حوار مع المؤلف والناقد المسرحي عبدالكريم برشيد
تاريخ النشر: 04/07/14 | 23:25المسرح المغربي في حاجة اليوم أكثرمن أي وقت مضى إلى حوارالمكاشفة وشفافية الحقيقة من أجل تعرية مكامن الألغام المزروعة من تحت ركح أبي الفنون .. ولكي نشفي غليل أسئلتنا كان علينا أن نطرق باب أحد أقطاب النقد والتأليف المسرحي بالمغرب الدكتورعبدالكريم برشيد لما عرفنا عنه من صراحة جريئة ونادرة وثقافة أكاديمية مسرحية وتراثية مغربية وعربية واسعة وأيضا مما خاضه على الخصوص من معارك مع أبي الفنون منذ أن صدع ببيانه الأول قبل أربعة عقود حول “المسرح الإحتفالي” إلى آخربيان ناري أطلقه يوم 8 يونيه الجاري بعنوان “نداء إلى المسرحيين المنبوذين” والبقية من البيانات آتية من دون شك .
ولمعرفة المزيد عن خبايا غابة برشيد المسرحية وعن أسباب محطات التمرد وعلامات التفرد في سيرته المسرحية وبعض مظاهرعلل المسرح المغربي الراهن وأخيرا عن إخفاقات السياسة الثقافية بالمغرب أجرينا معه هذا الحوار.
س : بداية شكرا لكم على قبول دعوتنا لإجراء هذا الحوار وكما يقول المثل العربي “الأمور بخواتمها” قمتم يوم الجمعة 27 يونيه بتوقيع إصداركم الأخير الموسوم ب”الصدمة المزدوجة ⁄المسرح والحداثة” نود منكم لو تفضلتم باختصار بسط أهم محاورهذا المنجز النقدي المسرحي الجديد؟
ج : يأتي هذا الكتاب الجديد في إطار مشروع نقدي كبير، ولقد كان من المفروض أن يصدر قبل كتاب (التأسيس والتحديث في تيارات المسرح العربي الحديث) ولكنه جاء بعده بشهر، والكتابان معا يحيلان على الكتب التي سوف تأتي مستقبلا، والتي هي كتاب ( التيار التجريبي في المسرح العربي) و(التيار التأصيلي في المسرح العربي) و(التيار التأسيسي الاحتفالي في المسرح) وسيكون هناك كتاب سادس للخلاصات والاستنتاجات العامة.
ويتألف كتاب الصدمة المزدوجة من فاتحة وخاتمة بالإضافة إلى الفصول التالية: فصل: من التمثيل إلى المسرح، وفصل التمثيل الاجتماعي والتمثيل المسرحي، وفصل التمثيل المختلف في الثقافات المختلفة، وفصل المسرح في درجة الحداثة، وفصل تجارب وأسماء ومشاريع، وفيه أتحدث عن تجربة المسرحي القطري حمد الرميحي وعن تجربة المسرحي المغربي محمد تيمد وعن تجربة المسرحي العراقي جواد الأسدي وعن تجربة المسرحي الفلسطيني راضي شحادة وعن تجربة المسرحي العراقي صلاح القصب وعن تجربة المسرحي المغربي الكبير أحمد الطيب العلج.
ولقد كان المثقفون في مدينة الدار البيضاء على موعد مع حفل تقديم هذا الكتاب والذي شارك في قراءته ومناقشته الأساتذة كمال فهمي وعبد السلام لحيابي ود. المختار العبدلاوي ود.عبدالرزاق بلال ود. ندير عبد اللطيف وأحمد جليد وإبراهيم وردة وبوشعيب الطالعي وجناح التامي، وقد تم اللقاء في مركز ( مدى) بمدينة الدار البيضاء وبتنظيم من الصالون الأدبي فيل وآرت ومركز مدى.
س : أيضا دكتورعبد الكريم برشيد تضمن أحد أعداد مجلة “دبي الثقافية” لهذه السنة كتابا مرفقا لكم بعنوان “التأسيس والتحديث في تيارات المسرح الحديث ” في 270 صفحة ومن خلال العنوان يبد وأن هذا الكتاب ينفتح في مقاربته النقدية على المسرح العالمي في كونيته وأنطولوجيته كيف كانت أصداء هذا الكتاب على المستوى العربي؟
ج : لعل أجمل ما في كتاب ( دبي الأدبية) هو أنه يوزع على نطاق عربي واسع، ولقد كان كتاب ( التأسيس والتحديث في تيارات المسرح العربي الحديث) محظوظا بلا شك، لأنه وصل إلى كل من يهمه الأمر، ولقد وصلتني من كل العالم العربي استفسارات وتساؤلات عن الكتاب، وعن معنى التيارات، وعن مناهجها وفلسفاتها وعن سياقاتها التاريخية ومرجعياتها الفكرية والجمالية.
