد مجالاً لطرح موقفه دون استئذان، وحتى وان سولت له نفسه بالاستئذان فلا يدري العاقبة.
هذا عدا عن كون كثير من الأحزاب المعارضة في العالم العربي ما زالت تعاني من وطأة الدكتاتورية في أحزابها وتنتهج سياسة تكميم الأفواه وتكريس سياسة الرجل الواحد. هذه الأحزاب وان سُميّت معارضة، كونها تقف في الطرف المقابل للحكومات، بنظري لا يمكن أن نعتبرها بأيّ شكل من الأشكال أحزاب معارضة. إذ أنّ انتهاجها، في تسيير جماعتها، نهج السلطة الحاكمة يعد تكريسا لسياسة هذه السلطة وزحفا نحو تحقيق مآربها من تجهيل للناس وإحكام السيطرة عليهم.
فالسلطة الحاكمة والأحزاب التي تقف في الطرف المقابل، بمجملها، تمثل شعوب الأمة وكافة شرائح المجتمع، وتعبّر عن هموم القطاعات المختلفة للمجتمع وتشكل بشكل من الأشكال تجليا لمنظومة الأفكار التي تؤمن بها كل شريحة من شرائح المجتمع. فالسلطة الحاكمة في بلادنا، هذه الأيام، تعتبر ممثلا لهموم الجلادين والمتجبرين، وحزب معارض يعتبر ممثلا لهموم المضطهدين، وثالثا ممثلا لتطلعات المتعلمين وهكذا دون أن ننسى إمكانية أن تجتمع في حزب واحد إمكانية تمثيل شرائح مختلفة.
فإن كانت أحزاب ما يسمى بالمعارضة تنتهج هي الأخرى في التعامل مع المنتمين إليها نهج السلطة في تعاملها مع شعبها، فهذا إن دلّ على شيء إنّما يدل على أنّنا كمجتمع ما زلنا نتبنى منظومة من الأفكار تجعلنا أشد البعد عن تغيير الواقع الذي نحن عليه، فان كنا قد يأسنا من الحاكم وأخرجناه من دائرة حساباتنا منذ زمن ليتجلى لنا لاحقا أنّ من يعارضه ينتهج نهجه فعلى الدنيا السلام.
خذ مثلا، أحد الحركات في الداخل الفلسطيني، أذ وصلني من أحد أتباعها مفاخرًا أنّ الحركة لا يوجد فيها عملية ترشيح لرئاسة الحركة إنّما يأتي أو يُرسل ممثلو الحركة في كل بلد على أوراق مكتوب فيها اسم الشخص الذي يرونه بنظرهم انسب لقيادة الحركة وبناءًا عليه يتم الاختيار، معللا ذلك بالشرع! ويبدو انهم يقومون بذلك من باب طالب الولاية لا يولى! فهذا عمليا يكرس أشخاصًا معينة دون غيرها لتتولى زمام القيادة ويهمش أصحاب كفاءة لأن لا مكان لان يقوموا بعرض أنفسهم وبرنامجهم وتصوراتهم.
لذلك، لكي تكون معارضًا، فردًا كنت أو حزبًا، فلا يكفي بأن تشتكي ليل نهار السلطة وتسلطها ودكتاتوريتها، إنّما يتوجب عليك أن تتبنى منظومة من الأفكار مغايرة تمامًا لتلك التي تتبناها السلطة في عالمنا العربي، منظومة أفكار يمكن أن تؤسس لتغيير الواقع الذي نحن فيه، منظومة من الأفكار تؤمن بالحرية والعدالة والنقد والنقد الذاتي والمحاججة بالبرهان وغيرها… والويل كل الويل لنا إن تسترنا وراء نصوص تستخدم في غير مكانها لتكريس الواقع الذي نحن فيه.
بجنن ابن عمي بالتوفيق
بارك الله فيك يا ابن بلدي الطيب…. مقالك هادف وبناء تطرقت فيه يا اخ فضل لواقع مرير نعيشه هنا وهناك في العالم العربي ككل حيث تتبع سياسة من الدكتاتورية، سياسة تكميم الأفواه وسلطوية افراد معينين. وهذا اسلوب نمط حياة مدمر للفكر والمشاعر فتكثر وتتزايد حالات العنف ومبادرات التخريب انتقاما وغيظا في السر اكثر منها علانية مخافة التهديد والوعيد من عقابات مؤلمة…نفقد حينها روح الإنتماء والعطاء، روح التعبير والمواجهة، وتموت روح المثابرة والعمل المخلص المتفاني من أجل تقدم ورقي البلد والوطن…. لذا لا بد من تغيير في امور عدة نبدأها بذات الفرد نفسه قائدا ورعية، بمنظومة افكار فردية وعامة تؤمن بالحرية والعدالة والنقد والنقد الذاتي البناء والموضوعي حتى لا نغرق في بحر من الجهالة والضياع بكل مفاهيمه..