مع الشاعرة منى ظاهر
تاريخ النشر: 01/07/14 | 10:32في احتفال جامعة تل أبيب مؤخرًا لتوزيع شهادات اللقب الثاني (الماجستير) على خريجيها
حضرت للاحتفاء بجواهر زوجة ابني منجد، وقد حصلت على الإجازة باللغة الإنجليزية.
الجميل والمفاجئ كذلك أنني التقيت الشاعرة منى الظاهر، وقد أجيزت بتفوق في موضوع اللغة العربية.
سررت بها، خاصة وأنني رافقت مسيرتها الشعرية في بواكير كتابتها، وكنت قدمت لديوانها الثاني – (ليلكيات)، بل كنت عضوًا في لجنة جائزة الإبداع، فأوصيت أن تحظى بها، فحظيت باستحقاق.
إليكم مقدمة الكتاب الصادر في الناصرة سنة 2001
مقدّمة كتاب ليلكيّات
…………………….
وشمها على جدار الزّمن
سألت زميلًا باحثًا: ها أنت استشهدتَ في دراستك بأبيات غامضة لا تمتّ إلى موضوعك بِصِلة.
قال: هذا جزء من اللّعبة، أتريدني أن أقتبس من شاعر لا يعرفه محرّر المجلّة؟ حتمًا سيلقي بمقالتي جانبًا.
قلت في نفسي:
ما أحرانا أن نقرأ الشّعر غُفْلاً- من غير اسم صاحبه- حتّى نصقل ذائقتنا الشّعريّة، أن نتروّى في القراءة أكثر ممّا ننقاد إلى الذّاكرة.
* * *
ولكنّي أمام شاعرة تشقّ طريقها، أقرأها هنا من غير معرفة مسبقة، فاقرأ معي:
وتظلّ خفقاتي
ترسُمُكَ
لوحةً زيتيّةْ
إختلطت ألوانُها.
* * *
ولأنّك
تفجّرُ هدأتي
بصَمتِكْ
تتناثرُ الألوانْ
وروحي
تضيعُ ضفيرةً
في بربريّتكْ.
* * *
وإيقاع الزَّمنِ
يعزفني
مقطوعةً
همجيّةً
حضاريّةْ (قصيدة “بَصَمات”)
الخفقات ترسم الحبيب لوحة (صورة وليست مجرّد استعارة)، والحبيب صمته يفجّر هدأتها وتتناثر الألوان (امتداد للصّورة بحركيّة فيها تناقض حدثيّ)، ومع ذلك فمثل هاتين الصّورتين تظلّان مألوفتين بما فيهما من حسّيّة لونيّة وصوتيّة وحركيّة.
ولكن عندما تقول الشّاعرة: “الرّوح تضيعُ ضفيرةً في بربريّتكْ” تنقلنا إلى أجواء جديدة، فالصّامت أضحى بربريًّا، وانطلقت بهذه اللّوحة إلى حالة تطبيقيّة، فالضّفيرة تضيع، والزّمن في إيقاعه أخذ يعزف المحبوبة مقطوعة فيها كلّ المفارقات- فيها الهمجيّة والحضارة في آنٍ، فيها الحُبّ الإنسانيّ، ولا أظنّ أنّ الصّفة الأولى في بدائيّتها وفطريّتها تقلّل من إنسانيّة الحُبّ الصّميمة.
إقرأوا معي مقطوعة ثانية، وقبل ذلك انتبهوا إلى الأفعال المضارعة الّتي تؤدّي معنى الانسياق والاستمراريّة:
تجرحُني الكلماتُ
والصّمتُ
يُغَلّفُ آهاتي.
يُقلّبني الفِراشُ،
يلوّعُني اللّيلُ
وأهدابُ المساءِ
تُجرّحني.
* * *
ودمي الأبيضْ
يلامسُ جَفْنيكَ
وأنتَ
تعتَصِرُ قلبي..
تتجمّدُ أصابعي
زجاجةً فارغةً
تتركني.
* * *
شمسي تجنح للغروبْ
وأنتَ
يا حُبُّ
وشمٌ على جدار زمني
(قصيدة “وشم”)
الصّمت في هذه المقطوعة هو الّذي يغلّف آهاتها، وحركيّة الأفعال بتواترها تفجّر هذا الصّمت، فتوصله إلى معانقة خياليّة وجدانيّة ليبقى الحُبّ وشمًا على جدار زمنها.
**
إنّ الشّاعرة تكتب بإيجاز وببساطة، وفيها تمرّد ساكن أو سكون متمرّد. وقصيدتها الأخيرة هذه تذكّرني بما كتبته شاعرة فلسطينيّة أخرى- اسمها جديد كذلك هو “روز شوملي” في ديوانها “للنّهر مجرى غير ذاته”، تقول:
وضعت قذيفة صمتها على حائط
رأينا كلّنا الحدث
وضعت عصفورة عشّها
في المكان ذاته
لم ينتبه أحد
لماذا يكون الموت
أوضح في شمس الحياة.
الصّمت والحائط والشّمس ألفاظ مشتركة، والحُبّ لديهما يبقى وشمًا على جدار الزّمان، هو بقاء وخلود مهما يكن.
……………..
وأخيرًا،
ستظلّ “منى” في محاولاتها الوجدانيّة معتنقة صورة الحُبّ “زهرة نقيّة وتستحمّ على وريقاتها سيمفونيّة نديّة”.
ستظلّ أشواقًا أصيلة مفعمة باللّوعة- هذه اللّوعة الّتي تحاول أن تقاوم الفُرقة كما الزّمن، فهذه بعض كلماتها أو لوحاتها، ولنا أن نقطف ما يحلو.
……………………………………………
مقدمة ديوان منى الظاهر: ليلكيّات.النّاصرة 2001-.
بقلم: د. فاروق مواسي