س : بعلاقة المسرح مع الحلقة ـ سيدي الكتفي ـ سلطان الطلبة والمسرح العمالي وأيضا بساحات الهديم وبوجلود وجامع لفنا هل مازال العرض المسرحي اليوم في زمن الوسائطية الرقمية، قادرا على الحفاظ على بعض حميمية هذا المشترك في علاقته المباشرة بالمتلقي على الركح؟
ج : الأساس في المسرح أنه حاجة من حاجات الإنسانية النفسية والروحية والاجتماعية، وأعتقد أن هذه الحاجة مازالت موجودة إلى حدود هذا اليوم، ومن المؤكد أنها ستظل قائمة وموجودة، مادام هذا الإنسان موجودا، ومادام محافظا على إنسانيته وحيويته ومدنيه وروحه الاحتفالية والتعييرية، وفي المسرح نحيا حياتنا، ونعبر عن هذه الحياة بعفوية وتلقائية، وفي هذا المسرح نضحك أحيانا، ونعير عن هذا الضحك الساخر بالكوميديا، وفي هذا المسرح نحزن أيضا، ونعبر عن هذا الحزن بالتراجيدا، وهذا ما يعطي المسرح حقيقته، ويجعله فنا خالدا ومتجددا.
ويخطئ من يقارن بين المسرح والوسائط الرقمية، لأن المسرح ليس صورة تنقل، وليس معلومة ترحل، وليس فرجة نتفرج عليها، لأنه لا أحد موجود في هذا المسرح إلا نحن وحياتنا، ومتى كان الإنسان يتفرج على حياته؟
في المسرح نحضر، ونؤكد على هذا الحضور، وفي المسرح نلتقي لأنه لا يمكن أن نغلق علينا الأبواب، وأن نعوض حضور الناس بالتفرج على صورهم عن بعد، وفي المسرح نعيش الحالات والقضايا الساخنة والحارة، وفيه نكون فاعلين ومتفاعلين، بدل أن نكون سلبيين ومنفعلين ومستهلكين، وبهذا يكون المسرح هو الحقيقة، وتكون كل الوسائط الرقمية مجرد صور متحركة، وكما يقول أحمد الطيب العلج في إحدى أغنيه ( الصوره خيالووخيالو ماشي بحالو(
المسرح إذن، هو التلاقي الإنساني، وهو تظاهرة اجتماعية لها علاقة عضوية بفضاء المدينة وبمناخها وبطقسها، وهذا ما يجعله فنا لكل العصور ولكل المراحل التاريخية، ويجعله قابلا لأن يتعايش مع كل الثقافات ومع كل اللغات.
وينبغي ألا ننسى أن هذا المسرح هو أدب أولا، وأنه بهذا كلمة مكتوبة ومقروءة، وأنه نص عابر للقارات وعابر للعصور والدهور، وأنه من الممكن أن نستمتع بالمعاني وبالصور وبالموسيقى وبالحالات وبالمقامات وبالحوارات التي في هذا النص.
والمسرح فن ثانيا، والصحيح أن نقول هو مجموعة فنون متضامنة ومتحدة، وفيه تحضر الكلمة والحركة، ويحضر الصوت والصمت، ويحضر الفراغ والامتلاء، ويحضر الناس والأشياء، وتحضر الأزياء والأقنعة، ويحضر الرقص والغناء، ويحضر الإلقاء والإنشاد.
والمسرح ثالثا، مكان في المدينة له هندسة معمارية خاصة، وهي الهندسة التي استعارتها دور السينما، وحافظت عليها ولم تضف إليها شيئا مهما، ولهذا المكان ـ البناية دوراجتماعي شبيه بما تقوم به الساحة في المدينة، وبما تقوم به الحديقة العمومية، وبما تقوم به المدرسة والجامعة، وبما يقوم به المسجد والمعبد، وبما تقوم به المصحة النفسية أيضا.
وهذا المسرح، رابعا، هو بالتأكيد فضاء عام، أو هو بيت جماعي، وبيت من لا بيت له، وفيه يمارس المواطن الشعبي مواطنته، وهو بهذا برلمانه الذي يطرح فيه قضاياه الحقيقية، ولعل هذا هو ما يفسر أن يرتبط مولد المسرح في اليونان بمولد الديمقراطية، وأن يكون هذا الفن ـ العلم مدرسة لتعلم أصول المواطنة الحقة.
س : من دون شك أن النقاد والباحثين المغاربة في المجال المسرحي أكثرإنشغالا واشتغالا وأوفرعطاءا مقارنة مع باقي النقاد في الدول العربية الأخرى إلى ما تعزى هذه الدينامية ثم أليست أزمة المسرح إحدى محركاتها الرئيسية؟
ج : حقا، المغاربة أكثر عطاء وأكثر واقعية وأكثر موضوعية وجدية في مجال النقد المسرحي، لأنهم ينطلقون أساسا من الحس النقدي السليم، ومن الوعي النقدي الشامل، ومن السؤال النقدي الدقيق، ويعتمدون على العقل إلى جانب اعتمادهم على النقل، والشك في قراءتهم النقدية شيء أساسي، وهم اليوم يقفزون على القراءات الوصفية وعلى القراءات الأخلاقية وعلى القراءات الإيديولوجية، وينبغي أن لا ننسى أن المناخ العام الذي ينكتب فيه المسرح المغربي، إبداعا ونقدا وتنظيرا وتأريخا، هو مناخ فكري ساهم في إيجاده مجموعة من المفكرين المغاربة نجد على رأسهم عابد الجابري وطه عبد الرحمن وعبد الله العروي وعبد الكبير الخطيبي ومحمد سبيلا و وغيرهم كثير.
س : لنعد شيئا ما إلى عقود حيث لا يمكن لأي صحفي أو باحث أن يلج غابة عبد الكريم برشيد الفيحاء من دون أن يتحدث عن “دوحة الاحتفالية” التي تخفي الغابة، كيف تنظرون اليوم على بعد أربعة عقود من إطلاق بيان “المسرح الاحتفالي” وما هي حصيلة أم المعارك هاته في تاريخك المسرحي؟
ج : هذه الاحتفالية لم تظهر من فراغ، وهي أساسا رؤية ورؤيا، وهي تفكيروتصور، وهي فعل وانفعال وتفاعل، وهي جزء ساسي وحيوي من تاريخ المغرب الحديث، ولا يعقل أن نتحدث عن المسرح العربي من غير أن نتوقف طويلا عند أفكارها واقتراحاتها وإبداعاتها وبياناتها ومواقفها ومعاركها التي دامت أربعين سنة.
وهذه الاحتفالية، تعيش اليوم عمرا جديدا من أعمارها المتعددة والمتلاحقة، فبعد العمر التأسيسي الذي عاشته في السبعينات، نجدها الآن تعيش عمر التمدد والتعدد، وتحيا زمن التجديد والارتقاء، وإذا كان فعل التأسيس واضحا وظاهرا للعيان، فإن فعل التجديد يتم داخليا في الخفاء، ولهذا فإن كثيرا من العيون لا تراه، فالفلسفة الاحتفالية تزداد مع الأيام اتساعا، ولقد عبرت عن هذا من خلال كتاب ( فلسفة التعييد الاحتفالي) والذي صدر عن منشورات توبقال، كما عبرت عن فلسفتها الأخلاقية في ( بيان ما معنى أن تكون احتفاليا) والذي صدر ضمن ( بيانات عمان للاحتفالية المتجددة) كما عبرت عن رؤيتها للأغنية الاحتفالية، التي أسسها الشاعر والزجال والمسرحي الاحتفالي محمد الباتولي، وقد جاء هذا في بيان مسرحي جديد لم ينشر بعد، وهو يحمل عنوان ( بيان الأغنية الاحتفالية)
وفي مجال الإبداع فإن هذه الاحتفالية لا تتوقف عن الإدهاش والاندهاش، ومسرحياتها حاضرة في كل العالم العربي، ويخطئ من يجسدن هذه الاحتفالية في أجساد أشخاص، لأن كل الأجساد مطلوبة للرحيل، ولكن الأفكار باقية، ومن حق أي مسرحي أن يختلف مع هذه الأفكار، وأن يقترح غيرها، ولكنه ليس من حق أية جهة أن تصادر هذا الإرث الإنساني العام، والذي هو ملك لكل الإنسانية في كل زمان ومكان.
س : الاحتفالية هي في العمق احتفاء بالموروث وبالمشترك وكل التجليات الأنتربولوجية في المجتمع وهي بالتالي الأقرب إلى الذاكرة الجمعية من أي تيار آخر، أين إذن تكمن جيوب مقاومتها إذا كانت تجعل من المحلية هدفها الأسمى قبل العالمية ؟
ج : أعترف لك، بأنني أمام هذه الجيوب المقاومة للمد الاحتفالي لا أملك اليوم جوابا جامعا ومانعا، وأعرف بأنني لا أملك في مجال التفسير والتحليل لهذه الظاهرة الغربية والعجيبة سوى الاندهاش والاستغراب، وأرى ضروريا أن أنطلق من الأسئلة الأساسية التالية، السؤال الأول هو: أين وصلت هذه المقاومة اليوم، وهل حققت أي فتح علمي أو فني في هذه المقاومة؟
أما السؤال الثاني فهو: ما طبيعة هذه المقاومة، وهل هي فعلا مخالفة علمية وفكرية وجمالية، أم إنها مجرد تدافع حساسيات وأنانيات غير سوية، ولا شيء غير ذلك؟ وأما السؤال الثالث فهو: من يكون هؤلاء الذين عاكسوا هذه الاحتفالية، وما هو وزنهم وحجمهم الحقيقي، وما هي إضافاتهم الفكرية والفنية في الحركة المسرحية المغربية والعربية؟
وأجد أن هذه الأسئلة تؤدي بنا جميعا إلى الحقيقة التالية، وهي أن هذه المقاومة كانت ( لعب عيال ) كما يقول المصريون، وأنها لم تكن ـ في حقيقة الأمر ـ تعاكس هذه الاحتفالية، ولكنها كانت تعاكس روح الحقيقة، وكانت تعاكس العقل والمنطق، وكانت تعاكس الواقع والتاريخ، ولعل هذا هو ما جعلها محصورة في المغرب، ولم تستطع أن تجد لها أي صدى على المستوى العربي، بدليل أنه لا أحد من النقاد المسرحيين العرب الكبار، قد شكك في قوة وجدة وجدية وفي مصداقية الحركية الاحتفالية، ويكفي أن يحتفي بها شيخ النقاد المسرحيين العرب د. علي الراعي، وأن يقر بخطورتها الفكرية والجمالية كبار المسرحيين العرب، وأن تدخل المدرسة المغربية من خلال نصوصها الإبداعية ومن خلال بياناتها وكتبها، وأن تقتحم الكليات والمعاهد المسرحية في كل العالم العربي، وأن يحتفي بها الإعلام المكتوب والمسموع والمصور، وأن تظل أكبر موضوع مسرحي على امتدادا أربعة عقود كاملة.
كما يمكن أن نخلص إلى الحقيقة الثانية التالية، وهي أن هذه المقاومة كانت تعبيرا عن مراهقة سياسية، وأنها كانت تعبيرا عن نقص في التفكير، وكانت تعبيرا عن بؤس في التقدير، وكانت رفضا لفعل الاجتهاد الفكري والمسرحي، وكانت سباحة ضد التيار، وكانت اعتداء على الفكر والفن باسم السياسة، وذلك في زمن لم يكن مسموحا فيه ألا تكون مسيسا، وألا تكون يساريا، وألا تكون منساقا مع الفن العام، ومع الاختيار العام، ومع الذوق العام ومع شعارات المرحلة.
في هذا المناخ الإيديولوجي المغلق ظهرت الاحتفالية، ولأن هذه الحركة المسرحية تنطلق من رؤية احتفالية للوجود، فقد كان ضروريا أن تعبر عن هذه الرؤية، وأن تجهر بها، وأن تعلن عنها أمام كل العالم، وأن تختزل قناعتها في التعريف التالي للمسرح، والذي هو التعبير الحر للإنسان الحر في المجتمع الحر، وبالتأكيد فإن مثل هذا الفعل لم يكن سهلا في ذلك الزمن السبعيني، وكان يتطلب شجاعة وجرأة، وكان يتطلب أن نقدم كثيرا من التضحيات، ولم يكن ممكنا أن نتنازل عن قناعاتنا الفكرية، أو أن نتراجع عن أية فكرة من أفكارنا المبدئية.
لقد قفزت هذه الاحتفالية على العشائرية القبلية، وقفزت على الطائفية الدينية، وقفزت على الطبقية السياسية إلى الإنسانية، وانتقلت من المحلية إلى الكونية، وانتقلت من ترديد الشعارات إلى صياغة الاختيارات الفكرية والجمالية الجديدة، وهذا بالتأكيد هو ما جعلها خصما وعدوا للذين لا يؤمنون بالتعدد والاختلاف، والذين لا يتسامحون مع المنحرفين والمحرفين ومع المنشقين ومع المجددين، وإلى حدود اليوم، ما زالت هذه الحرب على الاحتفالية قائمة، مع أن خرائط الأمس قد تغيرت، ومع أن التاريخ قد قال كلمته، ومع أن الواقع قد قال كلمته، ومع أن النقد العالم قد قال كلمته في حق هذه الاحتفالية.
س : عن الدكتورعبد الكريم برشيد المسرحي الذي ولد “متمردا” على كل أشكال الميوعة واستغباء المتلقي المغربي، فقد أطلقت نداءا ناريا يوم 8 يونيه الجاري بعنوان “نداء إلى المسرحيين المنبوذين” قلت فيه مثالا غير مسبوق أصبح دارجا على لسان كل الفنانين والمثقفين يقول “أغبى من وزارة الثقافة” ما هي دكتورعبد الكريم برشيد الأسباب الحقيقية لتفجيرك لهذا “الحزام الناسف”؟
ج : هو نداء بدرجة صرخة، وهو صرخة في صحراء المسرح المغربي، ولا أحد يمكن أن يصرخ إلا متألما ومتوجعا، وكذلك هو حالي وحال كل المسرحيين المغاربة في هذا النداء، أي حال من رأى سفينة المسرح المغربي تغرق، فكان ضروريا أن يصرخ هذه الصرخة القوية والمدوية، والتي هي بالتأكيد تعبير عن رفض سياسة الظلم والقهر، وهي تعبير عن رفض الفساد الذي وصل في وزارة الثقافة إلى حده الأقصى، ولهذا فقد كان ضروريا بالنسبة لنا أن نقول اليوم كفى، وأن نفضح المفسدين، وأن نكشف النقاب عن الوجوه البشعة، وأن نعلن أمام الرأي العام بأن الأمر يتعلق أساسا بوطن وبمواطنين، وأن هذا الوطن أكبر من أي حزب من الأحزاب، وهو أكبر من أية جماعة من الجماعات، وأنه لا يليق بالمسرح إلا أن يكون شعبيا، وأن يكون ديمقراطيا، وأن يكون لهذه الديمقراطية معنى الحوار ومعنى الاشتراك ومعنى الاقتسام ومعنى التسامح، وأعتقد أن دولة الحق والقانون لا يمكن أن تسير إلا بالحق والقانون، ونحن في هذا النداء نفضح السلطة الثقافية التي تسير الشأن الثقافي والمسرحي بعقلية ومنهجية العصابات والمليشيات والخليات السرية.
وأن يأتي اليوم نداء من مسرحي مغربي، معروف بمصداقيته واستقلاليته، وأن تحييه وأن تثمنه وأن تزكيه كل ( الطبقة) المسرحية المغربية، فإن هذا لا يمكن أن يكون له إلا معنى واحد، وهو أن الخلل موجود فعلا في هذا الوطن المسرحي، وأن هذا الخلل يتجسد في الظلم والقهر وفي سياسة إشعال الحروب الطائفية بين المسرحيين المغاربة، وذلك من خلال تقريب المقربين وإبعاد الغرباء.
وأعرف أنه لا شيء يتم بالمجان وبلا معنى، وهناك سياسة ثقافية وراء كل هذا، ولا أحد يعرف اليوم عن هذه السياسة أي شيء، وكل شيء يطبخ في المطابخ السرية والمغلقة، ويتم تنزيل القرارات التعسفية من فوق، وكل هذا ونحن نعيش زمن الدستور الجديد، ونتغنى بسياسة القرب، فلا أحد من المثقفين اليوم عنده علم بما يجري ويدور في الكواليس الإدارية، ومتى كان الشأن الثقافي شأنا إداريا؟
فلا أحد من المسرحيين له الحق في أن يشارك في السياسة المسرحية، وماذا يمكن أن نسمي هذا سوى أنه الاستبداد في بشع وأقذع صوره؟
ولا أحد من المسرحيين له علم بما يقع، أو بما سوف يقع، مع أن هذا المسرح هو مسرحهم، وأنه لا يحق تدبير أمرهم إلا بإشراكهم في مسائل فنهم وصناعتهم وحرفتهم، وأرى أن أرباب الطاكسيات وأرباب المخابز في المغرب، أكثر تحكما في مجالهم من المسرحيين بشكل خاص ومن كل المثقفين بصفة عامة.
س : في موضوع مختلف تماما يتعلق بالمسرح وحرية التعبير فقد أثارت إحدى المسرحيات النسائية جدلا فنيا واجتماعيا وجنسيا قل نظيره في أي دولة عربية، كيف تقيمون هذه التجربة التي تعرضت لأبشع النعوت وتهديدات التطرف؟ ألا يشاهد مغاربة العالم عبرالصحون المقعرة واليوتوب والأقراص المدمجة مسرحيات فرنسية وأنجليزية أجرأ من مسرحية “ديالي”؟
ج : المسألة من أساسها طرحت بشكل مغلوط، ولقد كان وراءها نوع خاص من الصحافة المغربية، والتي تمثلها صحافة الإثارة، والتي درجت على أن تبيع وتشتري في كل شيء، وأن تحرف كل شيء، وأن تزايد بالشعارات الكبيرة، مرة باسم الوطنية، ومرة باسم الحرية، ومرة باسم الدين، ومرة باسم الإيديولوجيا، ومرة باسم الجرأة، مع أنه لا معنى للجرأة إلا إذا كانت جرأة العلماء، وكانت جرأة المفكرين، وكانت جرأة الفنانين الحقيقيين، أما جرأة الحمقى والمرضى والمعطوبين نفسيا وذهنيا فتلك مسألة أخرى، وللعلم، فأنا لست مع أية جهة من الجهات، ولا أعتقد أنه يمكن تصنيفي بسهولة، ولقد فكرت وأبدعت وأنا خارج كل الصفوف وخارج كل الخنادق والخانات، وكنت دائما ضد عسكرة المجال الفكري والجمالي، وأرى أنه من الغباء أن نصنف الفنانين المبدعين بنفس التصنيفات الحزبية والصحفية، وأن نسقط عليهم نفس الأسماء ونفس المصطلحات، وأن نرهبهم بها.
شيء مؤكد أن ما أكتبه اليوم ليس وليد هذا اليوم، وأنا في حياتي اليومية لا أنطق عن الهوى، ولا أرتجل أفكاري ومواقفي، لأنها جزء من منظومتي الفكرية الاحتفالية، والتي أسستها على امتداد أربعة عقود كاملة، وأعتقد أنه من حقي أن أخالف كل العالم، ولكنه ليس من حقي أن أخالف أفكاري ومبادئي وقيمي واختياراتي الجمالية، فأنا أنتمي إلى ذلك الذي يسمى المسرح، والذي هو أبو كل الفنون وكل العلوم وكل الصناعات، والأساس في هذا المسرح أنه كتابة قبل كل شيء، وأن هذه الكتابة هي الحوار، وأنه لا وجود لحوار حقيقي إلى مع التعدد والتنوع، سواء في الأفكار أو في الرؤى أو في الاختيارات، وأنا لم أفعل سوى أنني أدليت برأيي، وأن هذا الرأي هو رأي واحد من الناس، وليس رأي كل الناس، فلماذا إذن كل هذا الضجيج وهذا الصخب؟ ولماذا تضيق بعض الصدور عن قبول الرأي المختلف والمخالف؟ وهل كان ينتظر مني أن أطلب الترخيص من متزعمي الحداثة المتوحشة قبل أن أكتب أية كلمة، وأن دلي بأي رأي؟
فأنا لست سلطة، ولا أمثل أية جهة تملك سلطة الضبط والمنع، وفي المقابل، فإنني لا أسمح لأية جهة لأن تمنعني من حقي المشروع في الكلام وفي التعبير، خصوصا وأنني قد بنيت كل فلسفتي الاحتفالية على مبدأ ( التعبير الحر للإنسان الحر في المجتمع الحر) وإنني ـ وبالمناسبة ـ أدين كل تلك الجهات التي حاولت ـ وباسم الحرية ـ أن ترهبني، وأن تصادر حريتي في أن يكون لي رأي، وإذا كان هذا الرأي لم يعجبها فتلك مسألة أخرى، وأعتقد أن القيامة لا يمكن أن تقوم لمجرد رأي عابر.
ومن أغرب الغرائب أن تدخل صحافة الإثارة على الخط، وأن تجعل من هذا الرأي العابر قضية حياة و موت، وأن تربط كل مستقبل المسرح المغربي بالحديث عن مسرحية ليست مسرحية، وأن تغضب لأنني سميت الأشياء باسمها الحقيقي، وأنني قد قلت بأن ما يقدم في المسارح ليس هو نفسه ما يمكن أن يقدم في الكباريهات وفي الأندية الليلية، وبالنسبة إلي، فأنا لا أملك موقفا أخلاقيا من أي شيء، كيفما كان، وأن يكون هذا الشيء منسجما مع اسمه ومع مكانه وزمانه وسياقه، فالإثارة مقبولة في النادي الليلي، ومقبولة في نوع من السينما، ولا اعتراض لي عليها، ولكنها غير مقبولة في المسرح، والذي هو مؤسسة تربوية وتثقيفية وعلمية وعلاجية قبل كل شيء.
س : رأيكم في مسألة الدعم والحروب القبلية التي تشتعل في كل موسم حولها، ثم ألا تعتقد أن تخصيص يوم وطني للمسرح من بين أسباب فشل المسرح؟
ج : فعلا، لقد أوجد هذا الدعم ظواهر غريبة عن روح المسرح، وبعيدة جدا عن أخلاق المسرح، وظهر فيه الانتهازيون والانتفاعيون والوصوليون والسماسرة وتجار الرقيق أيضا، أي أولئك الذين أقاموا أسواقا سرية للنخاسة، وأصبحوا يبيعون ويشترون الممثلين والفنانين فيها، وكل هذا في غفلة من التاريخ ومن الوزارة الوصية على المسرح.
وإذا كانت الساحة المسرحية المغربية اليوم، تعرف حروبا وتكتلات وتحالفات ومؤامرات، فإن أسباب كل هذا ترجع كلها إلى لعنة الدعم، فلا حد أصبح يختلف معك فكريا، ولا حد عنده رأي مخالف يواجهك به، ولا أحد يمكن أن يفكر في أي شيء من غير الدعم، ومن يحظى بهذا الدعم هو وحده المسرحي الكبيروالخطير، وهو الذي ينبغي على الجميع تقليده وتكرار تجربته، وهذا ما يفسر أن يعرف المسرح المغربي هذه النمطية في الكتابة وفي الإخراج وفي الأداء، والتي تجعلك تشاهد مسرحية واحدة، وليس مسرحيات كثيرة ومتنوعة.
وما لا تفهمه الوزارة الوصية، هو أن الدعم وحده لا يصنع نهضة مسرحية، وأن الإبداع ـ في معناه الحقيقي ـ هو معاني وأفكار قبل كل شيء، وهو صور وخيال، وهو بحث واجتهاد، وهو معاناة صادقة وحقيقة، ويمكن أن نرجع إلى تجربة مسرح الهواة في السبعينات مثلا، والتي أعطت أسماء كبيرة في التأليف وفي الإخراج وفي التمثيل وفي النقد وفي التننظير المسرحي، وكل ذلك في غياب أي دعم من أية جهة، وعلى العكس من ذلك، فقد كان هناك تضييق على حرية كثير من الفرق المسرحية، ولم يمنعها ذلك من أن تركب التحدي، وأن تبدع في ظل شروط اجتماعية وسياسية صعبة وقاسية، وأن تقدم مسرحا فقيرا ماديا، ولكنه غني بأفكاره وبمشاريعه وبطموحه وبكتاباته.
واليوم، وقد أصبحت وزارة الثقافة هي التي تنتج المسرحيات، وهي نفسها التي تشتري هذه المسرحيات، وهي التي تنظم المهرجانات ـ أو تساهم فيها ـ لترويج هذه المسرحيات، وهي التي تستدعي الضيوف والصحفين لمشاهدة المسرحيات والكتابة عنها، فقد أصبح من الضروري أن نستغرب لهذه الوضعية الشاذة، والتي لا وجود لها إلا في هذا البلد الغريب الذي يسمى المغرب، فالإنتاج المسرحي موجود، ولكن أين هو الطلب؟
وغياب الجمهور المسرحي يدفعنا لأن نتساءل: لماذا تنتتج الوزارة هذه المسرحيات؟
هل فقط، حتى يقال بأن لدينا حركة مسرحية مغربية؟ وأين هي الحركة مع وجود مسرح لا يمكن أن يعيش إلا بالسيروم وبالدفع والجر؟ وإلى متى؟ إلى أن تقوم القيامة؟
أما السؤال الثاني فهو لمن؟ للكراسي الفارغة؟
وأعتقد أن هذا العبث لا ينبغي يطول أكثر، وأرى أنه قد أصبح من واجبنا جميعا أن نصرخ بصوت واحد، وأن نقول الكلمة التي ينبغي أن تقال، والتي هي : كفى .. كفى
س : من دون شك أن المسرح المغربي يعيش مفارقة تتمثل في جيلين إن لم نقل فريقين، جيل أكاديمي خريج المعهد العالي وجيل جمعوي خريج دور الشباب، ألا ترى أن الجيل الأول هو الأجدى بلقمة العيش من الثاني حتى لا ينضاف إلى طوابير المعطلين المدبلمين أمام البرلمان وشوارع العاصمة؟
ج : المسرح أساسا هو التعدد والتنوع، وهو وجود الأنا والأنت، وهو وجود النحن والآخر، فهو الدنيا التي تسع الجميع، ولا يمكن أن تضيق عن أي أحد، والذين في نفوسهم ضيق لا يمكن أن يكونوا من أهل المسرح، ويمكن أن تتعايش في هذا المسرح كل الحساسيات وكل التجارب، وأن تتحاور فيه كل الأجيال وكل الأسماء، ورغم أن العالم الغربي مازال يفاجئ العالم بتجاربه الجديدة والمتجددة، فإنه لم يتوقف لحظة عن الاهتمام بربرتواره المسرحي، ولهذا فقد كان ضروريا أن نكف عن ارتجال الخلافات والصراعات الغبية، وأن نهتم بروح الإبداع، وأن نعرف بأنه لا أحد يمكن أن يرضي كل الأذواق، وبأنه لا وجود لجمهور مسرحي واحد يطلب ( نوعا) مسرحيا واحدا
س : الدكتورعبدالكريم برشيد هل تقبلون في يوم ما بتقلد منصب وزير تيقنوقراط في وزارة الثقافة إذا كان الجواب بالنفي لماذا، وإذا كان بالإيجاب ما هو أول عمل سوف تقومون به مباشرة غداة تعيينكم؟
ج : كان من الممكن أن أقبل، لو أن هذا كان منذ أكثر من عشر سنوات، أما الآن، وقد أصبح وضع الثقافة المغربية مميعا بالصدقات والعطايا وبالصفقات المشبوهة، وأصبح للإبداع الأدبي والفني سوق كبير، وأصبح لهذا السوق تجاروسماسرة، يفهمون في الأرقام ولا يفهمون شيئا في الأفكار والمعاني، فلا أعتقد أنني من الممكن أن قبل، ولقد أعلنت مؤخرا انسحابي من هذه الوزارة، ووضعت في اعتباري الحقيقة التالية، وهي أنه لا وجود اليوم لشيء يسمى وزارة الثقافة في المغرب.
س : في ظل ثورة الرقمية والتكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي كيف تعيشون هذه الطفرة ثم ألا تفكرون في إطلاق موقعكم الإلكتروني الخاص للملمة كل أعمالكم وبحوثكم ؟
ج : أعيش هذه الطفرة وأنا موجود فيها وغريب عنها، وحالي فيها مثل حال صديقي امرؤ القيس الذي أتيت به من صحراء العرب، وألقيت به في باريس، وبالمناسبة فإنني أطلب منه ومن التاريخ ومن السادة المؤرخين أن يسامحوني، أما بخصوص الموقع، فقد أجد الجرأة و( السنطيحة) لأدخل يوما هذا العالم الجديد.
س : يعيش العالم العربي على إيقاع ثورات حارقة منذ ثلاث سنوات في رأيكم الدكتورعبد الكريم برشيد هل فعلا كل ما يجري في تقديركم هو مدبر بأيادي خفية من الخارج، ثم باعتباركم مثقفا عربيا هل فعلا خذل المثقف العربي الجماهير في وقت ومنعطف تاريخي حاسم ما أحوجها إليه الآن من أي وقت مضى، من أجل تأطيرها عقلانيا بعيدا عن مؤامرة مقولة “الفوضى الخلاقة”؟
ج : بالتأكيد هي من تدبير الأيادي الخفية الأجنبية، بتواطؤ ـ طبعا ـ مع العملاء الذين بيننا، والذين لهم أجسادهم معنا، ولكن سيوفهم علينا وعلى رقابنا، أما المثقف العربي فهو بريء من كل هذه المسرحية الميلودرامية، وهو منفي في وطنه، أو خارج وطنه، ونحن لا نتذكره إلا في الوقت بدل الضائع، والسياسيون يرتكبون الأخطاء القاتلة، ويريدون من المثقف المهمش في مجتمعه، والموجود خارج كل السياقات أن يدفع الثمن، وذلك هو اللامعقول في أبشع صوره، وهذا هو المعنى الذي عبرت عنه في مسرحية (عنترة في المرايا المكسرة) والتي كتبتها سنة 1970 وقدمتها فرقة المعمورة سنة 1974 وفيها يعيش عنترة كل أنواع العبودية من قبيلته وعشيرته، ومع ذلك، يريدون من العبد أن يحررقومه، ومتى كان بإمكان هذا المثقف المستعبد والمقصي أن يفعل شيئا لشعبه وأمته؟
س : دكتورعبدالكريم برشيد بصراحة إذا كنتم تتحسرون على شيء ما في مساركم المسرحي الزاخرما هو؟ وفي المقابل إذا كنتم ممتنون لشخص أسهم كثيرا في نحت شخصيتكم فمن هو؟
ج : أنا لا أتحسر على أي شيء، وأعتبر أن الواقع لا يمكن أن يكون إلا واقعيا، وأن الأشياء مشروطة بشروطها وبحيثياتها وبمقدماتها، وإنني ـ مثل كل الناس ـ قد ارتكبت أخطاء، مرة عن جهل، ومرة لأن رهاناتي كانت في غير محلها، ولكنني عملت دائما على تصحيح أخطائي، وحرصت على أن أعتبرها تجربة لابد منها، ولا أظن أنه من الممكن أن نتعلم في مدرسة الحياة مجانا، وإنني أدفع ثمن أخطائي من غير أن أشكو حالي، وإنني لا أتوقف لحظة عن ترديد الكلمة التالية ( الشكوى لغير الله مذلة(
أما الذين نحتوا شخصيتي فيأتي على رأسهم الوالد رحمه الله، والذي كان عاشقا للمعرفة والحكمة، وكان عاشقا للغة العربية، وأيضا جدتي للا خدوج لحلو رحمها الله، والتي كانت امرآة قوية ولا تتكلم إلا بالحكم والأمثال الشعبية، أما في المسرح، فإنني أدين بالشيء الكثير لأستاذي الحسين المريني رحمه الله، ولقد أهديت كتاب ( الصدمة المزدوجة: المسرح والحداثة) لروحه.
س : أخيرا، بعد كل هذه الإصدارات القيمة التي نشرتها على مدى أربعة عقود ألا يزال هناك نصيب وافر لسيرتك الذاتية؟
ج : لقد نشرت منذ كتاب ( غابة الإشارات) وهو عبارة عن سيرة فكرية، كما أصدرت منذ شهور كتابا جديدا يحمل عنوان ( اعترافات الحكواتي الجديد) ولي كتاب ثالث جاهز عنوانه ( أنا الذي رأيت) هذا باضافة إلى كتاب يمزج بين الرحلة والمسرحية والسيرة الذاتية، وقد أعطيته عنوان ( الرحلة البرشيدية)